Al-Akhbar

ماذا فعلوا خلف خطوط العدو؟!

«المجموعة لطفى».. أشباح المهام المستحيلة

- < د. محمود عطية

ما خفى من بطوالت نصر «أكتوبر37» كان أعظم.. ففى وقت عبور قواتنا املسلحة للمانع املائى وسط ذهـول العدو والعالم، كان أفراد من قواتنا املسلحة يديرون معركة بالغة الدقة والتعقيد.. وهـى «املجموعة لطفى»، املكلفة مبهمة استطالعية بالغة اخلطورة -خلف قوات العدو- بقيادة النقيب «أسامة املندوه».

فـــقـــد متــكــنــ­ت املـــجـــ­مـــوعـــة، وفـــــق رصـــد استراتيجى عالى التركيز، من اإلنــزال خلف خطوط العدو بسيناء والتمركز والتخفى فى قلب جتمعاته، حيث مركز القيادة والسيطرة اإلسرائيلى إبان املعركة فى «أم مرجم» و»مطار املليز» احلربى فى وسط سيناء، وتكمن أهمية هذه املنطقة فيما تضمه من منشآت وأهداف عسكرية إسرائيلية حيوية يتحتم علينا التواجد فى قلبها، كى نرصد حتركاته، وجنمع املعلومات عن نشاطه فيها وإبالغ القيادة بها، والتى ميكنها من خالل حتليلها اكتشاف نواياه والتعامل معها باستباقية وحسم وسرعة!.

وبـــروح اسـتـعـادة الـكـرامـة الـتـى جتلت فى «أكتوبر »73 يبوح اللواء أسامة املندوه فى كتابه «خلف خطوط العدو» -الصادر عن دار الشروقباجل­انب اخلفى للمهمة أو املعركة االستطالعي­ة التى دارت خلف خطوط العدو.. ويشير إلى أن استعادة سيناء من خالل القتال قبل أى شىء يثبت للعالم أن هزمية «يونيو» 67 كانت نتيجة للخداع، وأن اجليش املصرى لم مينح فرصة حقيقية للتعبير عن نفسه فى الذود عن الوطن قبل ذلـك، ويحكى اللواء أسامة املندوه- وكان وقتها ما زال نقيبا- عن التكليف باملهمة؛ قائًال: «جاءتنى املفاجأة يوم 5 أكتوبر 9« رمضان» أى قبل ساعات من قيام معركة الكرامة التى لم يكن يعرف موعدها إال عدد قليل من كبار قادة القوات املسلحة، استدعانى قائد الكتيبة، العقيد أركان حرب محمود عبداهلل إلى مكتبه ومعى رئيس عمليات الكتيبة املقدم صالح كامل.. قال قائد الكتيبة موجها حديثه إلى: «لدينا مهمة خلف خطوط العدو فى عمق سيناء، احملور األوسط بالتحديد، وحتظى هذه املهمة باهتمام كبير من القيادة.. ولقد مت اختيارك للقيام بهذه املهمة اخلطيرة يا أسامة».. وقد استفاض قائد الكتيبة فى استعراض املهمة بالغة احلساسية واخلطورة، كما أسهب فى شرح طبوغرافية املنطقة، وما بها من حتديات، ويكمل «املندوه» موضحاً أنه اختار فــردا واحــدا للقيام باملهمة معه، وهو العريف فتحى عبد الـهـادى، فـرد الالسلكى، ويواصل املؤلف حكيه؛ قائًال: وسلمنى القائد اخلرائط

والشفرة وأخبرنى رئيس عمليات الكتيبة بأنه جــرى إطـــالق اســم كـــودى على املجموعة هو «املجموعة لطفى»، وبعد فترة قصيرة صدرت األوامـــر بالتحرك ومعى العريف عبد الهادى إلى مطار أملاظة، ومبجرد دخولنا املطار بدأت أستشعر أجواء احلرب، وكان فى انتظارنا قائد الكتبية العقيد محمود عبد اهلل وضابط من اخلدمة اخلاصة باملخابرات احلربية، ورجل بدوى اسمه الشيخ حسب اهلل، ينتمى إلى قبيلة «اإلحـيـوات» بوسط سيناء، علمت أنـه سيكون الدليل والرفيق خالل تنفيذ املهمة، وقد أكد لى قائد الكتبية أن الوقت املتوقع لوصول قواتنا إلى خط املضايق اجلبلية االستراتيج­ية، واحتالل مداخلها الشرقية فى عمق سيناء -حيث موقع تنفيذ املهمة- سيستغرق من 9-7 أيام.

ثم أكـد معى إشــارة التعارف بني املجموعة وقـواتـنـا فــى حـالـة صـــدور أوامــــر باالنضمام إليها عند وصولها إلى هذه املنطقة، كما جرى التأكيد على أسلوب التخاطب مع القيادة فى حالة وقـوع املجموعة فى أيـدى العدو- ال قدر اهلل- وكشف محاوالتهم لتضليل قواتنا من خالل إجبار املجموعة على إرسـال معلومات مضللة وخاطئة، ويستكمل «املـنـدوة» روايته لألحداث املثيرة؛ مضيفا بقوله: وحني بدأنا الصعود إلى املروحية قلت إن هذا السيناريو الذى قادنى إلى هذه اللحظة التاريخية، ولتنفيذ مهمة فى غاية األهمية فى هذه احلرب التى يتوقف عليها مصير مصر وكرامة كل مصرى وعربى لهو تكرمي من عند اهلل سبحانه وتعالى، الذى -بفضله- أتاح

لى هذه الفرصة اجلليلة، التى يعتقد الكثيرون بأنها انتحارية، فى حني أراها أنا أشرف وأقدس مهمة الستعادة الكرامة... اقتربت املروحية من موقع اإلنـــزال، بـدأ قائدها يدقق فى الهيئات والعالمات اإلرشادية، طلب منى اختيار املكان الـذى سينزلنا فيه، اخترت منطقة فى مدخل الـــوادى.. الـرؤيـة واضحة فيها.. بــدأت عملية التحليق فى اجلو على ارتفاع ميكننا من القفز، أسقطت الشدة والتعيني وقفزت من الطائرة، بعدها ناولنى العريف «فتحى» جهاز الالسلكى، وألقى شدته ثم قفز على األرض، ثم قفز بعده الشيخ حسب اهلل.. مكثنا بعض الوقت للتأكد من خلو املنطقة من أى حتركات إسرائيلية.

وبـدأنـا التحرك بحذر شـديـد، وفــى صمت مطبق فى إطـار احلـرص على أهمية الوصول إلى موقع تنفيذ املهمة املوكلة إلينا بأمان دون االصـطـدام بالعدو، وبعد العديد من الوثبات وصلنا إلى املنطقة اجلبلية التى لم أعلم أننى سوف أمكث فيها 6 أشهر بالتمام، لم أصدق نفسى من إمكانيات هذا املوقع وكم هو مشرف على املنطقة كلها ويقع فى قلب كل هذه األهداف اإلسرائيلي­ة احليوية والـذى يجعلنا بحق نضع أيدينا على كنوز من املعلومات عن العدو ونواياه وهــو مـا سيفيد الـقـيـادة فـى قـراراتـهـ­ا خالل املعارك الشرسة الدائرة بطول قناة السويس، وبـعـد أن اخـتـرنـا نقطة املــالحــ­ظــة، اختبرنا صالحيتها لإلرسال واالستقبال، وقمنا بأعمال اإلخفاء والتمويه.. قلت للرجال: اآلن.. واآلن فقط أستطيع أن أعطى القيادة متـام وصول املجموعة واحتاللها نقطة املالحظة مت التخطيط لها.

رصــدت منذ الـيـوم األول لعمل املجموعة جميع التحركات فى االجتاهني «من الشرق إلى القناة فى الغرب والعكس»، تلرات، مدفعيات، دبابات، عربات نقل جنود، سيارات إسعاف، أقــــوال إداريـــــ­ة مــن تـلـك الــتــى حتـمـل تعيينا وذخــيــرة»، كنت أحـصـى أنـواعـهـا، وأعــدادهـ­ـا وتوقيتات حتركها، أرصد إذا كانت محملة أو فارغة كنت أرسل بيانا بكل هذه املشاهدات إلى القيادة فى نهاية كل يوم.

ويورد اللواء املندوه وكيل جهاز املخابرات العامة األسبق، فى كتابه، العديد من املالحظات حول يومى»11 و21 أكتوبر»، حيث تبدل شكل الدبابات اإلسرائيلي­ة القادمة من العريش إلى جبهة القناة، وكانت غير معتادة بل ويتعدى ذلـك إلـى شكل أطقمها من الضباط واجلنود، وحول الثغرة وكيف وقعت؟ وخطة القوات املسلحة لتصفيتها والتى صدق عليها الرئيس السادات فى 24 ديسمبر!!.

ومتر األيام والشهور واملجموعة تقوم مبهام االستطالع اليومية مما سبب إرباًكا للخطط العسكرية اإلسرائيلي­ة وجناحا لقواتنا على طول اجلبهة، وبـني احلـني واآلخــر تستنفر دوريــات العدو لتمشيط املنطقة بحًثا عنا، لكن قدرتنا على التخفى والتمويه ضللتهم، رغـم تأكدهم أن فى هذه املنطقة مجموعة ترسل برقياتها بالالسلكى كل مساء حتى بعد توقف القتال وانتهاء مباحثات الكيلو .101

وفى 16 مارس ،1974 جاءت التعليمات من القيادة بالعودة من سيناء إلى القاهرة.. وكان فى استقبالنا جميع ضباط وجنود املكتب وعلى رأسهم العميد فتحى عباس، وفى اليوم التالى وصلنا إلى مكتب املشير أحمد إسماعيل، وبعد كلمات اإلشــادة باملجهود والتضحية والفداء، وخالل اللقاء قلت بشىء من االبتسام للسيد الوزير: كيف تكون مهمتى تسعة أيام ومتتد إلى ستة شهور؟.

فكانت إجابته شافية مقنعة؛ حيث قال: كانت لدينا «حنفية معلومات» عن العدو هل يعقل أن نغلقها ونحن فى أشد احلاجة إليها؟ كانت املعلومات التى تصل منكم فارقة ومفيدة ورائعة. يجدر بالذكر أن املؤلف سيحل الليلة ضيفا على مكتبة اإلسكندرية فى متام الثانية عشرة ظهرا، حيث يتحدث عن كتابه باملسرح الصغير عبر ندوة حتمل عنوان «انتصار اإلرادة املصرية خلف خطوط العدو». املثالية كما

 ?? ??
 ?? ?? ◼ املشير أحمد إسماعيل يكرم أبطال املجموعة
◼ املشير أحمد إسماعيل يكرم أبطال املجموعة
 ?? ?? ◼ حلظة العبور العظيم تبهر العالم
◼ حلظة العبور العظيم تبهر العالم
 ?? ?? ◼ اللواء أسامة املندوه
◼ اللواء أسامة املندوه

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt