Al-Akhbar

أنا امتداد لمؤلفى «ألف ليلة»!

طارق امام المصرى الوحيد فى قائمة «البوكر»:

- ◼ محمد سرساوى

عندما تقرأ إبداعات األديـب طـارق إمـام تشعر كأن النص صندوق فى داخــلـه مدينة بأكملها حتــوى شخصيات ومـبـانـى منسوجة مـن خيوط الواقعية السحرية وعالم «ألف ليلة وليلة»، وهو يعرف كل كبيرة وصغيرة فى هذه املدينة، فيحكى عن تاريخها الذى هو تاريخ العالم، فعل أديبنا املميز -الذى يعد املصرى الوحيد فى القائمة القصيرة للجائزة الدولية للرواية العربية «البوكر»- ذلك من خال رواياته ومجموعاته القصصية منذ انطاق رحلته اإلبداعية عام ،1996 ومازالت رحلته مستمرة حتى يومنا هـذا، وحافلة بأعمال عديدة أثـرت فى تاريخ السرد املصرى مثل: «هـــدوء القتلة»، و»احلــيــاة الثانية لقسطنطن كفافيس»، «ضـريـح أبــى»، «مدينة احلــوائــ­ط الـانـهـائ­ـيـة»، و»طـعـم الــنــوم»، و»مـاكـيـت الـقـاهـرة» التى وصلت إلى القائمة القصيرة للـ»بوكر» فى أحدث دوراتها.

وهى رواية تتحدث عن مدينة «القاهرة» من خالل ثالث نسخ: القاهرة ،2011 والقاهرة ،2020 والقاهرة ،2045 وحتكى عن مسابقة جتريها إحدى الورش الثقافية والفنية، ومهمة املتسابق أن يقدم منوذجا فنيا عن املدينة العريقة فى أعوام ‪،2020 ،2011«‬ ،»2045 ويحدثنا صاحب «حكاية رجل عجوز كلما حلم مبدينة مات فيها» عن روايته اجلديدة الصادرة عن دار املتوسط املرشحة لنيل أبرز جائزة عربية حتمل الطابع الدولى عبر السطور التالية.

< وصفَت القاهرة فى روايتك «هدوء القتلة» بأنها مدينة ذات مبان زجاجية، بينما حتدثت فى أحـدث روايـاتـك عنها كمدينة متعددة النسخ، فما شكل القاهرة فى عالم طارق إمام؟

- ليس هناك تعريف نهائى للمدينة الواحدة فى الفن، املدينة تتعدد النصوصمثلم­اتتعدد قاطنيها،املكانإذن يعيد تقدمي نفسه مع كل نص جديد من زاويــة مختلفة، وإال فما الداعى إلى أن نكتب أكثر من روايـة عن املكان نفسه؟ ال ملمح واحد ميكن أن يختصر القاهرة، وال تعريف بعينه ميكن أن يختزلها، حيث يتغير تعريفها باختالف املوقف االجتماعى والطبقى والسياسى والثقافى بني فرد وآخر، عما يطرأ عليها من تغيرات حتمية بفعل صيرورة الزمن، وباختصار، فكل شخٍص فينا يعيش فى من صنعه، حيث إن املظهر اخلارجى للمكان ما يلبث ُأنّ يتحول إلى مكان مختلف فى الوجدان، وفى املخيلة، بحيث يحول كل شخص املدينة (كموضوع خارجي) إلى تصور ذاتـي، وأعتقد أن دور الفن الروائى هو البحث عن ذلك التصور لتجسيده، وليس االكتفاء بالرصد السطحى أو الوصفى للمكان فى أبعاده الظاهرية املتفق عليها، التى يعرفها اجلميع، و41 سنة تفصل بني «هــدوء القتلة» )2007( و«ماكيت القاهرة»، ،)2021( إنها مسافة كبيرة بني مدينتني حتمالن االسم نفسه وبني مؤلفني يدعى كالهما طارق إمام، لو لم توجد هذه املسافة ما احتجت إلى كتابة رواية جديدة عن القاهرة، وأنا أقصد أيضاً ما أقول حني أقول «عن القاهرة»، أى أن املدينة نفسها هى بطلها، ولكن هناك مشتركات أيضاً بكل تأكيد، فالقاهرة فى الروايتني البطل فيها هو الفنان، سواء كان «سالم» الشاعر فـى «هـــدوء القتلة»، أو أبـطـال «املاكيت» الذين ميارسون فنوناً مختلفة بني صناعة «املاكيتات» واإلخراج السينمائى ورسم «اجلرافيتي» و»الكوميكس»، الفنان فى مواجهة القاهرة، عالقة الفرد املغترب مبدينة ال مبالية، دور الفن بني االنكفاء والرغبة فى التغيير، هذه كلها أسئلة مشتركة وإن جرى التعبير عنها بطريقة مختلفة وعبر حبكة مختلفة بني الروايتني.

■ »أوريجا»، -أحد أبطال «ماكيت القاهرة»-، جعل إصبعه على شكل مسدس، وأطلق النار على والـده مما أدى إلى وفاته، متى نصنع اخليال من العدم، وكيف يتحول إلى واقع؟

اخليال والواقع وجهان لعملة واحدة اسمها اإلنسان، اإلنسان يقتسم حياته بني اليقظة والنوم، واألخير يعيد صياغة الواقع ليصنع واقعاً موازياً اسمه األحـالم، وحتى فى اليقظة، هناك أحالم اليقظة التى ُمتِّوه حتى العالم الواعي، أعتقد أنه ال فصل بني الواقع واخليال، وبالنسبة إلى فإن إحدى مهام الفن األصيلة، عن تذويب الثنائيات املوروثة والبالية، هى إبراز الوجه الذى تفتقر إليه احلقول «غير التخييلية» لكشف العالم واإلنسان، كالفلسفة أو علم االجتماع أو املنطق أو الرياضيات والفيزياء، فالتخييل دوره تقدمي اقتراحات ملاهية الوجود واإلنسان عبر الغامض واملجهول وغير املثبت، وبتجريد الفن من هذا العنصر، جنـرده من أداتــه اجلوهرية، وفضًال عن ذلــك، فاخليال يعيد تعريف الواقع وتعميق أسئلته.

■ عجز «أوريجا» أن يفرق بن األصلى والتقليدى فى املجسمات، هل صار األصلى والتقليدى مختلطن ببعضهما البعض؟

نحن نعيش فى عالم تنتفى فيه احلدود بني الواقع والصورة، بـات من املستحيل على سبيل املثال الفصل بني االفتراضى واحلقيقي، فعدوك على مواقع التواصل «فيس بوك» مثًال لن يكون صديقك فى املقهى، العالم االفتراضى نـوع من جتريد الواقع إلى مقوالته األساسية، بحيث أصبح الواقع ليس فقط مرجعاً، بل اختُزل إلى واقٍع مواٍز، العالم االفتراضى أيضاً عالم اخلفة، صـورة بال وزن مـادي، نسخة مكررة ملاليني املـرات من واقٍع أصلى تبتلعه، وحتل محله، فى سياٍق كهذا ميكن التساؤل عن األصلى واملقلد، احلقيقى والزائف، وموقف اإلنسان العالق بني الوجود وصورته. < كلما تنظر «نود» -إحدى شخصيات الرواية- إلى املرآة، جتد شخصًا غريبًا موجودًا فىداخلها،فمتىتصيرام­لرآةمكانال­عالم سري؟ - املرآة بالذات عالمة مرتبطة بفكرة «األمانة» فى نقل الواقع كما هـو، لكن مــاذا لو أن حتى هـذه العالمة خانت جوهرها، لتعكس شخصني فيما يقف أمامها شخص واحد؟ ماذا لو صارت مكاناً يعيش فيه شخص ما؟ فى «ماكيت القاهرة» حاولت أن أوظف املرآة كعنصر يخدم فكرة الواقع املوازي، حيث ميكن أن نعيش عدة أكوان فى الوقت نفسه، وبحيث أحاول خلخلة حتى العالمات املرتبطة مبدلوالت محددة كى تسهم فى تغذية واقع فقد كل شروطه املعتادة. <يـتـأمـل» بــلــيــا­ردو» الــســيــ­ارات، واملــبــا­نــى ويشعر بأنها ألـعـاب طفل جـرى تكبيرها، هـل صار العالم غرفة خاصة لطفل؟ - تتأمل «ماكيت القاهرة» فكرة مقاييس العالم وفق التصغير والتكبير، وعلى ذكر املــرآة، كان أحد طموحاتى فى هذا العمل أن أقدم صورة للمدينة وقاطنيها عبر أشكال مختلفة مـن املــرايــ­ا: املستوية الـتـى تعكس العالم كما هو، احملدبة واملقعرة التى تصغر وتكبر، لنرى املدينة فى تقزمها وفى تضخمها وفـى صورتها الطبيعية، وبالتالى لنكتشف موقع اإلنسان نفسه، ذلك أن كًال منا تتغير مقاييسه عشرات املرات فى اليوم الواحد داخل املدينة، فيشعر تارة بأنه عمالق وتارة أخرى أنه أكثر ضآلة من ذرة رمل.

■ متاثيل «املانيكان» تظهر كثيرا فى أعمالك، ما سر اجنذابك لهذا العالم؟

- «املانيكان» بالنسبة إلى هو أهم قاطنى املدينة الكبرى، هو أيقونتها، كثيراً ما فكرت فى «تعداد املانيكانا­ت» مبدينة كالقاهرة، تخيل أنـك تعيش فى مدينة تضم من «املانيكانا­ت» نفس عدد تعدادها من البشر. إنهم شعب مواز، يقطن املدينة مثلنا بالضبط، وال يفصلنا عنه سوى لوح زجاجي. وهم، كالبشر، منقسمون بني ذكور وإناث، أطفال ومراهقني وناضجني وعجائز، أقف كثيراً أمام الواجهات «الفاترينات»، وباملناسبة كثيراً ما خرج لى أصحاب محال املالبس «احلرميي» مرتابني، لسؤالى عن سبب وقفاتى الطويلة.

■ هــل أنـــت مـشـغـول بـعـالـم «ألـــف ليلة ولــيــلــ­ة».. فتكتب عـاملـا يوازيه؟

- أنا امتداد مؤلفى «ألف ليلة وليلة» الذين ال نعرف أسماءهم، وبالتالى صرنا جميعاً، نحن قراء «الليالي»، مؤلفني مبعنى ما لهذا الكتاب الذى ليس له «صاحب». اخليال ليس سؤال «الليالي» الوحيد، فهناك سـؤال التعامل «احلــر» مع اللغة، سـؤال الفن الشائك على يسار الذائقة احملافظة الداعية إلى إنتاج «أدب مهذب»، هناك سؤال بالغ األهمية هو سؤال «البنية»، فبنية «ألف ليلة» فريدة، حيث تقوم على حكاية إطارية تولد عبرها احلكايات بعضها من بعض، آفاق «ألف ليلة وليلة» كثيرة وأعتقد أننى فى أعمال عديدة لى كنت أجادلها، لكن وفق خيالى ولغتى ومبا يعمق الواقع الذى أعيشه، وليس باستعارة واقع آخر.

 ?? ??
 ?? ?? ◼ طارق إمام
◼ طارق إمام

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt