Al-Akhbar

82 عامًا على حصار الدبابات اإلنجليزية للملك فاروق بقصر عابدين

-

يوم األحد املاضى 4« فبراير» مضى 82 عاماً على أخطر حـدٍث سياسٍي تعرضت له مصر فى تاريخها احلديث، تسبب فى شرخ لنفسية امللك فاروق عـنـدمـا حــاصــرت دبــابــات االحـتـال البريطانى قصر عابدين وهو بداخله فى 4 فبراير 1942 إلرغامه على قبول اإلنذار املوجه إليه من السفير البريطانى السير مايلز المبسون، وإجباره على تكليف مصطفى النحاس باشا زعيم حزب الوفد بتشكيل الوزارة بعد استقالة رئيس الوزراء حسني سرى باشا، وإذ لم ينفذ يتم إجباره على التنازل عن العرش وتنازله عنه لولى العهد األمير محمد على توفيق!

هناك مجموعة مقدمات أدت إلى هذا احلدث اجللل الذى ميس السيادة املصرية بتدخل سلطة االحتال فى شئون مصر مبا يخالف معاهدة 1936 التى وقعها النحاس باشا مع السلطات البريطانية، لكن ظروف احلرب العاملية الثانية التى اشتدت فى عام ،1942 جعلت مصر فى القلب منها ألن القوات األملانية بقيادة القائد األملانى «روميل» وصلت إلى العلمني، واملوقف العسكرى مشحونا باالحتماال­ت اخلطيرة على مصر، وكان رئيس الوزراء فى ذلك العام هو حسني سرى باشا الذى تولى الوزارة للمرة الثانية فى 31 يوليو 1941 واختص لنفسه حقيبة الداخلية، وكانت عاقته متوترة مع سلطات االحتال، وقامت مـظـاهـرات الطلبة بجامعة القاهرة بشعاراٍت معاديٍة للقوات اإلجنليزية، ويقول السفير المبسون فى مذكراته : إن امللك فـاروق كان على علم بهذه املظاهرات التحريضية، لكن رئيس الديوان امللكى أحمد حسنني باشا أوضح له أن القصر ال عاقة له مبا يجرى وعلى رئيس الوزراء حسني سرى باشا أن يفعل ما يريده، واعتبر سرى باشا كام رئيس الديوان باغاً رسمياً من جالة امللك بالتخلى عنه وأنه لم يعد مسانداً له، ودون الدخول فى تفاصيل كثيرة أبلغ رئيس الوزراء كًا من أحمد ماهر زعيم احلزب السعدى ومحمد حسني هيكل زعيم حزب األحرار كزعماء للحزبني فى حكومته أنه سوف يتقدم باستقالته ألنه ال يرضى لنفسه أو لهم بأن يكونوا فى مثل هذا املأزق.

ومن الكتب املهمة التى أرخت لهذه الواقعة كتاب 4« فبراير فى تاريخ مصر السياسى» ملؤلفه د. محمد أنيس الذى يـقـول: إن حسني ســرى باشا قدمت استقالة وزارته فى 2 فبراير، وينقل عن د. محمد حسني هيكل أن امللك فاروق استدعى قادة األحزاب السياسية فى محاولة لتشكيل وزارة ائتافية، وكانوا جميعاً عدا مصطفى النحاس مؤيدين لفكرة الوزارة اإلئتافية برئاسته، فهى حتول دون انفراد حزب الوفد باحلكم ولهم أغلبية بالبرملان، فطلبت بريطانيا من سفيرها مايلز المبسون أن يلوح باستخدام القوة أمام امللك.

وفـى صباح 4 فبراير 1942 طلب السفير مقابلة رئيس الديوان امللكى أحمد حسنني باشا، وسلمه إنذاًرا ُموجهاً للملك هدده فيه بأنه إذا لم يعلم قبل الساعة السادسة مساء أنه قد مت تكليف مصطفى النحاس بتشكيل احلكومة فإنه يجب عليه أن يتحمل تبعات ما يحدث، وكان السفير جادا فى اإلنـذار بتولية ولى العهد األمير محمد على توفيق الذى ظل حلم اعتائه للعرش يراوده لسنوات طويلة، لكن مصطفى النحاس باشا رفض اإلنذار وأكد أنه يعترض على إقحام اسمه فى هذا اإلنذار، وإنقاذاً للموقف يقبل تأليف الوزارة إذا طلب امللك منه ذلك، وقال إنه ال يتلقى أمراً بتأليف الوزارة إال من امللك، وحذر بأنه يشم رائحة اخلطر فى صيغة اإلنذار!

ويقول السكرتير اخلاص للملك فاروق حسني حسنى فى مذكراته: إنه قبل 4 فبراير بأيام قليلة أبلغه أحمد حسنني باشا أن الصحفى مصطفى أمني نقل إليه أخباراً مهمة يطلب سرعة تبليغها إلى امللك ألنه علم من مصدر موثوق أن هناك اجتماعاً بالسفارة البريطانية يضم القادة العسكريني وكبار املسئولني البريطانين­ي لعلمهم بأن امللك عازم على إنهاء األزمة السياسية بإسناد رئاسة الوزارة إلى على ماهر باشا، واتفقوا على منع ذلك ولو استدعى األمر استخدام القوة وعزل امللك، وأبلغه حسني حسنى أن امللك قال إنه ال مجال للتفكير فى على ماهر، فأعاد مصطفى أمني إباغه مبا طلبه حسنني باشا وهو وجوب إباغ امللك فى احلال، وأنه يفكر فى تشكيل حكومة ائتافية ال تكون األغلبية فيها للوفد، لكن السفير المبسون التقى بأحمد حسنني باشا وأبلغه برسالة شفوية تقول سطورها: «ما لم أسمع قبل الساعة 6 مساء اليوم بأنه مت تكليف النحاس بتشكيل احلكومة، فإن جالة امللك عليه أن يتحمل العواقب»!!

ووضع المبسون خطة محاصرة قصر عابدين بالدبابات وإجبار امللك على التنازل إذا لم يذعن وينفذ هذا اإلنذار قبل الساعة 6 مساء، ومت تكليف اجلنرال «ستون» بالتجهيز لتنفيذ اخلطة التى كان ضمن بنودها أنهم سوف يأخذون امللك معهم بعيداً سواء تنازل عن العرش أو لم يتنازل، ووضع المبسون وثيقة التنازل عن العرش فى جيبه، ورفـض زعماء األحزاب والسياسيني اإلنذار واتفقوا عـلـى تـألـيـف وزارة قـومـيـة برئاسة الـنـحـاس الـــذى رفــض فـكـرة الـــوزارة

ُِ القومية، وكـــتـبـو­ا احتجاجاً ووقعوا عليه جميعاً يقول نصه: «إن فى توجيه التبليغ البريطانى اعتداء على استقال الباد ومساساً مبعاهدة الصداقة، وال يسع امللك أن يقبل أن ميس استقال الباد ويخل بأحكام املعاهدة»، ولكى ال نطيل فى سرد األحداث املتسارعة مت حصار قصر عابدين بالدبابات البريطانية وامتألت ردهــات القصر والطرق احمليطة به بجنود االحتال، ودخل المبسون واجلنرال ستون مكتب امللك رغـم اعتراض احلــرس، انزعج امللك عندما بدأ المبسون يهدد بعدم تنفيذ اإلنـذار، وقال «يا جالة امللك، أريد إجابة اآلن، هل جوابك «نعم أم ال»، وعندما حـاول امللك اخلـروج عن املـوضـوع، قـال المبسون «يـا صاحب اجلالة املوقف فى غاية اخلطورة وأنا أعتبر ذلك رداً بالنفى وطبقاً ملسئولياتى سوف أستمر فى تنفيذ مهمتى»، وتا المبسون اخلطاب الذى كان قد أعد فى السفارة البريطانية ونصه: «منذ زمن طويل كـان واضـحـاً أن جالتك تأثر مبجموعة املستشارين احمليطني بك، والذين لم يكونوا مخلصني فقط بالنسبة للتحالف مع بريطانيا بل ويعملون ضد هــذا الـتـحـالـ­ف، ويــســاعـ­ـدون الـعـدو، ويشجعون جالتك على مـا يناقض املادة اخلامسة من معاهدة التحالف التى تقضى بتعهد كل األحزاب بأال يتخذوا موقفاً معادياً بالنسبة للباد األجنبية، وباإلضافة إلى ذلك فإن جالتك أحدثت أزمة خطيرة وغير ضرورية كرد فعل للقرار الذى اتخذته احلكومة املصرية السابقة استجابة للطلب الذى تقدم به احلليف «إجنلترا» والـذى نصت عليه املـادة اخلامسة من معاهدة »1936 ! وكــل احملــــاو­الت الـتـى جــرت لتشكيل حكومة إئتافية باءت بالفشل، ورفضتم تشكيل احلكومة بزعيم حزب األغلبية فى الباد «النحاس باشا» وهو يتمتع

مبكانة خاصة جتعله قادراً على ضمان استمرار تطبيق املعاهدة بروح الصداقة، ومثل هذا التهور وعدم تقدير املسئولية يعرض أمن وأمان مصر والقوات احلليفة املوجودة بالعاصمة للخطر».. وبعدها قدم المبسون للملك وثيقة التنازل عن العرش التى تقول سطورها: «نحن فاروق ملك مصر، تقديراً منا دومـاً ملصالح دولتنا، فإنى مبوجب هذا أتخلى وأتنازل بالنيابة عن أنفسنا وورثتى عن عرش مملكة مصر، وعن جميع حقوق السيادة واالمتيازا­ت والصاحيات فى اململكة املذكورة وبشأن رعاياها، وأننا نعفى رعايانا من والئهم لشخصنا.. صدر فى عابدين فى الرابع من فبراير ،»1942 وأوشك امللك أن يوقع على تلك الوثيقة، لكن أحمد حسنني حتـدث إلـى امللك باللغة العربية حديثاً لم يعه المبسون، وبعد حلظات من التوتر قال امللك ملايلز المبسون: «أما من فرصة أخرى تعطى لى؟ فقال المبسون: «أعرف اقتراحك بالتفصيل»، فقال امللك: «أنا مستعد أن أستدعى النحاس باشا لتكليفه بتشكيل الوزارة وله حرية اختيار تشكيلها»، فقال المبسون «موافق بشرط أن يتم التنفيذ فوراً»، وحاول امللك برغم آالمه النفسية أن يتظاهر بـالـود والبشاشة وشكر المبسون على أنــه دائـمـاً مـا يحاول مساعدته.

غـــادر المـبـسـون واجلـــنــ­ـرال ستون الـقـصـر وانـسـحـبـ­ت الـــقـــو­ات وظلت منتظرة خارج القصر، واتصل حسنني باشا مبايلز المبسون قائًا: «ال تزال الـدبـابـا­ت حتاصر القصر ومتنع أى قـادم إليه من الدخول حتى النحاس ال يستطيع الــدخــول إال إذا سحبت تلك الـدبـابـا­ت»، وصــدرت التعليمات بعودة الدبابات إلى مواقعها، كان امللك فــاروق ال يطيق المبسون والمبسون كان ال يطيق فاروق وظل نادماً ألنه لم يجبره على التنازل عن العرش فى 4 فبراير .1942 عاطف النمر

من عدة مصادر

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt