Al-Akhbar

كيف نفهم خطابات اآلخرين؟!

- ◼ د. محمود عطية

يناقش كتاب «التحليل النقدى للخطاب» للعالم د. محمد شومان «مفهوم اخلطاب» فى العلوم االجتماعية واإلنسانية، مع التركيز على اخلطاب اإلعلمى.. كما يعرض تطور اخلطاب فى مجاالت احلياة املختلفة بعد ظهور علم التحليل النقدى للخطاب، وعبر فصول الكتاب املتعددة يطوف بنا فى تاريخ املصادر املعرفية واملفاهيمي­ة والنظرية ملؤسسى الدراسات النقدية، ونشأة وتطور الدراسات النقدية للخطاب اإلعلمى، فيقدم د. شومان وجبة علمية ثقافية لكل من يريد استيعاب وتفسير اخلطاب خاصة بعد التطور العظيم فى مجاالت تقنيات االتصال والرقمنة و«اإلنترنت» والذكاء االصطناعى، فقد أحدثت هذه التقنيات سريعة االنتشار للويب التشاركى ثــورة اجتماعية تواصلية حقيقية، وتؤثر هذه اآلثار والتداعيات فى كيفية تشكيل النصوص واخلطابات واأليديولو­جيات، كما أصبحت وسائل التواصل االجتماعى نفسها جزًءا أساسًيا من مصادر احملتوى اإلخبارى.. وفى تعريف مصطلح اخلطاب يذكر شومان أنه «ال يوجد اتفاق على تعريف محدد للخطاب، فهو محل اختلف ونقاش بن الباحثن فى العلوم االجتماعية واإلنسانيا­ت، ويستخدم الباحثون مفهوم اخلطاب بحسب تخصصاتهم وثقافتهم واألوســـا­ط األكـادميـ­يـة، التى يعملون بها، وعلى الرغم من صعوبة االتفاق على املقصود باخلطاب وحدوده وأبعاده واستخدامات­ه، إال أنه منتشر على نطاق واسع فى العلوم االجتماعية واإلنسانيا­ت، وهذه املفارقة اُُحملِِّّيرة تثير إشكاليات، وتربك بعض الباحثن، السيما أن كل تخصص فى العلوم االجتماعية يحدد مفهوًما للخطاب خاًًصا به، استنادا إلى النظريات واملناهج املعتمدة لديه، كما يستخدمه بأساليب وطرق مختلفة.

ومع ذلك يعرف البعض «حتليل اخلطاب» على أنه حتليل السلوك اللغوى، املكتوب واملنطوق خارج حدود اجلمل الفردية مع التركيز بشكل أساسى على إنشاء املعنى وتفسيره، حيث يتم استخدام اللغة فى ظروف اجتماعية معينة وسياقات محددة، وبالتالى يجب حتليل اللغة ليس كمجموعة وحدات أو قواعد مجردة، ولكن كأداة للنشاط االجتماعى. وجـرى التركيز على «اللغة املستخدمة» باالعتماد على رؤى من علم االجتماع، وعلم النفس، والسيميائي­ة، ودراســـات االتصال والبلغة وإدارة األعمال والتسويق واحملاسبة والدراسات التنظيمية والقانون

وتكنولوجيا املعلومات، وغيرها من التخصصات واملجاالت كالرياضة واملوضة واإلعلن...». وملحظة مهمة يشير إليها الكتاب «..كان هناك تقليد فكرى طويل يتعامل مع اللغة على أنها اختلف فى املعلومات والوظيفة من ثقافة إلى أخرى، وعلى سبيل املثال، فى الثقافات الغربية، غالًبا ما تُستخدم اللغة كتعبير عن قيمة العقل الفردى والهوية الذاتية، لكن فى الثقافات الشرقية، ينظر إلى التواصل الكلمى بشكل عام كأداة للحفاظ على العلقة واالنسجام»، ولذلك اختلف مفهوم اخلطاب فى التراث العربى وتنوع تنوًًعا واضـًًحـا، ففى التعبيرات العربية القدمية نــراه يحمل مدلول الرسالة، فيقال هذا خطاب فلن لفلن، ومرة أخرى عبر به عن اخلطبة التى يلقيها اخلطيب، ويرتبط اخلـــطـــ­اب بــاخلــطـ­ابــة فـــى الـنـصـوص التراثية، فاخلطابة فى ميدان النثر مبنزلة القصيد فى ميدان الوزن، فهى اإلطار املثالى الذى تتجلى فيه البلغة النثرية، وقد التزمت الـدراسـات اللغوية العربية، والبلغية احلـديـثـة واملـعـاصـ­رة باملفاهيم واملعانى التقليدية للخطاب، ومن هنا اختلف مفهوم اخلطاب فى اللغة العربية عن استخداماته فى اللغات األجنبية. وحول الدراسات النقدية للخطاب اإلعلمى يـذكـر شــومــان: بالنظر إلــى مـركـزيـة اللغة فى الصحافة واإلعــلم، فقد اهتم باحثو الصحافة واإلعـــلم منذ فترة طويلة، مبحاولة فهم كيفية استخدامها فى بناء املعنى، وفى هذا السياق ظهرت مـدارس وتقاليد بحثية، اجتهدت فى دراسـة التأثيرات املتبادلة بن اخلطاب والصحافة واإلعلم، وخطابات اإلعلم هى امتداد وانعكاس للخطابات املتنافسة فى املجتمع، تُسهم فيها وتُؤثر وتتأثر بها، ويستمر الكتاب الضخم الفخم -الصادر عن دار املعارف- فى عرض تاريخ ووجهات ونظريات التحليل النقدى للخطاب، ووجهات النظر املتعددة التى تربك بعض الباحثن، وتُُسبب حيرتهم، وعلى الرغم من ذلك يؤكد أن الدراسات النقدية للخطاب ال تزال تنتشر وتتطور، وتتصدى لتحليل خطابات التواصل االجتماعى، والبيانات الضخمة مبا يتطلبه ذلك التعامل مع الوسائط املتعددة.. الكتاب صدر عن دار املعارف.

 ?? ??
 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt