Al-Akhbar

فى صالون «مى» كانت لهم أيام

- أفكار تصنع املجد تكتبها اليوم : نوال مصطفى فى وداع امللكة ‪Nawalmosta­fa 23@gmail.com‬

كثيرا مما نراه اليوم من سلوكيات رديئة، وال أبالغ فى وصفها بالبذيئة سببها فى رأيى «اجلدب الثقافى» الذى يعيشه شبابنا. املظاهر كثيرة، واملشاهد املفزعة، املقرفة باملئات، شاب يقتل فتاة على مرأى ومسمع من البشر فى وضح النهار ألنها رفضت الزواج منه، شاب يقود سيارته فى طريق مفتوح «هاى واى» وهو يفتح باب السيارة، ويعرض السيارات املجاورة فى الطريق خلطر بالغ، ممثل شهير يرفضه مهرجان سينمائى بسبب مالبسه الغريبة، وأسلوبه الفج على املسرح، فتقوم معارك تسودها البلطجة، وقلة الذوق واألدب فى اإلسكندرية، التى كانت عاصمة مصر للفن والثقافة فى العصور املضيئة باملعرفة، واآلن أصبحت مرتعا ملجموعة من أصحاب األفكار املتطرفة من اجلانبني، املتأسلم من ناحية، واملنحرف بكل ما تعنيه الكلمة من معنى من ناحية أخرى.

الثقافة، والقراءة يبنيان شخصية اإلنسان، يرتقيان بإحساسه، ويشكالن رؤيته للحياة بصورة أكثر عمًقا وفهًما. األفكار امللهمة، التى تؤثر فى حياة البشر البد أن تعيش، والقدوة التى تلهب حماس الشباب للعمل واإلبداع ستظل حية فى قلوبنا وذاكرة حواسنا. السبب فى ذلك أن مصر خلقت لتكون وطنا للفن واإلبداع، ال تنضب فى تربتها املوهبة، وال يتوقف شبابها عن مفاجأتنا مبا يحملون من أفكار، وما تتدفق به عقولهم من إبداع وتفرد.

لذلك كان البد أن تفكر الدار التى خرج منها مشروع القرن الثقافى «روايات مصرية للجيب» فى خطوة جديدة تخلق من خاللها حالة ثقافية فنية إبداعية بني شباب مصر من اجلنوب إلى الشمال ومن الغرب إلى الشرق. كانت فكرة «الصالون األدبى» مبا حتمل من إحساس كالسيكى، رومانسى هى األقرب إلى قلوبنا. احلنني إلى اجلو الثقافى الذى تخلقه اللقاءات املباشرة بني الكاتب وجمهوره من القراء. التفاعل احلى الذى يعيد إلينا املشاعر احلقيقية التى تتولد عن التواصل املباشر، بعيدا عن شاشات املوبايل التى احتلتنا، وسلبتنا جزءا أصيًال من إنسانياتنا. من هنا ولدت فكرة إطالق وتدشني «صالون روايات مصرية للجيب» الذى تبدأ أولى أمسياته يوم األحد ٦1 أكتوبر 2022 ويقام شهريا إن شاء اهلل كتقليد أدبى ثقافى مصرى أصيل.

حلم قدمي عندى أن أقيم صالونا أدبيا على غرار «صالون مى» الذى أسسته األديبة الفريدة مى زيادة، وكان بؤرة إشعاع ثقافى وأدبى وملتقى كبار الكتاب والشعراء والفنانني املصريني والعرب واألجانب. «مى زيادة أسطورة احلب والنبوغ» هو عنوان كتابى الذى تناولت من خالله قصة حياتها املليئة بلحظات املجد، ولسعات اجلحيم، وكان وما يزال من كتبى التى أعتز بها كثيرا، والذى حظى باستقبال رائع من األوساط األدبية والثقافية. حتقق حلمى بالصالون األدبى جزئيا فى مكتبة «حنني» التى أسستها بجهدى ومالى اخلاص، ثم جاءت أحداث 2011 لتسدل الستار على تلك التجربة التى أعتز بها كثيرا.

واآلن تبدأ دار»الشركة العربية احلديثة للطباعة والنشر» صاحبة مشروع القرن حتت رعاية األستاذ مصطفى حمدى مصطفى هذا الصالون الوليد، الذى سوف أشرف بإدارته وتأسيسه. إنها دعوة مخلصة لكل من تربى، وتشكل فكره على روايات وسالسل أحمد خالد توفيق، نبيل فاروق، خالد الصفتى وغيرهم أن يشاركنا هذا احلدث الثقافى املهم، وأن نستعيد مًعا ذكريات خلقت أجياًال من القراء املهتمني بهذا العالم األثير، الساحر. عالم الكتاب والقراءة. فى انتظاركم جميعا فى الصالون األول لـ «روايات مصرية للجيب». هو شخصية استثنائية بكل املقاييس. إنسان لديه حلم كبير، لم يحتفظ به فى خياله كحلم يقظة يذهب إليه بخياله كلما داعبه احلنني، لكنه خطط ملشروعه الفريد، الذى يحمل وحده براءة اختراعه. درس كل تفاصيله، نحت بنفسه أدواته بصبر وإميـان ودأب، حتى حتول املشروع من فكرة محلقة، حاملة، ومغامرة طموحة حتفها املخاطر إلى واقع مبهر من دم وحلم، وأشرقت فى حياته شمس اإلجناز والنجاح، لتغمر بخيوطها الذهبية ماليني الشباب، وترسل بشعاع معرفة ساطع، براق.

لم يكتف حمدى مصطفى بالنجاح املدوى لكتاب «سالح التلميذ» الذى أصبح موجودا فى كل بيت فى مصر، يرافق األطفال خالل أهم مرحلة فى التعليم وهى املرحلة اإلبتدائية. بل شغل فكره موضوع الثقافة، خاصة عند الشباب الصغير الذى انصرف عن القراءة. لفت نظره خالل زياراته إلى أوروبا أن الشباب يقرأ فى كل مكان، فى املترو، فى األتوبيس، وهو يقف منتظرا فى احملطة أن تصل حافلته. جذبته تلك املشاهد امللهمة، احتلت تفكيره، وجعلته يبحث عن إجابة لسؤال زرع فى رأسه، وظل يالحقه: كيف ميكننى أن أنقل تلك الروح احملبة للقراءة الشغوفة بالكتاب واملعرفة إلى الشباب املصرى والعربى؟.

هنا ولدت فكرة «روايات مصرية للجيب» لكن الفكرة وحدها ال تكفى، كان البد من آلية تنفيذ متكنه من حتويل الفكرة احمللقة فى الهواء إلى واقع يتحرك على األرض. أعلن عن مسابقة مفتوحة جلميع الشباب من الكتاب الذين لم ينشر لهم كتاب فى حياتهم ولديهم موهبة الكتابة.

كان يروى حمدى مصطفى بفخر واعتزاز، كيف كان يؤجر شقة من ماله اخلاص للكتاب والرسامني ليقيموا فيها حتى يوفر عليهم مشقة وكلفة السفر كل يوم من طنطا إلى القاهرة والعكس. كانت عجلة النشر سريعة، ال تهدأ، كأنها مطبعة صحفية ال جتارية. سالسل عديدة حتمل أسماء مختلفة، يصدر عددا من كل سلسلة مرة كل شهر وهذا يتطلب سرعة وغزارة اإلنتاج، وضرورة تفرغ الكتاب والرسامني لهذا العمل. كان حلمه فى بداية إطالق مشروعه «روايات مصرية للجيب» أن يصل رقم األعداد التى تصدر عن املشروع بسالسله املختلفة إلى مائة عنوان، ورحل بعد أن وصل العدد إلى ألف وخمسمائة. واآلن وصل العدد إلى ألفى عنوان. قدم مشروع القرن «روايات مصرية للجيب» ملصر جنوما رائعني فى الكتابة والرسم وصناعة الكتب منهم دكتور نبيل فاروق، الدكتور أحمد خالد توفيق رحمهما اهلل، وخالد الصفتى وآخرون.

بعد رحيل الناشر الفذ حمدى مصطفى عام 2011 يتولى اآلن قيادة هذا الصرح العريق مصطفى حمدى، املليء باحلماس والشغف الستكمال مسيرة «األستاذ» عاقدا العزم أن تستمر رسالة التنوير التى بدأها حمدى مصطفى. بالطبع هناك حتديات كبيرة، فالزمن يتغير، والبد ألى صناعة أن تواكب التطور واحلداثة، ومنها صناعة النشر والثقافة. كان عليه أن ينتقل بالكتاب إلى العصر اإللكترونى، ويدخل بدار النشر إلى العصر الرقمى حيث الكتاب التفاعلى، وكتب األطفال اإللكتروني­ة. لكن يظل السؤال: هل ميلك أصحاب الدار من اجليل الثالث نفس شغف األب واجلد؟ هل يحلمون ويطلقون أفكارهم إلى أبعد مدى ويصلون بالدأب والعمل واإلصرار إلى حلمهم؟ فلننتظر ونرى. فى خطوات ثابتة، محسوبة بدقة متناهية، يتقدم جواهرجى امللكة إليزابيث الثانية صوب النعش املسجى بشموخ ووقار ملكى غير مسبوق، ميد يديه اللتني ترجتفان من جالل املوقف، وهيبته، ينتزع الصوجلان أوال، يستدير بزاوية محسوبة ويتقدم خطوات محددة نحو الكاهن الذى يتسلم منه الصوجلان، يتقدم الكاهن نحو رف طويل من الرخام، عليه ثالث قطع من الشمواه املوف، ويضع الصوجلان على القطعة األولى، يستدير اجلواهرجى مرة ثانية لينتزع الكرة الذهبية التى ترمز إلى الكنيسة، يتسلمها الكاهن ويضعها بدوره على قطعة الشمواه الثانية. ثم يستدير اجلواهرجى أخيرا لينتزع التاج املرصع باملاس واألحجار الكرمية، ويتقدم نفس اخلطوات احملددة ليسلمها بخوف وحرص للكاهن الذى يحتويها بني يديه برهبة شديدة ويضعها على قطعة الشمواه الثالثة.

حلظات مؤثرة عاشها العالم كله وهو يتابع «جنازة القرن». تشارلز الثالث الذى أصبح ملًكا لبريطانيا خلفا لألم «األسطورة» لم يستطع أن يخفى دموعه فى هذا املشهد الذى جتلت فيه هيبة املوت، وحكمة اخلالق. يتقدم كبير أمناء البالط امللكى اللورد تشامبرلني - فى تقليد متوارث منذ عقود - ليكسر عصا فوق نعش امللكة اليزابيث الثانية فى إشارة إلى انتهاء فترة حكم امللكة.

التاج.. الصوجلان.. الكرة الذهبية؛ سوف يرحلون، كما رحلت مليكتهم ولكن إلى «برج لندن» حيث يتم االحتفاظ بهم فى قسم خاص للمجوهرات امللكية. هذا البرج الذى يزوره البريطانيو­ن واألجانب ملشاهدة ما يحتويه من قطع أثرية ملكية. ويظهر فى اخللفية العازف الوحيد لتصدح أحلان حزينة، جتسد احلزن العميق على نهاية حقبة كاملة من الزمن متثلها امللكة احملبوبة.

جنازة امللكة إليزابيث الثانية، لم تكن مجرد جنازة ملكية مهيبة، بل كانت حدًثا تاريخيا، غير مسبوق، وال كما أعتقد ملحوق فى زماننا القريب. إنه عرض أسطورى مت اإلعداد له بكل دقة وإتقان عبر عقود مضت، والغريب أن امللكة هى التى شاركت بنفسها فى تفاصيل هذا الوداع األسطورى، وهى التى وجهت بضرورة التدريب على كل تفصيلة من تفاصيله.

امللكية فى بريطانيا العظمى واجلذور األصيلة. أقدم وأعرق ملكية حافظت على تقاليدها بكل قوة وإصرار. حقيقى شيء يفرح، هذا الرقى، احترام التاريخ بني كل األجيال من الشيوخ، عبورا بالشباب واألطفال الذين ظلوا يرددون النشيد الوطنى «اهلليحفظام­للكة.. حتىبعدوفات­ها. ‪God save the Queen‬

مشهد «شارلوت» ابنة األمير وليام الذى صار وليا للعهد اآلن خلفا لوالده تشارلز صار هو «التريند رقم »1 يوم جنازة امللكة، ابنة حفيد امللكة ذات السبع سنوات حتضر جنازة امللكة مع أخيها جورج الذى يكبرها بعامني، وتلفت األنظار بذكائها، وحضورها القوى، ودموعها التى انسابت من عينيها تأثرا على رحيل اجلدة.

رحلت امللكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا بعدما جلست على العرش ملدة سبعني عاما. متتعت خاللها باحلكمة واحلنكة واملرونة، كانت رحمها اهلل امرأة دولة بحق، واثقة، قوية، محبوبة ليس فقط من البريطانين­ي، بل من الكثير من البشر فى أرجاء املعمورة. املاليني فى العالم حزنوا على رحيلها رغم إنها مبقياس الزمن عاشت طويال (٦٩ عاما) أى ما يقرب من قرن من الزمن. عاصرت أحداثا جساما وتعاملت معها بذكاء سياسى عالى املستوى. كذلك قادت العائلة امللكية وواجهت أكثر من عاصفة عاتية بني جدران قصر العرش باكنجهام.

فى عصرها تولى ٥1 رئيسا للوزراء احلكم على التوالى بداية من ونستون تشرشل إلى أحدث رئيسة للوزراء ليز تراس التى قابلتها قبل يوم من وفاتها كتقليد ملكى عريق. أحدث خبر وفاتها هزة قوية فى العالم كله، وهذا شأن العظماء الذين يكتبون تاريخهم بحروف من عمل، أمل، عطاء، وإخالص حقيقى. وقد كانت امللكة إليزابيث الثانية مخلصة للتاج ووطنها (بريطانيا العظمى) فاستحقت كل هذا احلب.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt