الكهوف المظلمة !
املشكلة الكبرى التى عانت منها مصر طـويـال هي اخللط بني الدين والسياسة، وتوظيف الدين احلنيف ملـطـامـع وأغـــــراض شـخـصـيـة، فـمـن يــريــد الـتـسـلـل إلـى الـنـاس، ال يتورع فى االجـتـراء على اإلســالم مبا ليس فـــيـــه، ومــــن يـبـحـث عـــن الــشــهــرة الـــكـــاذبـــة، يـفـعـل مثل كثير من الدعاة املزيفني، الذين ال ميتلكون مؤهالت اإلفتاء.
أمــــا االبـــتـــالء األكـــبـــر فــهــو الـــصـــراع الــســيــاســى على السلطة، وتوظيف الدين ليكون وسيلة للوصول إلى احلكم، ولم يدخل هذا الداء بلد ًا إال ودفع ثمنًا فادحًا، وفـجـر بـني أبـنـائـه بــحــورا مـن الــدمــاء، فكل املتقاتلني يــزعــمــون أنــهــم يــنــفــذون شــريــعــة اإلســــــالم، ويــذبــحــون ويقتلون ويعتدون على املـال واألعــراض باسم الدين، مع أن جوهر األديان هو الهداية ونشر احملبة والسالم، وليس القتل وإراقة الدماء.
لم تتحقق عظمة اإلسـالم بالسيف والقسوة، وإمنا بـالـعـقـل والــرحــمــة، وتـثـبـيـت األخــــالق الــكــرميــة، ونشر الـتـعـالـيـم الـصـحـيـحـة، وهــــذا عــكــس مـــا يــحــدث اآلن، يحاول البعض الرجوع للخلف بدال من السير لألمام، والذهاب للمستقبل، بالعودة إلى الكهوف املظلمة. >>> كنت أسعد حظا بتعلم أصول املهنة من «األسطوات» الكبار، وحني دخلت روزاليوسف يف بداية الثمانينيات، كان الـدور اخلامس مببناها شارع قصر العينى، ناديا مزدحما بعظماء الكتاب، الغرفة املواجهة لألسانسير أحـــمـــد حــــمــــروش، وفـــــى غـــــرف املـــمـــر الـــــدائـــــرى ميـــني، فــايــزة سـعـد وجـمـعـة فـــرحـــات، وبــعــدهــا نــاصــر حـسـني، وعبدالفتاح رزق، والــشــاب طـــارق الـشـنـاوى، ثـم صالة الــتــحــريــر وبــعــدهــا غـــرف عــاصــم حـنـفـى «شـــفـــاه اهلل»، ومحمود السعدنى، وفتحى غامن، وصالح حافظ، ثم عبداهلل إمــام ومحمود املـراغـى، وعبدالستار الطويلة ومحمود ذهنى، وأسطى رسم املاكيتات عدلي فهيم.
اجليل احلـالـي مـن الصحفيني قـد يكون مظلوما، بـعـضـهـم لـــم تــتـح لـــه فــرصــة االحــتــكــاك بــالــكــبــار، فلم يشربوا املهنة من أصولها، ولكن أملس يف بعض زمالئي الـشـبـاب طـمـوحـًا جــارفــًا السـتـعـادة األصــــول، بتقاليٍد متطورة حتافظ على الثوابت، ومتنع كل من يعرقل صعودهم للمستقبل. >>> أغـانـى عبد احلليم حـافـظ فـى احلــب ورود وأزهـــار، وفــــى الــوطــنــيــة طــلــقــات رصــــــاص.. حتـــولـــت الـكـلـمـات العاطفية على لسانه إلى أحضان وقبالت وحب وهيام ولوعة وفراق ولقاء ووداع وفرحة وعذاب «صافينى مرة، مـوعـود، زى الـهـوا، اليــق عليك اخلـــال، جـبـار، بتقولى بكرة».
أمـا األغـانـي الوطنية فكانت طاقة إيجابية ألهبت احلـــمـــاس واملـــشـــاعـــر وأيـــقـــظ حـــب الـــوطـــن الــكــامــن يف األعــــمــــاق، « صـــــورة، يـــا أهــــال بـــاملـــعـــارك، عــــدى الــنــهــار، فــــدائــــى».. ســـنـــوات طــويــلــة مـــرت عــلــى وفـــاتـــه ومـــا زال يعيش بيننا، ألنــه كــان يغنى بــروحــه ودمـــه ومشاعره وأحاسيسه، والناس صنفان: موتى يف حياتهم وآخرون بباطن األرض أحياء.