Al-Akhbar

تطورات رجحت حالة الاليقين والقلق من المستقبل

-

تــواتــرت تــطــورات كثيرة ومعطيات عــديــدة، فـى ظــرف زمـنـى قصير جدا لتعلن عن بداية مرحلة جديدة فى األوضاع العاملية السائدة، فى مختلف مناطق العالم جتذب نحو الصعوبة والتعقيد.

الـيـوم لـم تعد اخلـطـورة البالغة التى تكتسيها التداعيات املترتبة عن انتشار وبــاء كورونا والتى خلفت، وال تــزال تخلف، اخلسائر الفادحة فى جميع اقتصاديات العالم، ولكن بنسب متفاوتة، حيث تدفع الـــدول ذات الدخل احملــدود أو املتوسط تكلفة أغلى من نظيراتها من الــدول الغنية. والعالم ال يزال فى حالة ارتباك فى مواجهة هذه التداعيات التى تسببت فيها تدابير وإجــراءات العزل واإلغــاق، وتوقف أنشطة االنتاج والتسويق والنقل. لم تعد هذه التداعيات، مبا تتطلب من جهود للحد من آثارها، وحـدهـا التى تشكل أكبر وأخـطـر تهديد لاستقرار فـى العالم، بـل ميكن اجلـــزم أن عـوامـل أخـــرى تكالبت ضـد االسـتـقـر­ار العاملى وزادت مـن حجم األخطار والتحديات احمليطة باألوضاع العاملية الراهنة.

فما أن اقترب العالم من اإلحاطة بهوية األزمة الصحية الطارئة التى هزت أركـان العالم، حيث متكن من جتاوز مرحلة البداية التى كان يجهل فيها كل صغيرة وكبيرة عن الفيروس القاتل، ودخل مرحلة التصدى الفعال لـه والتعايش معه عبر التدابير االحــتــر­ازيــة. و بذلك فــإن العالم بصدد اعتبار الفيروس مرضا ميكن التعايش معه، حتى استجدت تطورات أخرى أعادت األمل فى تثبيت استقرار عاملى إلى نقطة الصفر.

ثمة عـوامـل سياسية أفـرزتـهـا تــطــورات فـى الـعـاقـات الـدولـيـة السائدة، وأسـبـاب طبيعية كثيرة، مثلت انتكاسة حقيقية لهذا األمــل الــذى ترقبه الـــرأى الـعـام الـدولـى بقلق بـالـغ، حيث اشتعلت حــرب مفاجئة بـن روسيا الفيدرالية وجمهورية أوكرانيا، التى يبدو أنها كانت تنتظر خفوت حدة الوباء لتعلن عن بدايتها. وهى حرب لفها الغموض الكبير حول طبيعتها وأسبابها املرتبطة باحلسابات اجليواسترا­تيجية فى املنطقة وفى العالم بأسره، أدخلت املجتمع الدولى فى مرحلة انعدام اليقن فى طبيعة النظام الـدولـى السائد، وألقت بظالها الكثيفة حـول مفهوم العيش اإلنساني، حيث زادت من معدالت املخاوف. وكانت النتيجة املؤقتة أن اختلت ساسل االنتاج والتسويق والنقل فى العالم مما أفضى إلى زيادات مهولة فى أسعار املـواد االستهاكية األساسية من حبوب وزيـوت ومحروقات ومعدات البناء واإلصـاح وإنتاج العديد من اخلدمات. وإذا كان حتقيق حديث أعلن عن نتائجه البنك العاملى قبل أيـام أكد أن ثلثى األسـر فى الـدول ذات الدخل احملـــــد­ود واملــتــو­ســط صــرحــت بـتـقـلـص وتـــراجــ­ـع مـداخـيـلـ­هـا املــالــي­ــة بسبب تداعيات وباء كورونا، وأنه ومنذ عشرين سنة خلت، فإن 97 مليون شخص فـى العالم وجـــدوا انفسهم فـى منطقة الفقر املـدقـع لنفس السبب، فإن احلرب اجلديدة التى فندت التوقعات التى كانت تتنبأ بنهاية عهد احلروب العسكرية املباشرة، وبداية عصر احلروب اجلرثومية والفيروسية، زادت من تعميق هـذه اجلــروح املندملة وكرست حالة الايقن فيما يتعلق مبصير اإلنسانية جمعاء. واألكثر خطورة فى كل هذا الذى يحدث، أن ال أحد من اخلــبــرا­ء واملختصن ميكنه الـيـوم، وفــى الــظــروف الـراهـنـة، صياغة جـواب واضـح عن أمد هذه احلـرب التى مثلت، وألول مرة طيلة العقود املاضية، مواجهة مباشرة بن القوى العظمى املتحكمة فى النظام العاملى السائد.

وبـصـفـة مـــوازيــ­ـة وجــــدت كـثـيـر مـــن شــعــوب الــعــالـ­ـم نـفـسـهـا فـــى مـواجـهـة تداعيات أخرى تسببت فيها سياسات الدول العظمى فى تعاطيها مع هذه التطورات. وفـى هـذا الصدد يجرى حديث بكثير من القلق عن االرتباك الكبير فى السياسات املالية العاملية التى ستكون لها تأثيرات مباشرة عن األداء والتسديد، خصوصا ما يتعلق بجهود بعض الدول الهادفة إلى فرض عمات مالية دولية بديلة عن العمات املالية التقليدية. ناهيك أن العديد من البنوك املركزية فى الدول الكبرى انتهزت هذه الظروف الصعبة لتعلن عن زيـادات مؤثرة فى معدالت الفوائد، مما يزيد إشكالية الديون العاملية استفحاال وتعقيدا، خصوصا أن هذه الديون مبا لها وعليها، كانت، والتزال، متثل جـرعـات أوكسجن لاقتصاديات الضعيفة واملتوسطة، واألكـيـد أن ارتـفـاع تكاليف الـديـون اخلارجية سيسبب بصفة مباشرة تقليص حجم االستثمارا­ت العمومية اخلاصة بالبنيات التحتية فى الـدول التى ميكن اعتبارها ضحية لنظام الديون اخلارجية السائد حاليا فى العالم. يضاف إلــى ذلــك خطر التضخم املــالــى الـــذى اكتسح الـعـديـد مــن االقـتـصـا­ديـات العاملية مما تسبب، والزال يتسبب، فى ارتدادات عنيفة فى ساسل االنتاج والتزويد وفى حقيقة األسعار التى لن يتوقف مؤشرها عن االجتـاه نحو الزيادة واالرتـفـا­ع املتواصل. كما أن دوال كبرى أخـرى اعتبرت أن الظروف الصعبة التى يجتازها العالم تفرض عليها تقليص، أو توقيف، تصدير كثير من منتجاتها الغذائية والصناعية حتسبا للمرحلة القادمة الصعبة وملا تخبئه األيام واألسابيع والشهور القادمة من مفاجآت غير سارة لها.

لم تتوقف املؤشرات واملعطيات السلبية عند هذا احلد، بل وجدت سندها القوى فى الظروف الطبيعية الصعبة التى تواجهها كثير من دول العالم، حيث ارتفعت معدالت اجلفاف فى الكثير منها، فى حن تعرضت أقطار أخرى إلى فيضانات كبيرة قضت على قسط كبير من املزروعات، ووصلت حد تعطيل عمل بعض املوانئ مما عطل حركة النقل بها. وكانت هذه التقلبات املناخية عاما حاسما فـى تقليص احملاصيل الفاحية والـزراعـي­ـة، مما سيضطرها إلى البحث عن مصادر خارجية لضمان جزء من أمنها الغذائي، فى عاقات جتارية واقتصادية دولية مطبوعة باألزمة املركبة.

هكذا يجد العالم نفسه أمام مرحلة تتميز بالغموض الكبير الذى يعمق أسئلة القلق واخلــوف من املستقبل املنظور قبل البعيد منه لدى أوساط الرأى العام الدولي، وموازاة مع ذلك تتواتر التطورات التى ترجح فرضية االنهيار املتواصل فى كثير من املسلمات. > نقيب الصحافين املغاربة

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt