األشد من حرمة القتال
نـحـن ُمـسـّلـمـون أن الـقـتـال فى الــشــهــر الـــــرام أمـــر كــبــيــر، ولـكـن انـــظـــروا يـــا كـــفـــار قـــريـــش إلــــى ما صنعتم مــع عـبـادنـا وقـــارنـــوا بني ِكْبر هذا وِكْبر ذاك. أنتم تقولون: إن الـــقـــتـــال فــــى الـــشـــهـــر الـــــرام مـسـألـة كـبـيـرة، ولـكـن صـدكـم عن سـبـيـل الل وكــفــركــم بـــه، ومنعكم الــســلــمــني مـــن الــســجــد الـــــرام، وإخــراج أهـل مكة منها أكبر عند الل من القتال فى الشهر الرام، فال تفعلوا ما هو أكبر من القتال فــى الـشـهـر الـــــرام، ثــم تـأخـذكـم الـــغـــيـــرة عـــلـــى الـــــرمـــــات. فــكــأن الق أراد أن يضع قضية واضحة هـــــي: ل تـــــؤخـــــذوا مــــن جـــزئـــيـــات الـتـديـن أشــيــاء وتـتـحـصـنـوا فيها خــلــف كـلـمـة حـــق وأنـــتـــم تــريــدون الباطل فالواقع يعرض األشياء، ونـــحـــن نــــقــــول: نـــعـــم إن الــقــتــال فـــى الــشــهــر الـــــرام كــبــيــر. ولـكـن يــا كــفــار قــريــش اعــلــمــوا أن فتنة الــــؤمــــنــــني فـــــى ديـــنـــهـــم وصـــدهـــم عــــــن طـــــريـــــق الل، وكـــــفـــــركـــــم بــه سبحانه وإهــداركــم حرمة البيت الـــــــرام مبــــا تـــصـــنـــعـــون فـــيـــه مـن عـبـادة غير الل، وإخـراجـكـم أهله مـنـه، إن هـــذه األمــــور اآلثــمــة هى عـنـد الل أكـبـر جــرًمــا وأشـــد إثـًمـا مـــن الـــقـــتـــال فـــى األشـــهـــر الـــرم لسـتـرداد السلمني بعض حقهم لــديــكــم. ولـــهـــذا يـــرد الـــق سـهـام الشركني فى نحورهم « َو َل َي َزا ُلو َن ُيـــ َقـــا ِتـــ ُلـــو َنـــ ُكـــ ْم حــتــى َيـــــر ُّدو ُكـــــ ْم َعــن ِديــ ِنــ ُكــ ْم ِإن ا ْســ َتــ َطــا ُعــو ْا» أى إياكم أن تــعــتــقــدوا أنـــهـــم سـيـحـتـرمـون الشهر الــرام ول الكان الــرام، بـل « َو َل َيـــ َزا ُلـــو َن ُيـ َقـا ِتـ ُلـو َنـ ُكـ ْم» أى وســـــيـــــصـــــرون، ويـــــــداومـــــــون عــلــى قتالكم «حتى َير ُّدو ُك ْم َعن ِدي ِن ُك ْم ِإن اْسَتَطاُعوْا». وتأمل قوله: «ِإن اسَتَطاُعوْا» إن معناها حتد لهم بأنهم لن يستطيعوا أبدا ف (إن) تــأتــى دائـــمـــا فـــى األمــــر الـشـكـوك < الشيخ الشعراوى فــيــه. ويـتـبـع الـــق ََ «ومـــــنََِْْ يـــرتـــدد ِم ْن ُك ْم َعـن ِديـ ِنـ ِه َف َي ُم ْت َوهــ َو َكا ِف ٌر فــأولئــك َحــ ِبــ َطــ ْت أَ ْعــ َمــا ُلــ ُهــ ْم ِفـى الدنيا واآلخــرة وأولئك أَْصـَحـاُب النار ُه ْم ِفي َها َخا ِل ُدو َن» سيظلون يــقــاتــلــونــكــم حـــتـــى يـــــردوكـــــم عـن ديـنـكـم إن اسـتـطـاعـوا. ثــم يختم الــق اآليـــة بقضية يـقـول فيها: « َو َمن َي ْر َت ِد ْد ِم ْن ُك ْم َعن ِدي ِن ِه» هذه اآليــــة يـقـابـلـهـا آيــــة أخــــرى يـقـول الق فيها: «َو َمـن َيْكُفر باإلميان
ِْ فقد حبط عمله وهو فى اآلخرة
َِ مـن اخلاسرين» «الـائـدة: .»5 وإذا قــارنــا بــني اآليــتــني جنــد أن اآليــة الــــتــــى نــــحــــن بــــصــــدد خــــواطــــرنــــا عنها قـد ورد فيها قـولـه: «َفَيُمْت َو ُهـــ َو َكــا ِفــ ٌر» وفــى ســورة الـائـدة لم يـــرد هـــذا وإمنــــا ورد قــولــه: «َوَمــــن َي ْك ُف ْر باإلميان َف َق ْد َح ِب َط َع َم ُل ُه» وقـد اختلف العلماء فى السألة اختالفات جميلة. ولكنهم اتفقوا أََّول على أن أى إنـسـان يرتد عن اإلســــــالم ثـــم ميــــوت مــــرتــــدا فـقـد حبطت أعماله. ولكن اختالفهم تـــركـــز فــيــمــا لـــو رجــــع وآمـــــن مــرة ثانية، أى لـم ميـت وهـو كـافـر، بل رجـع فآمن بعد ردتــه، فهل حبط عــمــلــه أم لـــم يـــحـــبـــط؟. ولـــإمـــام الــشــافــعــى رأى يـــقـــول: إن الـــذى يــرتــد عــن الــديــن حتـبـط أعـمـالـه إن مـــات عـلـى الـكـفـر، أمـــا إن عـاد وأســـلـــم مــــرة أخـــــرى فــــإن أعــمــالــه الــتــى كــانــت قــبــل الرتـــــــداد تـكـون محسوبة لـه. واإلمــام أبـو حنيفة
له رأى مختلف فهو يقول: ل، إن آية سورة الائدة ليس فيها « َف َي ُم ْت َوُهـــَو َكــاِفــٌر» وعليه فإننا نحملها عـلـى آيــة ســـورة الـبـقـرة الـتـى ذكـر فيها ذلــك مـن بــاب حمل الطلق عـلـى الــقــيــد، وعــلــى ذلـــك فـالـذى يـكـفـر بـعـد إميــانــه عـمـلـه محبط سواء رجع إلى اإلميان بعد ذلك أو لــــم يــــرجــــع، فــــال يــحــتــســب لـه عمل. أين موضوع اخلالف إذن؟. هى أن إنسانا آمـن وأدى فريضة الــج ثــم ل قــدر الل كفر وارتـــد، ثــم رجـــع فـآمـن أتـظـل لــه الجة التى قام بها قبل الكفر أم حتبط ويطلب منه حج جديد؟ هذه هى نقطة اخلـــالف. فالشافعى يرى أنــــه ل يــحــبــط عــمــلــه مــــــادام قـد رجــــع إلـــى اإلميــــان ألن الل قــال: « َفـ َيـ ُمــ ْت َو ُهـــ َو َكــا ِفــ ٌر» فمعنى ذلك أنـــه إن لــم ميــت عـلـى الـكـفـر فـإن عمله ل يحبط. ولـكـن ل يأخذ ثوابا على ذلك الج الذى سبق لـــه أن أداه، لــقــد الــتــفــت اإلمــــام الشافعى رضى الل عنه إلى شيء قد يغفل عنه كثر من الناس، وهو أن الـج ركـن من أركــان اإلســالم، فـــالـــذى ل يــحــج وهــــو قـــــادر على الج فالل يعاقبه على تقصيره، والذى حج ل يعاقب ويأخذ ثواب فعله. فكأن األعمال التى طلبها الـــــق ســبــحــانــه وتـــعـــالـــى إن لـم تفعلها وكـــانـــت فـــى استطاعتك عـوقـبـت، وإن فعلتها ميـر عملك مبـرحـلـتـني، الــرحــلــة األولــــى هى أل تعاقب، والرحلة الثانية هى أن تثاب على الفعل. فالشافعى قـــال: إن الشخص إذا فعل فعال يثاب عليه اإلنـسـان، ثم كفر، ثم عــاد إلــى اإلســـالم فهو ل يعاقب، ولـــكـــنـــه يـــــثـــــاب. أمــــــا اإلمــــــــام أبـــو حـنـيـفـة فــقــد قـــــال: إنــــه ل عـبــرة بعمله الـذى سبق الـردة مصداقا لقوله تعالى: « َح ِب َط ْت أَ ْع َما ُل ُه ْم» أى أبطلت وزالت، وكأنها لم تكن.