Al-Akhbar

أبواب صاحبة الجاللة

- اخلطوة الرابعة

اخلطوة األولى

كان حلمى األكبر االلتحاق بكلية الطب.. وبذلت غاية جهدى فى امتحانات الثانوية العامة مبدرسة دير مواس الثانوية املشتركة مبحافظة املنيا لتحقيق احللم.. مذاكرة وسهر وتعب.. لكن إرادة اهلل كانت األعلى وجاء املجموع أقل بنصف فى املائة فقط عن املجموع الذى أعلنه مكتب التنسيق لاللتحاق بالطب.

شعرت مبرارة شديدة وأنا أتلقى خطاب التنسيق بقبولى بكلية إعالم جامعة القاهرة.. الكلية التى اختارها والدى رحمه اهلل احلاج طه ميرى، وأصرعلى أن تكون اختيارى الثانى بعد الطب رغم أننى لم أكن أفكر فيها أو أريدها.. لكن والــدى كان يرى بعني الصوفى - بعني احلـالج وابن العربى اللذين كانا يعشقهما- أن هذا مستقبلى.. فخالل دراسـتـى بـاالعـداد­يـة والـثـانـو­يـة كنت أتـولـى تـقـدمي فقرة الصباح فى الطابور املدرسى وكتبت قصصا قصيرة فازت بجوائز على مستوى احملافظة.. وكنت أراسل صحيفة املنيا األسبوعية وتنشر األخبار باسمى لهذا كان قرار احلاج طه بأن كلية اإلعــالم ودراســة الصحافة هى مستقبلى الذى يبحث عنى وأبحث عنه.

مع بداية الدراسة تأخر إحلاقى باملدينة اجلامعية عدة أيام واتخذت قرارا بإعادة الثانوية العامة لتحقيق حلمى بدخول الطب.. أخبرت والدى بالقرار.. وجمعتنا جلسة مع خالى محمد سعد اخلبير التربوى ومدير املدرسة الثانوية وقتها.. وكان رأيهما واحدا أال أضيع عاما من عمرى بحثا عن حلم وأن أتوكل على اهلل وأبدأ دراستى بكلية اإلعالم.. هــذه كانت االسـتـشـا­رة وبعدها كانت صــالة االستخارة، صليتها ومنـــت فــرأيــت فيما يـــرى الـنـائـم مــن ينصحنى باالستمرار فى كلية اإلعالم وأن هذا هو مستقبلى الذى يجب أن أعض عليه بالنواجذ.

اخلطوة الثانية

وقـر فـى قلبى بعد االسـتـشـا­رة واالسـتـخـ­ارة أن أرضـى بقضاء اهلل.. وهو أمر لو تعلمون عظيم.. ربانى والدى منذ الصغر أن أبذل قصارى جهدى لتحقيق ما أريد ثم أترك النتيجة لرب العاملني واستسلم للقضاء راضيا مرضيا.. وهذا ما كان.

بـــدأت الــدراســ­ة بكلية اإلعـــالم جامعة الـقـاهـرة التى كانت حتتل الطابق األخير مببنى كلية االقتصاد والعلوم السياسية.. وكنا طالب الفرقة األولـى نتلقى محاضرات عديدة فى معهد اإلحصاء خارج أسوار اجلامعة.. واستقر سكنى باملدينة اجلامعية.. لتتفتح عيناى على عالم جديد بعيدا عـن قريتى نـزلـة الـبـدرمـا­ن محافظة املـنـيـا.. فى اجلامعة لم نتعلم فقط فنون الصحافة واإلعــالم ولكننا تعلمنا دروب السياسة واالقتصاد، أحببنا قــراءة الكتب ومناقشات الفلسفة وعلم االجتماع.. تعلمنا االعتماد على أنفسنا ومناقشة كل اآلراء بعقول مفتوحة وبدون انحياز.. كلية اإلعالم بجامعة القاهرة مدرسة علمية عملية جامعة.. وأساتذتها الكبار الذين علمونا فتحوا عقولنا على العالم الواسع.. ومع نهاية السنة األولى التى كانت فيها الدراسة شاملة كان اختيارى للتخصص من السنة الثالثة دراسة الصحافة التى أعشقها وفضلتها على قسمى اإلذاعــة والتليفزيو­ن والعالقات العامة واإلعالن.. الصحافة تسربت داخل عروقى وشدتنى بكل قوة وحب إلى العالم الذى كان البد أن أدخله.. وفى اإلجـازة الصيفية قررت االستمرار بالقاهرة ومبساعدة من قريب عزيز على قلبى متكنت من االلتحاق بالتدريب مبجلة الشباب مبؤسسة األهرام العريقة ألبدأ تعلم فنون الصحافة وملدة ٣ سنوات على يد األستاذ القدير الراحل عبدالوهاب مطاوع.

اخلطوة الثالثة

الـصـحـافـ­ة اسـتـولـت عـلـى كـامـل وعـيـى طـــوال سـنـوات الدراسة.. ومنذ السنة الثانية بدأت العمل مبكاتب العديد من الصحف العربية كمراسل.. ألحصل على دخل جعلنى استقل ماديا وأستطيع اإلنفاق على نفسى، وكانت حلظة فارقة غمرتنى بسعادة فائقة.. واصلت الـدراسـة وتعلم فنون الصحافة على يد أساتذة فى كلية اإلعــالم الكبار والتدريب مبجلة الشباب والعمل بالصحف العربية.. وفى السنة الثالثة انتخبنى زمالئى باحتاد طالب كلية اإلعالم، وكانت حياة املدينة اجلامعية مدرسة أخـرى تعلمنا منها الكثير فى فنون احلياة والتكيف والتعايش، ومع صديقنا العزيز الدكتور هشام عطية أسسنا مجلة خاصة ألحد رجال التعليم وحصلنا على دخل جيد منها.. كما كنا نصدر مجلة - صوت اجلامعة - نحررها ونخرجها ونقوم بتوزيعها بأنفسنا داخل اجلامعة.. الدراسة كانت عملية وفى كل يوم نتعلم اجلديد.. وال مير يوم إال وجنلس على سلم الكلية

نضحك من قلوبنا ونتبادل خبراتنا.. ومألتنى الثقة بأننى وجدت غايتى فى كلية اإلعالم وقسم الصحافة.. وأن الكنز احلقيقى فى الرحلة ولم يساورنى الشك أبدا فى قدرتى على حتقيق أحالمى فى بالط صاحبة اجلاللة.

عندما وصلت للسنة الرابعة بالكلية بـدأ التفكير فى املستقبل والعمل يشغل بالى.. فهل سأكمل املسيرة فى مجلة الشباب بعد التخرج أم يقودنى مصيرى إلى مكان جديد.. وقبل أن حتتل التساؤالت عقلى كانت اإلجابة من أبواب السماء املفتوحة.. الكاتب الصحفى الكبير الراحل جالل دويدار رئيس حترير األخبار وقتها أرسل إلى أستاذنا الكبير الراحل الدكتور فاروق أبو زيد عميد الكلية يطلب منه ترشيح أفضل ٥ طـالب لديه للتدريب والتعيني فى األخبار.. وهى سنة حميدة ورابطة سحرية تربط األخبار بكلية اإلعـالم منذ انشائها.. ورغم أننى لم تكن تربطنى عالقة وثيقة بالدكتور فاروق أبو زيد بل كانت مجرد عالقة طالب بأستاذ إال أننى فوجئت بأننى ضمن من وقع عليهم االخـتـيـا­ر.. بعد أن سـأل الرجل املعيدين وأسـاتـذة قسم الصحافة عن أفضل الطالب ورشحنى العزيز جدا الدكتور هشام عطية له.. كنت مازلت طالبا بالفرقة الرابعة عندما دخلت مبنى مؤسسة أخبار اليوم العريقة مع زمالئى األربعة للقاء األستاذ جالل دويـدار.. وأخبرنا الرجل أن التدريب متاح بأقسام احلــوادث والقضايا والتحقيقات ووجدتنى أطلب التدريب بالقسم القضائى فاستجاب، ألبدأ التدريب والعمل مع األستاذ الذى علمنى أصول املهنة محمد حسن البنا رئيس القسم القضائى وقتها ورئيس حترير األخبار بعد ذلك.

وبعد مرور أسبوع واحد كان علي االختيار بني االستمرار فى األخبار أو مجلة الشباب.. وجاء القرار إلهيا باستدعاء من مكتب األستاذ عبدالوهاب مطاوع لتخبرنى سكرتيرته آمال بانتهاء تدريبى فى مجلة الشباب.. ولم أناقش.. كانت رسالة السماء مستقبلى فى األخبار واملصير قد حتدد وقد كان.

اخلطوة اخلامسة

مبجرد انتهاء الدراسة باجلامعة وحصولى على تقدير جيد انتقلت رحـلـة عملى فـى األخــبــا­ر مـن الـهـوايـة إلى االحتراف.. حتدد املصير واملستقبل داخل جـدران الدار العريقة.. بعد التخرج بشهور قليلة بـدأت تأدية اخلدمة العسكرية وواصلت العمل فى األخبار خـالل االجــازات، وصدر قرار بحصولى على أول مكافأة شهرية منتظمة 80 جنيها بالتمام والكمال.. وخالل تواجدى باجليش مت نشر اسمى باجلريدة ألول مرة على خبر انفراد.. ولكن لم يكن رئيس التحرير قد وافق على النشر فتقرر عقابى بنقلى إلى قسم التحقيقات، وقبل مرور شهر كنت قد عدت مرة أخرى إلى القسم القضائى.

انتهيت من أداء اخلدمة العسكرية وانتظمت فى العمل باألخبار وسكنت فى شقة إيجار مع أربعة من الزمالء األعزاء.. وواصلت العمل بعدد من الصحف العربية ألمتكن من توفير نفقات احلياة.

فى نهاية عام 199٦ كان قد مر على وجودى فى األخبار ٣ سنوات حتت التمرين وال أحصل اال على الثمانني جنيها مع مكافآت متفرقة من االنفرادات.. اكبرها 0٥ جنيها عن تغطية حادث انهيار عمارة مصر اجلديدة وهو مبلغ ضخم وقتها وكانت املكافأة االعلى التى مت صرفها ملن شاركوا فى التغطية.. بعد مـرور ٣ سنوات كنا فى موقف صعب مع اربعة من زمالئى االعـــزاء.. وقتها كـان هناك خالف بني الكاتب الكبير الراحل ابراهيم سعده رئيس مجلس االدارة واالستاذ جالل دويدار رئيس التحرير ولهذا جتمد صدور قرار بتعيينا.. وبعد محاوالت متعددة تدخل الراحل الكبير أحمد اجلندى مدير حترير األخبار وكانت تربطه عالقة قوية بإبراهيم سعده وحتدث معه عن تأخير صدور قرار التعيني.. وبعدها فوجئنا باتصال تليفونى من مكتب االستاذ ابراهيم يستدعينا للقائه وكانت املرة األولى التى نرى فيها الرجل.. ومبجرد ان دخلنا سألنا عن أوضاعنا وأجاب بأنه وقع قرار التعيني قبل ان يلتقى بنا وكانت من أسعد اللحظات فى حياتنا.. وبعدها فى بداية عام 97 اكتمل احللم باالنضمام لنقابة الصحفيني.

اخلامتة

تتحدد مصائرنا ويتقرر مستقبلنا بقدر ما نبذل من عرق وجهد.. وعندما نرى أحالمنا ونتمسك بها نستطيع حتقيقها.. أبواب السماء مفتوحة ترى ما فى قلوبنا ومتنحنا اجلوائز التى تستحق فى الوقت الذى يستحق.

لكتابة اليوميات مذاق مختلف وسحر خاص.. لكن ما دفعنى للكتابة كـان طلب أصـدقـاء أعتز بهم بـأن أروى جتربتى فى بداية عملى الصحفى.. جتربة عنوانها األبواب مفتوحة ملن يعمل ويجتهد ويصبر

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt