Al-Quds Al-Arabi

الخطوة التالية لحكومة الرزاز بعد استئناف «زيارات المفاجأة»: «مطبخ» بيروقراطي بدون وزراء في «الرئاسة» وتطوير خدمات «القطاع العام»

- عمان- «القدس العربي» من بسام البدارين:

يعــود رئيس الــوزراء الأردني الدكتــور عمر الرزاز مجــدداً للمعيــار الوحيــد الــذي يعتقد أنه يســتطيع النجاح فيه وبسرعة أكثر من أي مسار آخر وهو ملف «تحسين خدمات القطاع العام.»

تبدو الرحلــة هنا صعبة ومعقدة أيضاً، خصوصاً بعــد مــا حصل فــي أزمــة البحــر الميــت وتداعياتها، وبعدمــا خــذل النظــام البيروقراط­ــي وفــي أكثر من مفصل في هذه الحادثة المؤلمة رئيس الحكومة نفسه.

يخطط الرزاز لقلب صفحة حادثة البحر الميت التي أدت لغــرق 21 أردنيــاً وســط قناعة جميــع الأطراف بأن ملف القضية الآن وبعد خســارة الــرزاز لوزيرين اســتقالا تحــت بنــد المســؤولي­ة الأخلاقية بــن يدي السلطة القضائية.

الادعــاء وفــي قضية البحر الميــت أوقف على ذمة التحقيــق ثمانيــة أشــخاص حتــى الآن، مــن بينهــم مديرون في مدرسة أرســلت رحلة حافلة الطلاب في ظل طقس ســيئ للغاية، وموظفــون من وزارة التربية والتعليــم، إضافــة إلــى عاملين في شــركة مغامرات سياحية.

فــي كل حــال، تريــد حكومــة الــرزاز التركيز على منهجية التعاطي مع الحــادث وتداعياته عبر تحقيق قضائي مستقل عن الجانب السياسي.

لذلــك بــرزت التوقيفــا­ت على ذمــة التحقيق حتى قبــل معرفــة نتائــج عمــل وتحقيقات لجنة مســتقلة أمر القصر الملكي بتشــكيلها فــي موازاة لجنة تحقيق برلمانية أوصت بمسؤولية وزيري التربية والسياحة المســتقيل­ين. هنــا تخطــط الحكومة لصــرف الأنظار، ولو قليلاً، عن حادثة البحر الميت والمشــاعر الســلبية التي أثارتها في المجتمع. وتســعى في الوقت نفســه للعــودة إلى ملف الأولوية التشــريعي، وهــو قانون الضريبــة الجديــد الــذي بــدأ مجلس النــواب يجري بعض التحسيـنات عليه لتمـريره شـعبياً بأقل ضـجة ممكنة.

حادثــة البحر الميــت عمليــاً خطفت الأضــواء من قانــون الضريبــة. وفــي الأثناء، تســربت نقاشــات القانون عبر اللجنــة الاقتصادية المختصة التي رفعت مــن ســقف الشــرائح الضريبيــة وحاولت تحســن النصــوص لكــي يقبلهــا الــرأي العــام. وحصل ذلك في ظــل توافق ضمني تعلم به «القــدس العربي» بين الحكومــة والمزاج البرلماني، وعلى أســاس أن النواب يستطيعون وضع بعض التحسينات.

يفتــرض أن يقــر قانــون الضريبــة الجديــد المثير للجــدل قبل نهايــة الشــهر الحالي، ويتوقــع أن تبدأ موجــة جديدة من النقاشــات الصاخبة شــعبياً ضد التعديلات التي تنطوي على تصعيد ضريبي.

لكــن الحكومــة تبدو قــد نجحت في عزل نفســها عن ســياقات الجدل الضريبي بأن وضعت الملف في أحضان الســلطة التشــريعي­ة وممثلي الشــعب. وهو وضــع تكتيكي ســمح للــرزاز حصريــاً بالعــودة إلى المســاحات التــي يعتقد بــأن إعاقتها صعبــة ويمكنه تحقيق نســبة مــن النجاحــات بهــا باعتبارها المحور الرئيســي في مشــروع «دولــة الخدمــات والقانون» الــذي أمرت بــه المرجعيــة الملكية خــال نص خطاب العرش الملكي في افتتاح البرلمان.

اســتمعت «القــدس العربــي» مباشــرة للــرزاز، وبحضــور بعــض الــوزراء، وهــو يتحدث عــن الأمل الحقيقي في تحســن مســتوى خدمات القطاع العام المقدمة للنــاس، والرجل يــرى بأن حكومتــه ملتزمة فعــاً بالقاعــدة التي أشــار إليها في بدايــات تكليفه برئاسة الحكومة، حيث إن السلطة التي تفرض المزيد من الضرائب عليها أن تعمل على «تحسين الخدمات». تلك المهام المتعلقة بالقطاع العام ليست سهلة إطلاقاً، ويعرف الرزاز-حسب مقربين منه-حجم التعقيـدات البيروقراط­يـة.

لكنهــا تبقــى مســاحة غيــر خاضعــة للجــدل ولا يمكــن إلا التوافق عليها وطنياً بــن جميع القوى في الواقعين الاجتماعــ­ي والسياســي، وكذلك حتى في المجتمع الأمني؛ ففي الغرف المغلقة يؤشــر الرزاز إلى أن الخــاف ممكن والاعتراض على العديد من الأفكار والتوجهات باســتثناء صعوبــة العثور على اختلاف أو تجاذب له علاقة بتحسين خدمات القطاع العام.

على هذا الأســاس، وفي وقت مبكــر، اعتبر الرزاز أن النجــاح فــي رفــع منســوب تطوير خدمــة القطاع العــام من الملفــات الضروريــة التي يمكن أن تســاعد حكومته في إعادة بناء شــخصية وتصــور جديدين عن الحكومة ورئيس الوزراء.

مــن هنا، يمكن قــراءة البوصلة التي تحــرك الرزاز بموجبهــا مؤخراً بعد حادثة البحــر الميت؛ فقد تفاعل بحماسة مع مضمون تقرير ديوان المحاسبة المركزي، وأحــال بالفعل 9 ملفات لمخالفــات وقضايا إلى هيئة مكافحة الفســاد من تلك التي تضمنهــا تقرير ديوان المحاســبة بالتعــاون مــع اللجنــة المالية فــي مجلس النواب.

قبــل ذلــك، أمر الــرزاز بتشــكيل لجنــة متابعة في مقــر رئاســة الــوزراء تولاها الأمــن العام للرئاســة والبيروقرا­طــي الملتزم، ســامي الــداوود، ووظيفتها متابعة ردود المؤسسات على تقرير ديوان المحاسبة. تلك خطــوة قد تكون الأولــى باتجاه تغييــر الصورة النمطية أيضاً عن مطبخ مجلس الوزراء عند الضرورة عبر مكتب الرئيس ومقر الرئاسة وليس الوزراء.

بالأثناء أيضاً، اســتأنف الرزاز أســلوب الزيارات المفاجئة للمؤسســات، وظهر في مستشفى حكومي في مدينة الكرك جنوب البلاد، وتفقد بعض الأقسام، وتحدث للمرضى والزوار، وعايــن في طريق العودة للعاصمــة الطريق الصحــراوي المتهــم بالتهام وقتل العشرات من الأردنيين.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom