«طوبيا» والجنود
ذاك الــــتــــحــــرق شــــــوقــــــا إلــــى الثأر، واسـتـرداد الكرامة، وذلك الـتـشـوف املتلهف لغسل الـعـار، ونــــيــــل اخلـــــــاص مــــن شـــرنـــقـــات الذل واملهانة، عكف قلمه املبدع عـلـى جتـسـيـد هـــذه األحـاسـيـس املـتـفـردة، وتخليد تلك املشاعر املــــذهــــلــــة الـــنـــبـــيـــلـــة فـــــى نـــفـــوس الرجال الذين متردوا على هوان الـهـزميـة، فتحولوا إلــى طاقات ملهوفة على عـبـور مستنقعات الذلة إلى مرافئ العزة، وقد برع األديــــب الـكـبـيـر الــــذى رحـــل عن دنــيــانــا مـــؤخـــرا «مـجـيـد طـوبـيـا» فــــى إحــــــدى روائــــعــــه الــــفــــذة فـى تخليد تلك اللحظات الفارقة فــــى تــــاريــــخ أمــــــة، وعـــمـــر وطــــن، وكمبضع اجلراح املاهر اخترقت ريشة قلمه اجللد، وغاصت فى صـــــدور هـــــؤالء األبـــطـــال الــذيــن اســتــعــادوا كــرامــة شـعـب بأكمله فى معركة العبور اخلالدة، وعبر صـفـحـات نـصـه األخـــــاذ.. «أبـنـاء الصمت» تشبث «طوبيا» بنبض تـلـك األيــــام املــشــرقــة، واسـتـطـاع -بــبــراعــة- أن يجسد لـنـا نبض هـــــؤالء الــــرجــــال الـــقـــادمـــن من بــــيــــئــــات مـــتـــبـــايـــنـــة، وخـــلـــفـــيـــات مــتــنــوعــة، ولـــكـــن حــلــم اســـتـــرداد الكرامة وحـدهـم، وجمع بينهم على اختاف مشاربهم، االنتماء إلى هذا الوطن املعطاء، والوالء لــــهــــذه األرض املــــطــــهــــرة، وألن «طوبيا»- الذى حتل هذه األيام ذكرى األربعن على رحيله - فاق سائر أقرانه فى تخليد ملحمة العبور، وتفوق فى فك رموزها، واســـتـــحـــق اســـمـــه اخلــــلــــود، فقد جنــح فــى تفسير املـعـجـزة التى أذهلت الدنيا، فعلى الرغم من تفوق العدو فى الساح والعتاد فـــــإن الـــســـر كـــمـــن فــــى اإلنـــســـان املـــــقـــــاتـــــل، وفـــــــى ذلـــــــك اجلـــيـــش الوطنى اجلسور الـذى هو جزء مـن الشعب األصــيــل، ومقاتلوه هــم أحــفــاد هـــؤالء الــذيــن زرعـــوا هـــذه األرض الـطـيـبـة مــن آالف الــســنــن، لـــذا هــم يــدافــعــون عن مــــيــــراثــــهــــم وأرض أجــــــدادهــــــم بــعــيــدا عــن املــرتــزقــة واحملــاربــن املــــســــتــــأجــــريــــن، فـــجـــيـــش مــصــر دائـــمـــا يـتـكـون مــن فــلــذات أكـبـاد املــــصــــريــــن، وال يــــعــــرف الـــــوالء لــطــائــفــة أو لـــــون، لـــذلـــك يظل هـؤالء األبطال البواسل فى كل زمــــان ومـــكـــان هـــم حــمــاة األمـــة، وحـــراس األرض املتأهبن دومــا لــبــذل األرواح واملــهــج كــى تسلم الباد، ويأمن العباد، وهنا يكمن سـر ذلــك اجليش اخلـالـد خلود الــوطــن، وقـــد اسـتـطـاع «طـوبـيـا» -من دون ضجيج- أن يبرز تلك احلقيقة، ويجعلها مرفرفة من خـــال نــص إبـــداعـــى راٍق يخلد اســــمــــه إلــــــى جــــانــــب إبــــداعــــاتــــه املـتـفـردة األخــــرى: «تغريبة بنى حتحوت» و«فوستوك يصل إلى القمر» و«حـكـايـة رمي اجلميلة» و»دوائـر عدم اإلمكان».. وغيرها مـــن الـــنـــصـــوص الـــتـــى ستعيش طـــويـــا عــلــى الـــرغـــم مـــن غـيـاب صاحبها.