Al-Akhbar

شيرين أبو عاقلة.. وشهداء فلسطين

- يوسف القعيد Yalkaied@yahoo.com

كان اغتيال اإلعالمية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة برصاص جيش اإلحتالل اإلسرائيلى لها أثناء تأدية واجبها وقيامها بعملها وهى تغطى انتهاكات االحتالل فى مخيم جنني بالضفة الغربية. العدو اإلسرائيلى سارع وأنكر مثلما يفعل كل القتلة. لكن العالم أدان الفعل اإلجرامى وخرجت كثير من الدعوات للتحقيق فى اغتيال شيرين.

واالغتيال ليس جديداً على العدو اإلسرائيلى. وقتل صحفية نشيطة وهمامة تؤمن بقضية بالدها وتنذر نفسها لها مسألة البد أن نصدقها. ومع هذا فلدينا أدلة كثيرة تثبت أن ما جرى جرمية تضاف إلى جرائم العدو اإلسرائيلى التى بدأت سنة 1948 باحتالل فلسطني، واستمرت حتى اليوم.

وال أريد أن أقول الغد ألنى أُعلُِّق آماًال كبيرة على التحقيق الذى ميكن أن يجرى فى استشهاد شيرين. ولعل أكبر دليل على جرمية الصهاينة أنهم رفضوا تسليم قطعة من الذخيرة التى يستخدمونها فى فض املظاهرات الفلسطينية. رغم أن املظاهرة عمل مشروع والبد منه للدفاع عن قضية بالدهم.

لكل فعل فى الدنيا مهما كانت خسته ودناءته بعض الفوائد. وما قام به جيش االحتالل الصهيونى مع شيرين أبو عاقلة أعاد لألذهان قضية فلسطني التى البد أن نعترف أنها كانت قد تراجعت حلد ما فى الوجدان العاملى والضمير اإلنسانى بعد االحتالل الروسى ألوكرانيا. ودفاع الشعب األوكرانى املشروع عن أرضه.

ورغم أن القضيتني مختلفتان، إال أن جوهرهما واحد. لكن الذى حدث أن اإلعالم العاملى لهث وراء ما يجرى فى أوكرانيا، وتناسى حلد ما ما يتم فى فلسطني. ال تتصور أن اغتيال شيرين أبو عاقلة سبقته حالة من الهدوء. ففى كل يوم أكثر من شهيد فلسطينى. لدرجة أن استشهاد الفلسطينين­ي أصبح عادة من العادات اليومية التى يتعامل العالم معها كما لو كانت أمراً واقعاً. وال يوليها من االهتمام ما تستحقه.

فالفلسطيني­ون أصحاب قضية عادلة ووطن سليب سرقه املغتصبون منهم، وحـولـوا احلكاية إلــى أمــر واقــع البــد من االعتراف به. وأن كلمة البد هذه أصف بها سلوك العالم الذى يجب أن نرفضه. فقضية فلسطني البد أن تبقى وأن تظل حتى قيام الدولة الفلسطينية املستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

ليرحم اهلل كل شهداء القضية الفلسطينية، ونتوقف بشكل خاص أمام استشهاد شيرين أبو عاقلة مراسلة قناة اجلزيرة القطرية فى فلسطني احملتلة بكل مالبساتها باعتبارها احلدث الذى وقع لتوه. وال ميكن أن مير كما متر علينا كثير من اجلرائم الكبرى التى متـارس ضد الفلسطينين­ي فى أرضهم وديارهم وبالدهم ووطنهم من قبل محتل غاصب مغتصب البد أن تقف الدنيا كلها ضده.

شيرين أبو عاقلة ليست أول شهداء فلسطني. ولن تكون األخيرة. وقد استشهدت وهى تؤدى عملها بنزاهة ومبوضوعية وبحكمة. ولم يراع القتلة أنها تقوم بعملها. وألننى قلت وأكرر ما قلته إنها ليست الشهيدة األولى ولألسف فأنا مضطر أن أكتب أنها أيضاً لن تكون آخر طابور شهداء االحتالل الصهيونى لفلسطني العربية، فلسطني التى هى جزء من حبة القلب من كل عربى يعيش فى وطننا العربى أياً كانت ديانته أو ما يؤمن به. فاحلق فى حترير األوطان ال يسقط بالتقادم.

أعترف أننى قضيت ليلة مزعجة أتابع ما يجرى. ورغم أن ردود الفعل كانت أكثر من ممتازة ومفاجئة. إال أنى ال أريد لدماء شيرين أبو عاقلة وهى دماء عزيزة وغالية أن تذهب هدراً. والبد من حتقيق دولى تشرف عليه األمم املتحدة بكل هيئاتها فى مالبسات هذا االغتيال الدنيء. فأى بطولة أن ينطلق الرصاص جتاه صدور من يطالبون بحقهم؟.

وشيرين أبو عاقلة كانت تقوم مبهامها كمراسلة صحفية يفرض عليها عملها أن تكون فى قلب قلب احلدث. وأال تترك حلظة واحدة تهرب منها أو تفر من دون متابعة لها.

لدَّى بيان طويل باإلدانات من كل أنحاء العالم لهذا احلدث اخلسيس. والذى ضبط فيه العدو اإلسرائيلى متلبساً بجرميته. وأنا أكتب هذا الكالم حتى قبل أن يبدأ التحقيق الدولى الشفاف فى رحيل شيرين أبـو ُعاقلة ٍبهذه الصورة املأساوية بطلقة رصاص من نوع قاتل. أطلقت على إعالمية تقوم بدورها الذى البد أن تقوم به فى تغطية حدث يتم أمامها.

طبعاً ال ميكن أن أتغاضى عن فلسطينيتها وانتمائها لبالدها وارتباطها بها. وقد سمعت من زمالء مصريني كانت لهم فرصة أن رأوا شيرين خالل زياراتها السابقة ملصر. وأكدوا لى جميعاً إنسانيتها وبساطتها وارتباطها بوطنها واستعدادها أن تفعل كل ما ميكن فعله من أجل احلق الفلسطينى املغتصب.

غسان كنفانى ليس الشهيد األول، شهداء االحتالل الصهيونى لفلسطني احملتلة بــدأوا ،1948 مع الهجمة األولــى والضربات املبكرة. ولكنه كان أحد شهداء هذا العدوان املتواصل واملستمر. غسان كنفانى 9« أبريل 193٦ - 8 يوليو »1972 استشهد فى بيروت

مع ابنة أخته مليس فى انفجار سيارة مفخخة على أيدى عمالء إسرائيليني.

ومن إبداعاته: عالم ليس لنا، موت سرير رقم 21، أرض البرتقال احلزين، رجال فى الشمس، أم سعد، عائد إلى حيفا، الشيء اآلخر عالم ليس لنا، برقوق نيسان األعمى واألطرش، القنديل الصغير، القبعة والنبى، القميص املسروق، جسر إلى األبد، ما تبقى لكم، وله مسرحية وحيدة هى مسرحية: الباب.

ال أكتب هذا الكالم لكى نتذكر غسان كنفانى. فمن الذى يجرؤ على نسيان محنته واغتياله بخسة ودناءة وانحطاط بشرى ال يقدر عليه سوى األعداء؟.

محمود درويش محمود درويش 13« مارس 1941 - 9 أغسطس »2008 أحد مؤسسى القصيدة الشعرية الفلسطينية فى عصرنا احلديث حَّول الهم الفلسطينى لشعٍر ال ميكن نسيانه. أظلمه كثيراً جداً لو تكلمت عنه كشاعر فلسطينى كبير. فهو أيضاً إنسان أكبر، وكانت فلسطني قضية عمره األولى واألخيرة. ومن يتابع ما كتبه شعراً أو نثراً سيدرك حجم ما قدمه لقضية وطنه.

لدى إحساس أننى أظلمه كثيراً جداً عندما أحصره فى قضية بالده فقط. فهو شاعر كبير له دور مهم فى جتديد القصيدة الشعرية وتطويرها وجعلها جزءاً من ثقافة العصر. إلى جانب أنه فى جلساته اخلاصة وقد عرفته عن ُقرب، متحدٌث لبق، وإنسان شديد العذوبة.

سميح القاسم ذهب معى سميح القاسم 11« مايو 1939 - 19 أغسطس »2014 لزيارة جنيب محفوظ والسالم عليه، وتردد كما فعل محمود درويش من قبله على األستاذ محمد حسنني هيكل. وكان يعتبر أن االستماع لهيكل كفيل بتجديد خاليا الذهن اإلنسانى. وكانت سعادته ال توصف ونحن فى زيارة أحد العمالقني: هيكل ومحفوظ.

طلب منى سميح أن يــزور سيدنا احلسني. وكانت لديه نزاعات صوفية بعيداً عن هموم قضايا بالده التى ال تترك له حلظة واحدة للتأمل. ومازلت أذكر أننا عندما كنا فى ميدان سيدنا احلسني اشترى «سبح»، حلظتها تذكرت أنه يحتفظ دائماً فى جيبه بسبحة، وعندما يجد نفسه مبفرده يخرجها ويسبح عليها. كان يتصرف معى فى سيدنا احلسني كما لو كان ابن بلد ال ينقصه شيء.

ومن أهم أعماله: مواكب الشمس، أغانى الــدروب، دمى على كفى، دخان البراكني، سقوط األقنعة، ويكون أن يأتى طائر الرعد، إسكندرون فى رحلة اخلارج ورحلة الداخل، وله كتب جمع فيها بعض مقاالته مثل: عن املوقف والفن، وقد أصدر فى حياته أعماله الشعرية مجمعة كلها حتت اسم: ديوان سميح القاسم حيث جمع أشعاره فى مراحل عمره جميعاً، وله أيضاً: قراءة املوت والياسمني، املوت الكبير.

ومن كتبه النثرية: من فمك أدينك، وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم: قصائد شعرية، الكتاب األسـود، إلى اجلحيم أيها الليلك، ومن دواوينه: ديوان احلماسة جزء أول وجزء ثان وثالث، ومن القصائد: أحبك كما يشتهى املوت، جهات الروح، الذاكرة الزرقاء.

إميل حبيبى عندما كـان إميل حبيبى 29« أغسطس 2 - 1921 مايو »199٦ يزور مصر فى تسعينيات القرن املاضى طلب منى أن أصطحبه إلى ضريح جمال عبد الناصر. كان ينزل فى أحد فنادق الزمالك الفاخرة. استقبلنى فى مدخل الفندق. ثم بدأ يبحث عن باعة الورد حيث طلب باقة ورد كبيرة يحملها معه إلى ضريح جمال عبد الناصر. ورفض متاماً أن أحملها نيابة عنه. قال لى حملها شرف، اتركنى أقم به.

وفى ضريح عبد الناصر وضع الورد، ووقف فى خشوع أمام الضريح، وكتب كلمة فكر طويًال قبل أن يكتبها. وألنهم كانوا قد فتحوا لنا الضريح بشكل إستثنائى لم أمتكن من نقل نصها. رغم أننى متأكد أنها قطعة من األدب الفلسطينى الرفيع.

فى طريق عودتنا من كوبرى القبة طلب أن مير على سيدنا احلسني. وأمــام املسجد رفع يديه، ورأيــت شفتيه تتحركان، ومنعنى خجلى من أن أسأله: هل يرتل الفاحتة؟ أم شيئاً آخر؟.

مـارس العمل الصحفى فى فلسطني احملتلة قبل النكسة وبعدها. وكتب من األعمال األدبية ما يعد من أساطير وأساطني الكتابة القصصية والروائية العربية، ومنها: بوابة ماندلباوم، النورية - قدر الدنيا، مرثية السلطعون، سداسية األيام الستة نشرها له بعد اخلامس من يونيو 19٦7 رجاء النقاش فى سلسلة روايات الهالل والقت أصداء طيبة لم حتدث من قبل.

وله أيضاً من األعمال: أم الروبابيكا، حني سعد مسعود بابن عمه، وأخيراً نور اللوز - العودة، اخلرزة الزرقاء، الوقائع الغريبة فى اختفاء سعيد أبى النحس املتشائل وقد ترجمت إلى العبرية.

رحم اهلل جميع األبطال.

 ?? ??
 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt