Al-Quds Al-Arabi

السعودية: حملة تصعيد الاعتقالات وتصفية المعارضين

- علي ال غراش * ٭ كاتب سعودي

هل سترتكب الرياض المزيد من عمليات الاستهداف والتصفية ضد النشــطاء الســلميين بســبب التعبير عن الــرأي والمطالبة بالإصلاح والتغييــر والمعارضة للنظــام بعد تصريحاتها الأخيــرة بأنها وضعت خطة وخصصت فرقــا أمنية دموية لإعادة وجلب المعارضين من الخارج للداخل بأي طريقة ولــو جثث أو قطع كما فعلت بقتــل الإعلامي جمــال خاشــقجي، والتعذيب لدرجة القتل في المباني الحكومية داخل وخارج البلاد كالقنصليات والســفارا­ت والسجون، والإعدام لمن في الداخل كالمعتقلين للمجموعة المعروفة بـ )الكفاءات( أو خلية التجسس حسب تسمية الحكومة، حيث أرسلت المحكمة الجزائية المتخصصــة بالرياض في 1 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 ملفات 12 شخصا محكوما عليهم بالإعدام لرئاســة أمــن الدولة للمصادقــة مما يعني اقتراب موعد تنفيذ حكم الإعدام.

وكذلك مطالبة النيابة العامة الســعودية بالإعدام لعدد مــن المعتقلين والمعتقلات منهم الشــابة إســراء الغمغام المعتقلة بســبب التعبير عن الرأي، مما يعني تكــرار ما فعلتــه من قبل بإعــدام عدد من النشــطاء الحقوقيــن والمعارضــ­ن كإعدام الشــيخ نمــر النمر وغيره، في ظل ما تواجه الســلطات السعودية حاليا من ضغوط إعلامية وسياســية بعد اعترافها بجريمة اختطاف وقتل الإعلامي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في تركيا بطريقة وحشــية داعشــية، بعد كذب ونكران وتســتر ومماطلة، حيث تحولت تلك الجريمة الإرهابية إلى قضية دولية تشغل وتهم الرأي العالمي!

هنــاك قلق شــديد مــن أن الوضع المتــأزم للعائلة الحاكمة في الرياض بعد اعترافها بجريمة قتل الناشط الإعلامي المعــروف جمــال خاشــقجي يجعلها تقوم بالتصعيد عبر إعدام بعض المعتقلين والمعتقلات بسبب التعبير عن الرأي كمحاولة منها لإشــغال وتشــتيت الإعلام والرأي العام داخل المملكة وخارجها للهروب من الضغوط الدولية التي تطالب بمحاســبته­ا ومعاقبتها على جريمة قتل خاشــقحي، حيث يوجد خوف جدي مــن قيام النظام الســعودي بقطع رقــاب بعض أفراد مجموعة الكفاءات وغيرهم، ومطالبــة النيابة العامة بعقوبات قاســية جدا كالإعدام كما حدث مع الناشطة الحقوقية الســلمية المعتقلة إســراء الغمغام وزوجها موسى الهاشم وكذلك الداعية المعروف سلمان العودة وغيرهــم. هذا وقد قدمت النيابة اتهامات ضد إســراء الغمغام وزوجها تتعلق بالنشــاط والحراك السياسي والمطلبي والتظاهــر والتصوير، وكل الاتهامات المقدمة ضدها تتعلــق بالتعبير عن الرأي، ولو أقدمت الرياض بإعدام الناشــطة الغمغام فســتكون هذه أول عملية إعدام لامرأة بسبب التعبير عن الرأي في المملكة.

الدم يجر الدم

الشــابة إسراء حســن الغمغام تم اعتقالها بطريقة مرعبــة فــي 8 ديســمبر/كانون الأول 2015 بالهجوم الأمني الوحشــي ومداهمة شــقتها بعد كسر الأبواب فتــم اعتقالها مع زوجها موســى الهاشــم الذي مازال لغاية اليــوم معتقلا في القطيــف، واقتادتهما القوات الأمنية إلى ســجن المباحث العامة الدمــام. والغمغام هي أول امرأة من القطيف تعتقل بتهمة ممارسة الحراك والنشاط السياســي خلال الأعوام الأخيرة. ولم يتم إعلام عائلتي موســى وزوجته بعملية الاعتقال، ولم يعلم أحد باعتقال الهاشــم وزوجتــه إلا بعد انقضاء يومين. وكان والدا الهاشــم والغمغام قــد توجها إلى إدارة ســجن المباحث للاستفســا­ر عن أبنائهما، فأكد المسؤولون في الســجن خبر اعتقالهما إلا أنهم رفضوا إعطاءهما أي تفاصيل عن سبب الاعتقال.

فــي ‪8//6 2018‬عقدت الجلســة لمحاكمــة الغمغام بشــكل مفاجىء بدون وجود أي محامي حيث طالبت النيابة بإصــدار حكم الإعدام، والجلســة الثانية في 28/10/2018 تم تأجيلهــا إلــى شــهر كانــون الأول/ ديسمبر 2018. وقد شهدت برامج التواصل الاجتماعي حملات تندد بالمحكمة، وقد عبرت الجمعيات الحقوقية في العالم عن قلقها الشــديد على ســامة الغمغام كما عبرت كندا عــن اســتنكاره­ا مطالبة النيابــة العامة إعدامها الغمغام.

الحكومة السعودية تحاول إعاقة وتوقيف أي حراك مطلبي من خلال القوانين والأنظمة المستبدة والترهيب والتخويف والاعتقالا­ت التعســفية، التي وصلت إلى حد إصدار حكم الإعدام كما حــدث لمجموعة الكفاءات ومطالبــة النيابة العامة بالإعدام للمعتقلة الناشــطة إسراء الغمـغام.

وهذه ليســت المرة الأولى التي يقــوم فيها النظام السعودي بقتل نساء في مؤسساته الرسمية الأمنية، فقد ارتكب النظام انتهاكات صارخة لحقوق الإنســان من قمع واختطــاف واعتقال وســجن وتعذيب وقتل بحق الرجال والأطفال والشــيوخ والنساء، ولا يمكن نسيان ما قام به جلاوزته من قتل زهراء حبيب الناصر من الأوجام في القطيف تحت التعذيب الوحشــي، إذ إنها اعتقلت مــع زوجها في مركز جمــارك الحديثة - نقطة الحدود البرية بين الســعودية والأردن - بسبب أنها تحمل كتابا دينيا في تاريخ 15 تموز / يوليو 1989 ونتيجة تعرضها للتعذيب الوحشــي لمــدة ثلاثة أيام توفيت بتاريــخ 18تموز/يوليو 1989 ومن ثم ســلمت الجثة إلــى أهلها ودفنت في قرية الأوجام في 20 تموز/ يوليو 1989 وقد أطلق سراح زوجها.

الدم يجر الدم، وإصرار الرياض على معالجة الحراك السياسي والنشاط المطلبي الشعبي باستخدام القوة المفرطة بالاختطاف والاعتقال والتعذيب لدرجة الموت وقطع الرقاب للنشطاء الحقوقيين والمعارضين كجريمة قتــل الصحافي المشــهور جمــال خاشــقجي بطريقة وحشية مروعة، ووفاة عدد من المعتقلين في السجون بسبب التعذيب البشع، وقطع رقاب مجموعة الكفاءات ســيؤدي للمزيد مــن التــأزم والاحتقــا­ن والغضب الشعبي.

الوطن للجميع

هناك قلق شــعبي وعالمي من أســلوب الرياض في معالجة الأزمات الداخليــة والإقليمية عبر القوة الذي هو شــعار العهــد الجديد الحــزم والعزم العســكري والأمنــي حيث شــنت حــرب عبثية ضــد اليمن أدى لســقوط ضحايا بالملايين وتدمير البلد والتســبب في أكبر كارثة إنسانية بالإضافة إلى الاعتقالات التعسفية للكفاءات والنخب ورجال الأعمال الوطنية واستخدم أسلوب التصفية الجســدية للمعارضين. إنها سياسية الدم والتصعيــد التي لا تخــدم ولا تصب في مصلحة الوطن والمنطقة بل على العكس.

الوطــن في حاجة إلــى حلول ســلمية عبر الحوار الوطنــي، فالوطن للجميع ولابد من مشــاركة الجميع وفق أنظمة منبثقة من دستور يمثل إرادة الشعب، ولابد من احترام رأي الشــعب وإعطــاء المواطنين حقوقهم الإنســاني­ة والوطنية بحق المشاركة في الوطن، وفتح المجال للمرأة بالمشاركة في بناء وإعمار الوطن، فالمرأة الحرة الواعية قادرة على بناء الأمة الناجحة بسواعد أبنائهــا الأحرار فهي أم الإنســان، بينما الاعتداء على المرأة واعتقالها وسجنها وتشويه سمعتها في وسائل الإعلام هو انتهاك صارخ للحقوق وللعادات والتقاليد ويدمر الوطن.

شكر وتقدير للنشطاء من الرجال والنساء للمطالبة بحقــوق المجتمع وتحقيــق الإصلاح وســيادة دولة القانون والمؤسســا­ت، ومحاربة الفســاد والمفسدين والمســتبد­ين، ولأجل منع قطع رقــاب أرواح بريئة من القتل الجائر كأفراد مجموعة الكفاءات وكذلك المعتقلة الناشطة السلمية إسراء الغمغام وغيرها، والدفاع عن حقوق المجتمع وعن المظلومين بشكل سلمي وحضاري. وتحية لكل من يدافع عن المعتقلين والمعتقلات بســبب التعبير عــن الــرأي ويتضامن معهم ومــع عوائلهم. وتحيــة إكبار لكل امرأة حرة ناشــطة تســعى لإعداد مجتمع حر يتمســك بالعدالة والحريــة والتعددية لا يفرط في حقوقه ويسعى لإعمار الأرض.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom