Al-Akhbar

ياعزيزى.. كلنا «علماء»!!

-

تخيلت لـو جـاء يـوم يتلقى «تـشـات جـى بـى تى» التهانى على مستوى العالم لفوزه بجائزة «نوبل» فـــى أحــــد مــجــاالت­ــهــا الــســتــ­ة (الـــطـــب- الــفــيــ­زيــاءالــ­ـكـــيـــم­ـــيـــاء- اﻷدب- الــــســـ­ـام- االقــــتـ­ـــصــــاد). فـهـل سيمتلك ناصية اجلــدارة واالستحقاق أم سيكون يـومـًا مـشـهـودًا وجنــد أنفسنا أمـــام 6 استنساخات مـنـه.. كــل تخصص فـى فــرع مـن «جــائــزة الـكـبـار».. وحلــظــتـ­ـهــا ســتــتــه­ــدد مــنــظــو­مــة اﻹبـــــــ­داع الــبــشــ­رى والقدرة على االبتكار اﻹنسانى.

لقد اتسعت دائــرة «الـذكـاء االصطناعى» وباتت تـغـزو مـيـاديـن لــم تـــدر بــاﻷحــام وسـعـى ﻷن يترك مقعد «املساعد» فى اجلهود العلمية ليتبوأ موقع «الـصـانـع» املـاهـر، وقــام بتقدمي املـقـاالت واﻷبـحـاث وإكمال القصص والـروايـا­ت وقـرض الشعر. هكذا، انــدفــعـ­ـت اســتـطــا­عــات ذلـــك «الــتــشــ­ات» نـحـو جتــاوز احلدود وأصبح منافس ًا مدهش ًا وعامل ًا مبهر ًا يصيغ اﻷبحاث العلمية بإتقان ويعتلى «اسمه» مصاحبا مؤلفني آخرين رأس منشورات علمية فى إصدارات عريقة ودوريــــا­ت عاملية (نيتشر منــوذجــا). وتتعثر جهود العلماء ويتوقف عطاؤهم ويتعطل «الذكاء الطبيعى» فى مواجهة قدرات هائلة يظهرها «جى بى تى» كتطبيق للذكاء االصطناعى ولسان حاله ينطق أمـــام اجلـمـيـع: «يــاعــزيـ­ـزى.. كلنا عـلـمـاء»..

وكــأنــهـ­ـا صـيـحـة حتــذيــر «عالم با معمل»!!..

وفــــى املــقــاب­ــل يــقــف «فـــنـــان بـــا مـــرســـم» هــــو«دال إى مينى».. ذكــاء اصطناعى آخــر يقتحم الفنون التشكيلية لتحويل «الــنــص» إلــى صــور ورسـومـات ولـــوحـــ­ات عــالــيــ­ة الـــدقـــ­ة (بـــوريـــ­س جــونــســ­ون يـأكـل سمكة- الكنغر املصنوع من اجلــن).. مهام يعجز الفنان البشرى عن تنفيذها «دون فـرشـاة». عاوة على نظام «مـوزيـك إل إم» و «جـاكـى بـوكـس» وهما أبرز مبادرات توليد املوسيقى عبر مدخات معينة.

تتوالى تطبيقات «الــذكــاء االصطناعى» الفذة فــى إحــــال اﻵلــــة مـحـل اﻹنـــســـ­ان كــى يــــؤدى أدوارا ووظائف شتى اعتمادا على «احملاكاة» التى تنطلق من «خوارزميات» وتقنيات متنح احلواسب إمكانية «تعليم اﻵلـة» مضاهاة ﻹشـارات اخلايا العصبية. ويعمل خـبـراء املـجـال على تغذية «اخلــوارزم­ــيــات» تــــدق

نـــاقـــو­س اخلــطــر من

بــكــم هــائــل مـــن الــبــيــ­انــات واﻷرقـــــ­ـام واملــــعـ­ـــادالت ثم يتبعونها بــآالف التدريبات وصـــوال ﻷعلى درجـات «التنبوء» وأفضل مستويات «التخمني».

وعـــنـــد­مـــا يـــوجـــه 500 مـــن الــبــاحـ­ـثــني واخلـــبــ­ـراء «خـــــطـــ­ــابـــــ ًا مــــفــــ­تــــوحـــ­ـ ًا» لـــــوقــ­ـــف أبـــــحــ­ـــاث «الـــــذكـ­ــــاء االصطناعى» واالمتناع عن تطويرها ملدة 6 أشهر، فـإنـهـم يــعـنـون مـــا يــقــولــ­ون مـطـالـبـن­ي بـــ«اســتــراح­ــة مـــحـــار­ب» أو«هـــدنـــة بـحـثـيـة» نـــظـــرا ملـــا حتـمـلـه هـذه البحوث من أخطار وخيمة حتدق بالبشرية جمعاء فى ظل غياب معايير أخاقية نافذة حتدد املردود اﻷمـثـل مـن استخدامات الـذكـاء االصطناعى مع تقليص السلبيات الناجمة، اللهم إال من توصية اليونسكو فى 2021 كإطار معيارى تقنينى عاملى ولكنه دون تفاصيل. كما أن استمرار تلك اﻷبحاث على نفس الوتيرة املتسارعة حاليا، ستدفعنا إلى الهاوية وتضع العصا فى عجلة احلضارة واالزدهار.

إن نــص ذلـــك «اخلـــطـــ­اب املــفــتـ­ـوح» يـتـعـارض مع منطق «قوة املعرفة» التى حتكم العالم. فمن ميتلك قـــوة «االبــتــك­ــار» و«اﻹبــــــد­اع» -ولــيــس الــقــوة اخلشنة والغاشمة-هو صاحب التأثير والتطوير والتقرير، وبـــالـــ­تـــالـــى، فــلــن يــجــد ذلــــك «اخلــــطــ­ــاب» صـــــداه أو يصادف مبتغاه. فمن ذا الذى ميلك سلطة تنفيذه والسيطرة على عقل البحث العلمى ويوقف طاقة التفكير ويحظر حرية االبتكار واﻹبداع؟. إن ذلك «اخلطاب» ليس سوى مجرد «نداء» قد يستجاب له مـن خــال منع 4 عناصر: النشر العلمى -تــداول املـعـلـوم­ـات فــى احملــافــ­ل الــدولــي­ــة- متـويـل اﻷبـحـاث وطرح مشروعاتها- إعداد التقارير الدورية من قبل الباحثني الرئيسيني.

إنـــهـــم يـــخـــاط­ـــبـــون الـــضـــم­ـــائـــر واﻷخــــــ­ــاق ولــيــس التنافسات الشرسة والصراعات احملمومة حلسم اﻷســـبـــ­قـــيـــات وحتـــقـــ­يـــق اﻹجنــــــ­ازات..«فــــــمــ­ــــن سـبـق امتلك». أما«البنية اﻷخاقية» و«اﻷحكام الناعمة» التى تؤطر للممارسات املستحدثة ووضع قيودها وحــــدوده­ــــا فـــى هــــذا املـــجـــ­ال الـــذكـــ­ى اصــطــنــ­اعــيــا، فلم تكتسب بعد الـزخـم املـطـلـوب..إنـهـم يحرثون فى«البحر» الذى يبقى بعد أن تهدأ «العاصفة»!!؟؟

أستاذ بكلية العلوم جامعة القاهرة

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt