اليمن.. مخاوف من التقسيم بعد أن تصمت المدافع
بــن (األمــــل) فــى الـتـوصـل الـــى حــل سياسى والـوصـول الـى نهاية للحرب التى تدخل عامها الثامن نتيجة أزمــة استمرت حـوالـى ٢١ عاما وهـنـاك مـؤشـرات وحتـركـات بشكل جــدى لذلك وبن (اخلـوف) من اليوم التالى من تداعيات ما بعد صمت املـدافـع خاصة وعنوانها األكـبـر هو تقسيم اليمن وتشطيره بل تفتيته وهناك سوابق لذلك من التاريخ القريب واحلديث لم يتوقف منذ سنوات طويلة والتقارير والدراسات مستمرة فى دوائـر صنع القرار الدولية واالقليمية عن ذلك، فـاملـشـروعـات تـبـدو جـاهـزة واخلـطـط مطروحة بشكل أو بآخر.
وحقيقة األمر أننا البد أن نعترف وبكل أسف أن حالة غياب االستقرار فى اليمن والوصول بالصراع الى احلل العسكرى متالزمة تاريخية على األقل منذ إعــالن استقالل اليمن فى أوائــل ستينيات القرن املاضى وتأسيس اجلمهورية واتخذت أسباب مختلفة بعضها تتعلق بالصراع بن اجلمهورية وامللكية، كما حدث فى الستينيات وبن الشمال واجلنوب، كما حدث فى نهاية فى التسعينيات بن جنوب اليمن وشماله وعلى العودة الى التشطير من جديد والرجوع عن الوحدة فى عام ٤٩٩١ وهى التى تكررت فى عام ٩١٠٢ بن املجلس االنتقالى اجلنوبى والشرعية (ومواجهات مذهبية) وهى احلـــروب الست بـن احلكومة املركزية وجماعة احلوثى فى اوائـل هذا القرن وانتهت عام ٠١٠٢ وعادت من جديد فى مارس ٥١٠٢
ولعل الرصد السابق حلوالى ستن عاما من تـاريـخ اليمن بعد استقالله يقول ان استقراره مرتبط بقضيتن رئيستن التعاطى مع جماعة احلوثى والعالقة بن الشمال واجلنوب ومصير الــدولــة االحتــاديــة فـى اليمن الـتـى تسببت فى احلـربـن األخيرين والـتـى وصلت خسائرها ما بن ٠٧١ - ٠٠٢ مليار دوالر من الناجت احمللى خـــالل األعــــوام مــن ٥١٠٢ حـتـى الــعــام املـاضـى غطت املساعدات أكثر من عشرة باملائة من تلك االحتياجات، فهناك نصف اليمنين يعانون من اجلوع وحوالى خمسة مالين نازح داخلى النسبة األكبر منهم من األطفال والسيدات وانهارت قيمة الريال اليمنى بشكل تام.
ودعـونـا نتفق على أن أهــم محاولة للتعاطى بشكل صحيح مـع تلك األزمــتــن خــالل احلــوار الوطنى واتـفـاق السلم والـشـراكـة الوطنية فى عام ٤١٠٢ لم تنجح فى حل تلك املعضلتن رغم أنهما كانا األبـرز على أجندة أعماله لدرجة أن القائمن عليه واملسئولن عنه وضعوا بدون قصد
أو بحسن نية شكل اليمن ما بعد احلرب ليس فى اطار دولة احتادية ولكن اقاليم قابلة لالنفصال وجاهزة لالنفصال وبعضهم مثل اجلنوب يعمل على ذلك منذ ثالثة عقود وخاض فى ذلك حربن مع الشرعية فى الشمال عام ٤٩٩١ ومـرة ثانية فى ٩١٠٢ ونتوقف هنا عند ما يخص مستقبل الدولة اليمنية التى مت التوافق فى مؤمتر احلوار الوطنى على تقسم اليمن الى ست أقاليم: أربعة فى الشمال واثنن فى اجلنوب وهى كالتالى:
األول إقليم أوزال ويضم أربـع محافظات هى ذمار وصنعاء وعمران وصعدة ومساحته ٩٣ ألف كيلو متر مربع وعدد سكانه اكثر من ستة مالين والالعب الرئيسى فيه هو جماعة احلوثى ويبدو أن الهدف منه حصر متدده كجزء من تشكيل دولة مستقلة وهو من أفقر األقاليم.
أمــا اإلقليم الثانى فـى الشمال إقليم اجلند ويـتـكـون مــن مـحـافـظـتـى تـعـز وآب وهـــو بذلك اصغرها مـن حيث املساحة وأكـبـرهـا مـن حيث الكثافة السكانية فيضم ربـع السكان مما يولد حالة من عدم التناسب بن املوارد والسكان.
-ويعتبر اإلقليم الثالث تهامه ثانى اكبر األقاليم مـن حيث املـسـاحـة وعـــدد الـسـكـان ويـضـم أربـع محافظات اثنتن منها بحريتان وهما احلديدة وحـجـه ويـالحـظ سعى إقليم تهامة الستنساخ جتربة احلراك اجلنوبى عندما أعلن وبعد ١١٠٢ ظهور كيان اسمه احلراك التهامى وهم يعيشون على صيد األعمال وزراعــة احملاصيل والفواكه ولعل هذه امليزات التى دفعت قرابة مليون مواطن من مناطق متاخمة لتهامة وضمهم الى اإلقليم بدال من ازال واذا حدث ذلك، فنحن أمام إقليم هو األكبر واألهم من حيث عدد السكان واإلنتاج االقتصادي حيث ميلك مقومات متعددة صناعية وسياحية، حيث ميتد معظم ساحل تهامة على البحر األحمر.
-امـا اإلقليم الرابع سبأ يشمل محافظات البيضاء ومأرب واجلوف، حيث يعتبر مخزنا للموارد الطبيعية، ففى محافظتى مأرب واجلوف ثروة كبيرة من الغاز والبترول لم يستغل منها إال القليل ومعظم أراضيه صـاحلـة لــلــزراعــة وهـــى مــن أخصب األراضى فى اليمن.
ومت التوافق فى احلـوار الوطنى تقسيم اجلنوب الـى إقليمن عدن وحضرموت
األول: هو اقليم عدن الذى يضم عددا من احملافظات عدن وحلج وابن والضالع فمساحته حوالى ٧ باملائة من اجمالى مساحة اليمن وبه حوالى ٠١ باملائة من السكان وميتلك مـوارد سمكية وإمكانيات زراعية كبيرة، كما أن وضع عدن كعاصمة ثانية وأولـى فى قبل وحدة ٤٩٩١ يتيح لــه إمـكـانـيـات فــى البنية التحتية والقدرة على العمل فى مجاالت التجارة والصناعة
والسياحة والزراعة والــثــانــي: هــو اقليم حـضـرمـوت ميلك ابـنـاؤه املـهـاجـرون يف السعودية ودول اخلليج اآلخـري امواال طائلة ميكن استثمارها، كما انه من أكثر األقاليم احتواء على ثروات كالنفط والغاز املسال واملـيـاه وميلك سواحل على امـتـداد بحر العرب واحملــيــط الـهـنـدى وميـتـد داخـلـيـا عـلـى احلــدود املتاخمة لسلطنة عمان شرقا والسعودية شماال وتتحدث تقارير عن رغبة سعودية فى مد أنابيب تصدير نفطها الـــــــى ســــواحــــل بــحــر الــعــرب عبر ميناء املكال بعيدا عن تهديدات اى أن ملضيق هرمز ومـــع كــل ذلـــك فـهـنـاك خـــالف فــى اإلقـلـيـم بن اهالى حضرموت واملهرة والتى طالبت بتخبئتها السياسية منذ اليوم األول لإلعالن عن األقاليم بتشكيل إقليم خـاص بها حسب حــدود نوفمبر ٧٦٩١ خاصة أن اليمن اجلنوبى كان به ١٢ سلطنة ومشيخة ولعل تقسيم اجلنوب بهذا الشكل يخلق حالة مـن الـصـراعـات والـتـوتـرات مستقبال مبا يحول دون قيام عالقات تكاملية بينهما.
وبعد فكل التطورات األخيرة تكشف عن مسعى جدى للتوصل الى حتقيق اختراق حقيقى فى إنهاء الصراع العسكرى من خالل اتفاق غير معلن بن احلوثين والتحالف على استمرار الهدنة بعد التعثر فى جتديدها واعقب ذلك حتركات نشطة ما بن مسقط باعتبار سلطنة عمان وسيطا موثقا به من قبل التحالف وجماعة احلوثى فى صنعاء وبتشجيع من طهران والتى جتد فى العاصمة العمانية مكانا للحوار وهو ما مت بالفعل فى زيارة وزير اخلارجية اإليراني إليها ولقائه مع محمد عبدالسالم كبير مفاوضى اجلماعة وما تـردد من تقارير عديدة حــول زيـــارة قــام بها املسئول السعودى املسئول عن امللف اليمنى السفير محمد آل جابر ووجود حــوار جـدى حـول العديد مـن القضايا اخلاصة بـاالبـعـاد االنـسـانـيـة وصـــرف املـرتـبـات املتأخرة وموقف الشرعية اليمنية والتى ال تشارك فى عملية التفاوض وكذلك ازمة اجلنوب ولعل املوقف السعودى يشير فى اجتاه احلل كما جاء فى كلمة وزير اخلارجية السعودي األمير فيصل بن فرحان فى دافوس وقال إن الصراع املستمر منذ ثمانية اعوام لن يحل سوى عبر تسوية سلمية ومع ارتفاع نسب التوصل الى مثل تلك التسوية يبقي السؤال احلائر وماذا بعد ان تنجح هذه التسوية وما هو شكل اليمن ما بعد انتهاء احلرب نحن امام اكثر من سيناريو وهى:
السيناريو األول: إعادة تشكيل اليمن كـدولـة واحـدة مع السعى الى اعـــــادة النظر فى فكرة االقاليم الست، كما جاء فى اتـــفـــاق الــشــراكــة اثنان فى اجلنوب واربـــــــــعـــــــــة فـــى الشمال فى اطار دولة احتادية ولكن يواجه هذا السيناريو وضع جماعة احلوثين، الـذيـن يسيطرون فـى الـوقـت احلالى على الشمال هل ميكن ان يتنازلوا ويقبلوا بفكرة انهم طرفا سياسيا فى الدولة املعاد تشكيلها، ولكنهم لـن يكونوا الـطـرف السياسى الوحيد. حقيقة األمر أن من الصعوبة مبكان القبول بذلك بعد كل ما جرى طوال السنوات الثمانية املاضية، فمن الطبيعى وفـقـا لرؤيتهم أن مـن حقهم أن يشكلوا حكومة ما بعد نهاية احلـرب وفى سائر اليمن خاصة أن سـنـوات سيطرة األمــر الواقع التى يفرضها احلوثيون فى صنعاء سمحت لهم بإعادة تشكيل وإعـادة تنظيم الـوزارات والوكاالت احلكومية لتضحى حتت سيطرتهم. إن محو هذه التغييرات سوف يكون مستحيال يف حاالت كثيرة على األقل على املدى القصير.»يضاف الى ذلك موقف املجلس االنتقالى اجلنوبى الذى جنح خالل السنوات املاضية فى ترسيخ نفسه كقائد لدولة اجلنوب ويالحظ فى اطـار ذلـك الهاشتاج الذى اطلقه اجلنوبيون مبناسبة الذكري الـ٥٥ الستقالل جنوب اليمن عن بريطانيا حتت عنوان ( اجلنوب يجمعنا واالستقالل هدفنا) وهو األمر الذى يعنى الكثير بالنسبة لعالقة اجلنوب والشمال بعد انتهاء احلرب
السيناريو الثاني: وهـو كـارثـى بكل املقاييس وهو انقسام اليمن يعزز ذلك فشل جتربة املجلس الرئاسى اليمنى والـذى اصبح مسئوال عن ادارة البالد بأعضائه الثمانية منذ ابريل املاضى والذين ميثلون رموز مناطقيه ومكونات سياسية وحزبية حيث عاني من الشلل وعدم القدرة على االجتماع مـن اعضائه أو بــدء عمل احلكومة مـن مدينة عدن لدرجة تأخير اجــراءات صرف مساعدات بثالثة مليار دوالر من السعودية واالمارات وكانت مخصصة لتخفيف األزمـــة االقتصادية وكذلك التحول االنتقالي اجلنوبي الـى صاحب الكلمة األولى فى مناطق اجلنوب.
يتضمن هذا السيناريو تشرذم اليمن إلى دويالت عنيفة تخضع لسيطرة أقوى أمراء احلرب فى أى حلظة معينة. وتتصارع اجلماعات املسلحة املتنوعة فى اليمن بشكل مستمر من أجل االستيالء وفرض السيطرة على أكبر مساحة أرض ممكنة. ومينح ذلك املجال لعودة تنظيم القاعدة فى شبه اجلزيرة العربية وإشعال شرارة حتركات هائلة بن النازحن داخليا والالجئن، وتعريض ممرات املالحة الدولية عبر البحر األحمر إلى اخلطر. ينبغى تفادى حدوث مثل هذا املستقبل بأى تكلفة.