رحلة البقاء واألمل لعائلة تعكس مأساة معظم عائالت غزة
«األخبار» تحاور ناجين من العدوان اإلسرائيلى
فى خضم الفوضى والدمار الذى خلفه الـعـدوان اإلسرائيلى املستمر منذ السابع من أكتوبر املاضى على قــطـاع غـــزة، ظــهـرت قـصـة مـروعـة لعائلة واحدة كتذكير صارخ باخلسائر املـــأســـاويـــة الــتــى حلـقـت باملدنيني األبـريـاء. والتقت «األخـبـار» بأفراد هذه العائلة الذين جنوا من القصف اإلسرائيلى على منزلهم وحاورتهم فى مطار العريش قبيل نقلهم إلى دولة قطر الستكمال علجهم.
فـفـى مـديـنـة خـــان يــونــس، كانت عائلة مكونة من سبعة أفراد تكافح مــن أجـــل الـبـقـاء عـلـى قـيـد احلـيـاة وسط القصف املتواصل الذى أصبح حقيقة مروعة بالنسبة لسكان غزة. وتشبثت األسـرة املكونة من أم وأب وخمسة أطفال بعضها ببعض بحثاً عن األمان والعزاء مع اشتداد العنف. ولكن فـى يــوم مصيرى مـن أكتوبر املاضى، حتطمت حياتهم بشكل ال ميكن إصلحه. وبينما كانت الغارات اجلوية اإلسرائيلية تنهمر على احلى الذى يعيشون فيه، اجتمعت األسرة معا فى منزلهم املتواضع، بحًثا عن مـــلذ مــن الــدمــار فــى اخلــــارج. لم يعلموا أن ملجأهم سيصبح قريبا مسرحا لرعب ال ميكن تصوره.
ومـع انفجارات تصم اآلذان
وتهز األرض حتتهم، حــاول والــد العائلة ببطولة حماية ذويه من األذى. لكن فى حلظة وقعت املأساة. سقط صاروخ على منزلهم، ممزًقا اجلدران وممزًقا عاملهم. األب، عمود القوة واحلماية، سلب منهم فـى غمضة عــني، تارًكا وراءه فراًغا ال ميكن ملؤه أبًدا.
ومـــع انـقـشـاع الــدخــان وانـقـشـاع الغبار، أصبح املـدى الكامل للدمار واضـــحـــا بـشـكـل مـــؤلـــم. ومــــن بني األنـقـاض كانت هناك جثة هامدة إلحـــدى الـبـنـات، فـى الـصـف األول االبتدائى 6( سـنـوات)، وقـد فقدت بـــراءتـــهـــا بــســبــب عــنــف الـــعـــدوان اإلسرائيلى الذى ال معنى له. ولم يتم العثور على األم فى أى مكان، وكان مصيرها غير مؤكد وسط الفوضى التى اجتاحت خان يونس.
لكن الفظائع لم تنته عند هذا احلد. أمينة، التى تبلغ من العمر ثلثة عشر عاما، انفجرت شرايني عينيها بقوة القصف. وقالت أمينة فى حوارها مع األخبار من داخل سيارة االسعاف التى كانت تقلها فى مطار العريش: «أكثر من 20 جنديا إسرائيليا تقدموا بدباباتهم نحو منزلنا وبدأوا بالقصف الـعـشـوائـى دون تفرقة بـني أطفال ونساء وشيوخ». وأضافت فى حزن: «فــقــدت أبـــى وأخــتــى الـصـغـرى وال أعرف مصير أمى».
وأصيبت أروى، البالغة من العمر عشر سنوات فقط، بكسر فى ساقها، وهـــو تـذكـيـر مــؤلــم بــالــرعــب الــذى حتملته. ووصفت أروى ما شاهدته فــى خــان يـونـس بـأنـه «جحيم على األرض» وأضــافــت فـى حــوارهــا مع األخـبـار: «شاهدت املـوت بعينى وال أصدق أننى مازلت على قيد احلياة مــع إخــوتــى رغـــم اسـتـشـهـاد والـــدى وأختى الصغيرة واختفاء والدتى».
ولكن وسط اليأس واملعاناة، بقى هــنــاك بـصـيـص مــن األمــــل. وعلى الرغم من إصاباتهم وحزنهم العميق، رفضت األســرة االستسلم لليأس. ومبــســاعــدة املـنـظـمـات اإلنـسـانـيـة واجلهود الدؤوبة التى يبذلها عمال اإلنـــقـــاذ، متـكـنـوا مــن الـــهـــروب من املـشـهـد اجلهنمى فــى خـــان يونس وإيجاد ملذ مؤقت باجتاه اجلنوب، وحتديدا فى مدينة رفح.
لكن األطفال األربعة ومعهم أخوهم األكــبــر، أحـمـد سـالـم ذو 17 عـامـا، جلأوا إلى خالهم الذى احتضنهم مع أوالده الثلثة وزوجته ونزحوا جميعا
إلى مدينة رفح التى تكتظ حاليا مبا يقارب 2 مليون نازح فلسطينى وسط شح الطعام واملــاء النظيف وانقطاع الكهرباء والــوقــود بفعل منع قـوات االحتلل واملستوطنني دخول شاحنات املساعدات اإلنسانية جنوب القطاع. وقال أحمد لـ «األخبار»: لن أعود مرة ثانية إلى غزة.. سأبحث عن وطن آخر أستقر فيه مع إخوتى سواء فى مصر أو قطر أو أى مكان آخـر. وأضـاف: «سأترك وطنى مجبرا.. الوضع فى غزة ال يوصف وأكثر قتامة مما يتم نقله على شاشات التليفزيون».
وفى الشهر املاضى، وحتديدا يوم 30 يناير، تبدل احلــزن باالرتياح، عبرت العائلة حدود رفح الفلسطينية إلـــى مــصــر، تــاركــة وراءهـــــا حطام حياتها السابقة. وفى يوم اخلميس 1 فبراير اجلارى، انطلقوا فى رحلة شفاء وجتديد، حيث مت نقلهم جواً إلى قطر على منت طائرة قطرية.
تعتبر قصة هــذه العائلة مبثابة تذكير مؤثر مبرونة الروح اإلنسانية فى مواجهة مأساة ال توصف. وبينما ينظر العالم برعب إلى الفظائع التى ترتكبها قوات االحتلل وتتكشف فى غزة، نرجو أال ننسى أبدا العائلت التى ال تعد وال حتصى مثل عائلتهم، والتى تغيرت حياتها إلى األبد بسبب ويلت احلرب.