Al-Quds Al-Arabi

ﻛﻲ ﻻ ﺗﻔﺘﻜﺮ أن اﻟﻘﺮاءة ﺷﻲء ﻫﻴﻦ

- ■ ﺣﺴﻦ داوود ٭ ﻛﺎﺗﺐ ﻟﺒﻨﺎﻧﻲ

ﻣــﻦ ﳊﻈﺔ ﻣﺎ ﻳﺼﻴﺮاﻟﻜﺘــ­ﺎب اﳉﺪﻳﺪ ﺑﲔ أﻳﺪﻳﻨﺎ ﻧﺒﺪأ ﺑﺎﻟﺘﻌﺮف ﻋﻠﻴﻪ: ﻣﻠﻤﺴــﻪ وﺳﻤﺎﻛﺔ أوراﻗﻪ وﺣﺠﻢ اﳊﺮف اﻟﺬي ﻛﺘﺐ ﻓﻴﻪ. ﺛــﻢ، ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ، وداﺋﻤﺎ ﻗﺒﻞ أن ﻧﺒﺪأ ﺑﻘﺮاءة اﳌﻘﻄــﻊ اﻷول ﻣﻦ ﺻﻔﺤﺘﻪ اﻷوﻟﻰ، ﻧﺬﻫﺐ إﻟــﻰ ﺻﻔﺤﺘﻪ اﻷﺧﻴــﺮة، ﻟﻨﻌﺮف إن ﻛﺎن ﻣﺎ ﺳــﻨﻘﺮأه ﺳــﻴﻌﻴﻴﻨﺎ، ﻛﺄن ﻳﻜﻮن ﻓﻲ 374 ﺻﻔﺤﺔ ﻣﺜﻼ. ﻫﺬا ﻛﺜﻴﺮ أﻗﻮل. ﻛﺎن ﻳﻨﺒﻐــﻲ أن أﻧﺘﺒﻪ ﻗﺒﻞ أن أﻗﺮر ﺷــﺮاءه. ﻻ أﺣ ﺑﺪأتّﺑﻘﺮاءةأﺣﺪﻫ­ﺎ

ّﺐ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻜﺒﻴﺮة. إن اﺗﻔّﻖ أن أﻛﺘﻔﻲ ﻣﻨﻪ ﲟﺎ ﻳﺴــﺎوي ﻋﺪد ﺻﻔﺤــﺎت ﻛﺘﺎب ﺻﻐﻴﺮ، أو ﻛﺘﺎب ﻣﺘﻮﺳﻂ ﻓﻲ أﺣﺴــﻦ اﻷﺣﻮال. وﻟﻢ أﻋﺪ أﺟﺪ ﻧﻔﺴﻲ ﻣﻘﺼﺮا ﻟﺘﺮﻛﻲ اﻟﺼﻔﺤﺎت اﻟﺒﺎﻗﻴﺔ ﺑﻼ ﻗﺮاءة.

ﺳــﺎﻋﺪﻧﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﻋﻘﺪة اﻟﺬﻧﺐ ﻣﺎ ﻗﺮأﺗﻪ ﻣﺆﺧﺮا ﻋﻠﻰ ﻓﻴﺴــﺒﻮك. ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﻘﻠﻴﻠﺔ ﺗﻠﻚ ﻻ ﺗﺪﺣﺾ وﻻ ﻳﺴﺘﻬﺎن ﺑﻬﺎ، إذ ﻫﻲ ﻣﻦ أﺣﺪ أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺘﺒﻮا ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺴــﺎﺑﻊ ﻋﺸــﺮ أو اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﺸﺮ، وﻟﻢ ﻳﺘﻮﻗﻒ اﻟﻨــﺎس ﻋﻦ ذﻛﺮﻫﻢ ﻣﻨﺬ ذﻟــﻚ اﳊﲔ. »ﻻ ﺗﻘﺮأ إﻻ ﻣﺎ ﲡﺪ ﻧﻔﺴﻚ ﺳــﻌﻴﺪا ﺑﻘﺮاءﺗﻪ« ﻫﻜﺬا ﻗﺎل اﻟﻜﺎﺗﺐ اﳋﺎﻟﺪ ﻣﻌﺎرﺿــﺎ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻟﻘﻨﺘﻪ وﻧﺸــﺄت ﻋﻠﻴﻪ، ﻣﻨﺬ أن أدﺧﻠﻨﻲ واﻟﺪي إﻟﻰ اﳌﺪرﺳــﺔ. ﻛﺎن ﻳﻠﺤــﻮن ﻋﻠﻲ أن أﻗﺮأ درس اﻟﺘﺎرﻳــﺦ، وأن أﺣﻔﻈﻪ ﻓــﻮق ذﻟﻚ، وأﻧﺎ ﻻ أﺣﺐ اﻟﺘﺎرﻳﺦ. وﻫﺬا ﻋﻠــﻰ ﻛﻞ ﺣﺎل ﻣﺎ رﺣﺖ أﻓﻌﻠﻪ ﻣﻊ أوﻻدي، ﻣﻊ ﻣﻌﺮﻓﺘــﻲ ﻛﻢ ﻫﻮ ﻇﺎﻟــﻢ أن أﺟﺒﺮﻫﻢ ﻋﻠﻰ ﻗﺮاءة، ﺛﻢ ﻋﻠﻰ ﺣﻔﻆ، ﻣﺎ ﻻ ﻳﺤﺒﻮﻧﻪ.

ﺣﺘﻰ اﻟﺬي أﺣﺒﻪ ﻻ أﺟﺪﻧﻲ ﺳــﻌﻴﺪا ﺑﺈﺳــﺮاﻓﻪ ﻓﻲ إﻃﺎﻟﺔ ﻋــﺪد اﻟﺼﻔﺤﺎت. ﻫﻜــﺬا أروح، ﺑﻌﺪ أن أﺗﻌﺮف ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺘﺎب اﳉﺪﻳــﺪ، ﺑﺎﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻲ وﺻﻔﺘﻬﺎ أﻋﻼه، أﻗّﺪر ﻛﻢ ﻫــﻮ ﻋﺪد ﺻﻔﺤﺎﺗﻪ ﻓﻌﻠّﻴﺎ، أي ﻟﻴﺲ ﺑﺤﺴــﺐ اﻟﺮﻗﻢ 374 اﳌﻮﺿﻮع ﻓﻲ أﺳﻔﻞ اﻟﺼﻔﺤﺔ اﻷﺧﻴﺮة. أﻗﺼﺪ أن أﺣﺬف ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﺮﻗــﻢ اﻟﺼﻔﺤﺎت اﻟﺒﻴﻀﺎء اﻟﺘﻲ ﻻ ﻛﻼم ﻓﻴﻬﺎ، ﺑﺪءا ﻣﻦ اﻟﺼﻔﺤــﺎت اﻷوﻟﻰ اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﻳﺼﻞ ﻋﺪدﻫﺎ أﺣﻴﺎﻧﺎ إﻟﻰ 13 ﻫﻲ أول ﻣﺎ أﺣﺬﻓﻪ، ﺛﻢ اﻟﺼﻔﺤﺎت اﻟﺘــﻲ ﺗﻌﺰل اﻟﻔﺼــﻮل ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻋﻦ ﺑﻌــﺾ، وﻫﺬه ﻗﺪ ﻳﺼﻞ ﻋﺪدﻫﺎ أﺣﻴﺎﻧﺎ إﻟﻰ ﻋﺸﺮﻳﻦ، ﺛﻢ اﻟﺼﻔﺤﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻮﻗﻒ ﻓﻴﻬﺎ اﻟــﻜﻼم ﻋﻨﺪ ﻣﻨﺘﺼﻔﻬﺎ، أو ﻓﻲ رﺑﻌﻬﺎ أو ﻣﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻦ ذﻟﻚ، أو ﻳﻨﻘﺺ. ﻫﻜﺬا أﻛﻮن أﺟﺮد اﻟﻜﺘﺎب ﻣﻦ ﻓﺮاﻏﺎﺗﻪ ﻷﺻﻞ إﻟﻰ اﻟﻌﺪد اﻟﺼﺤﻴﺢ اﻟﺒﺎﻗﻲ.

ﻏﻴﺮ أﻧﻨــﻲ، ﺣﲔ أﻧﺘﻬــﻲ ﻣﻦ ﻋﻤﻠــﻲ ذاك وﻳﺼﺒﺢ اﻟﻜﺘﺎب أﺻﻐــﺮ ﳑﺎ ﻫﻮ ﺑﺄرﺑﻌﲔ ﺻﻔﺤﺔ أو ﺧﻤﺴــﲔ، ﻳﺒﺎﻏﺘﻨﻲ ﺗﺨﻴﻠﻲ ﻟﻠﻤﺨﻄﻮﻃﺎت اﻟﻘﺪﳝﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺤﺘﺸــﺪ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻜﻼم اﺣﺘﺸﺎدا ﳝﻨﻊ اﻟﻜﻠﻤﺎت ﻣﻦ اﻟﺘﻨﻔﺲ.

وﻓﻲ ﻛﺘﺐ ﻗﺪﳝﺔ أﺣﺘﻔــﻆ ﺑﺒﻌﺾ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ ذاﻛﺮﺗﻲ، ﳉﺄ ﻣﺼﻨﻒ ﻣﻘﺎﻣﺎت اﳊﺮﻳﺮي إﻟــﻰ وﺿﻊ ﺗﻌﻠﻴﻘﺎﺗﻪ، اﳌﺴــﺎوي ﻋﺪد ﻛﻠﻤﺎﺗﻬﺎ ﳌﺎ ﻛﺘﺒﻪ اﳊﺮﻳﺮي ﻧﻔﺴﻪ، وﻛﻞ ذﻟﻚ وﺿﻊ ﻓﻲ ﻫﻮاﻣﺶ اﻟﺼﻔﺤﺎت، وﻫﻲ اﳌﺴــﺎﺣﺎت اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﻨﺒﻐــﻲ أن ُﺗﺘﺮك ﺑﻴﻀﺎء. ﻟــﻢ أﻗﺮأ ﻣﻘﺎﻣﺎت اﳊﺮﻳــﺮي ﺗﻠﻚ، إذ إﺿﺎﻓــﺔ إﻟﻰ ﲢّﻤﻞ ذاك اﻟﺴــﻮاد اﶈﺘﺸــﺪ، ﺳــﻴﻜﻮن ﻋﻠّﻲ أن أﻗﺮأ ﻣﺎ ﻛﺘﺒﻪ اﳌﻔّﺴــﺮﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ، ﻫﻜﺬا ﲟﺎ ﻳﺸــﺒﻪ أن ﻳﻨﻘﺴﻢ ﻧﻈﺮي ﺑﲔ ﻫﻨﺎ وﻫﻨﺎك، أﻗﺮأ ﺑﻌﲔ اﻟﺸــﻤﺎل اﻟﻬﺎﻣــﺶ اﻟﺬي ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻤﺎل وأﻗﺮأ، ﺑﺎﻟﻌﲔ اﻷﺧﺮى، اﳌﻘﺎﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﺻﺎرت ﻓﻲ ﺟﻬﺔ اﻟﻴﻤﲔ.

ﻻ أﺣﺒــﺬ إذن أن ﺗﻜﻮن اﻟﺼﻔﺤــﺎت ﻏﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻜﻼم ﻣﻦ أﻋﻼﻫﺎ إﻟﻰ أﺳــﻔﻠﻬﺎ، ﺑﻞ أﺟﺪﻧﻲ ﺣــﲔ أﺑﺪأ ﻗﺮاءة اﻟﻜﺘﺎب، ﺑﻌــﺪ اﳋﻼص ﻣﻦ ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﺘﻌﺎرف، أﺳــﺮع إﻟﻰ ﺑﻠﻮغ آﺧﺮ اﻟﻔﺼﻞ ﻛﻲ أرﺗﺎح. أﺟﻤﻞ اﻟﻜﺘﺐ ﻫﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﺣﲔ ﺗﺒﺪأ ﻓﺼﻮﻟﻬﺎ ﻻ ﺗﻠﺒﺚ أن ﺗﻨﺘﻬﻲ. ﻛﺄﻧﻨﻲ أﻗﺮأ ﻷﺻﻞ إﻟﻰ ﺣﻴﺚ ﺗﻠﻚ اﻻﺳــﺘﺮاﺣﺔ، ﻣﻼﺣﻘﺎ أﺛﻨﺎء ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﻣﺎ زال أﻣﺎﻣﻲ. ذاك أﻧﻲ، ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أن ﻳﻨﺘﻬﻲ اﻟﻔﺼﻞ، وﻳﺒﺪأ ﻓﺼﻞ ﺟﺪﻳﺪ أﻧﻈــﺮ ﻛﻢ ﻋﺪد اﻟﺼﻔﺤﺎت اﻟﺘﻲ ﺳﺄﻗﺮأﻫﺎ ﻗﺒﻞ أن أﻋﻮد إﻟﻰ اﻻﺳﺘﺮاﺣﺔ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ.

ﻫــﺬا اﻟﺼﺒﺮ اﻟﻨﺎﻓﺪ ﻫﻞ ﻳﺸــﻤﻞ ﻛﻞ اﻟﻘﺎرﺋﲔ، أم أﻧﻪ ﻧﻘﻴﺼﺔ ﻓﻲ وﺣﺪي، ﻫﺬا ﻣﺎ ﻻ أﺟﺪ ﻧﻔﺴــﻲ ﺳﺎﻋﻴﺎ إﻟﻰ أن ﻳﺠﻴﺒﻨــﻲ أﺣﺪ ﻋﻨﻪ. ذاك ﻷﻧــﻲ أرى أن ﻣﻦ ﻳﻘﺮأون ﻫﻢ ﻛﻠﻬﻢ ﻫﻜﺬا، ﻣﺜﻠﻲ. ﻳﻘﺮأون ﻗﻠﻴﻼ وﻳﺮﺗﺎﺣﻮن ﻗﻠﻴﻼ، ﺑﻞ ﻳﻘﺮأون ﻗﻠﻴــﻼ وﻳﺮﺗﺎﺣﻮن ﻛﺜﻴــﺮا. ﻛﻤﺎ أرى أﻳﻀﺎ أن اﻟﻘــﺮاءة ﺗﻌﺬﻳﺐ أﻟﺰم ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس أﻧﻔﺴــﻬﻢ ﺑﻪ. أﻗﺼﺪ ﺑﺎﻟﺘﻌﺬﻳﺐ ﺗﻠﻚ اﻟﻮﺣﺸــﺔ اﻟﺘﻲ ﺟﺮى ﻓﻲ وﺻﻒ ﺣﺴﻨﺎﺗﻬﺎ ﺣﺒﺮ ﻛﺜﻴﺮ. وﺣﺸــﺔ أن ﺗﻜﻮن ﻗﺎدرا ﻋﻠﻰ أن ﺗﻜﻮن ﺑﲔ ﻛﺜﻴﺮﻳﻦ ﻟﻜﻨﻚ ﻣﻊ ذﻟﻚ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻨﻔﺮدا ﺑﻨﻔﺴــﻚ ﻫﻜﺬا وﺣﺪك. ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻻ ﻳﻨﻄﺒﻖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ذﻟﻚ. أﺑﻮ اﻟﻌﻼء اﳌﻌﺮي ﻣﺜﻼ اﻟــﺬي ﻛﺎن، ﻓﻲ إﻗﺒﺎﻟﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺮاءة، ﻛﺄﻧﻪ ﻳﻘﻠﺐ ﻛﺘﺒﺎ ﻣﻮﺟــﻮدة ﻓﻲ داﺧﻞ رأﺳــﻪ، أو ﻛﻤﺜﻞ ﻃﻪ ﺣﺴــﲔ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎن ﻫﻨــﺎك ﻣﺆاﻧﺲ ﻳﻘﺮأ ﻟﻪ وﻳﺸــﻌﻞ ﻟﻪ ﺳــﺠﺎﺋﺮه وﻳﻌﻴﺪ ﻓﻨﺠﺎن ﻗﻬﻮﺗﻪ إﻟــﻰ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﻋﻠﻰ اﳌﻨﻀﺪة ﻗﺒﻞ أن ﻳﺼﻞ إﻟﻰ ﺣﺎﻓﺘﻬﺎ ﻓﻴﻘﻊ.

 ?? ??
 ?? ??
 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom