Al-Akhbar

قيمتك فى داخلك

- رفعت رشاد

يندر أن جتد شخصا ال تؤرقه مكانته فى املجتمع. يهتم األشـخـاص، ويغذى املجتمع فيهم هـذا االهتمام، باملكانة أقصى درجات االهتمام. يهتم الناس بأن يكونوا فى وظائف متميزة يحترمها املجتمع ويضعها فى مكانة عالية، مثلما جند سعادة العائالت عندما يتخرج أبناؤهم فى كليات تتيح خلريجيها أن يكونوا فى مناصب ذات سلطة سيادية. وقد يحدد املجتمع مكانة عالية للمشاهير فى مجاالت الفن والرياضة. ورغم أهمية أصحاب املواقع العلمية أساتذة اجلـامـعـا­ت - إال أن املجتمع قـد ال مينحهم نفس مكانة الفنانني والرياضيني خاصة العبى كرة القدم. تختلف املكانة باختالف املجتمع والزمن، ففى عصور سابقة كان الفرسان واحملاربون هم أصحاب املكانة وقد حتدث مفارقات فتجد فى مجتمع ما وزمن ما أن راقصى الباليه هم أصحاب املكانة أو سائقى السيارات فى السباقات، وهكذا حتدد املجتمعات معايير املكانة حسب الظروف التى مير بها كل مجتمع.

تؤرقنا املكانة ويساورنا القلق دائما خشية أن نكون قد تخلفنا عــن مسيرة الـنـجـاح ومــجــارا­ة مـتـصـدرى املشهد وفشلنا فى نيل املنزلة واالعتبار. رمبا ال يكون سوى األنبياء والفالسفة والقديسني الذين ال يؤرقهم وضعهم ومكانتهم، فاإلنسان بشكل عام يعانى قلًقا وأرًقا خلشيته ليس من عدم حصوله على املكانة املناسبة له، بل لو ينحدر به الوضع إلى درجة أقل أو أن يتجرد من مكانته. قد نقلق من عدم صدور ترقية نتوقعها أو نتمناها، أو عدم دعوتنا إلى جمع يحضره معارف قريبون أو زمالء منافسون ولم ننل حظ الوجود معهم ونتمنى أال تفوتنا املناسبات. ندرك أن النظام املجتمعى يضع كًال منا فى خانة ومستوى معني يتحدد بناء على املعايير التى أشـرت إليها من قبل. رمبـا يصل بعضنا إلـى املكانة التى يرضاها لكنه ال يلبث أن يؤرق بسبب خشيته فقد هذه املكانة وعدم قدرته على احلفاظ عليها أطول وقت ممكن أو حتسينها. لم تعد املكانة محددة بناء على أعمال مجيدة يقوم بها الفرد أو إجنازات غير عادية قد ينجزها، إمنا صار هناك عنصر مؤثر كثيرا وهو املال، وتوافر املال لدى شخص ما يضمن له مكانة عالية فى كل املجتمعات فهو مرحب به فى كل احملافل. وفى كل األحوال فإن فقد املكانة أو التقليل منها أمر يلهب أعصابنا ويشعرنا باملهانة واخلـزى أننا لم نستطع جتاوز فشلنا وخيبتنا وينظر إلينا املجتمع باحلجم الذى يحدده ملكانتنا.

جزء من سر ولعنا باملكانة أن ننال إعجاب الناس واحترامهم وقد يضاف حبهم إلى هذه القائمة، وإن كانت قيمة املكانة

ميكن أن تترجم إلـى عوائد اقتصادية، فأصحاب املكانة ميكنهم أن يزيدوا من مكاسبهم ملجرد أن الناس يحبونهم أو يحترمونهم أو يخشونهم. بل ويحظى أصحاب املكانة بألقاب قد يستحقونها أو قد يحلو للمجتمع وأفــراده أن يضفوها عليهم، فهؤالء أعـالم املجتمع وشخصياته الـبـارزة، بينما اآلخرون من آحاد الناس ونكرات.

هل من املنطقى أن يكون السعى احلثيث بل املتكالب على املكانة وجمع الثروة يهدف فقط إلـى توفير سبل العيش للفرد؟ بالطبع ال، فأى أجر أو دخل مالى ميكنه أن يوفر حياة وإذا زاد الدخل ميكن للحياة أن تكون أكثر يسرا، إمنا الهدف األسـاسـى الشعورى والــال شـعـورى، أن نكون حتـت أنظار اآلخرين وموضع عنايتهم وأن نلحظ فى عيونهم اإلعجاب واالستحسان. وما كان لصاحب املكانة أو الغنى أن يشعر مبكانته أو غناه إال إذا شعر أن ما ميلكه يلفت اإلنتباه ويعجب به الناس، والفقير ال يشعر بفقره إال عندما يشعر ببعده عن الناس واهتمامهم، فهو يخرج ويدخل دون أن يلتفت إليه أحد.

إن املشاعر التى تسيطر علينا وتدفعنا الرتـقـاء السلم االجتماعى قد ال ترتبط مبا منلكه من مال أو سلطة بقدر نتطلع إليه من حب وتقدير واحترام من اآلخرين، لكنى أعتقد أن إدراك اإلنسان بقيمته ال يتحكم فيه إال تفكيره فقد أكون فقيرا لكنى ذو قيمة للمجتمع وآلخرين من الناس، فاملعايير املجتمعية للمكانة والقيمة ليست دائما الصواب، والدليل أنها تتغير حسب املكان والزمان. اشعر بقيمتك ومتتع مبكانتك التى حتددها بنفسك.

عرفت السياسى والبرملانى البارز د. محمد عبد الاله منذ سنوات طويلة تقترب من 40 عاما، منذ أن بدأت العمل مندوًبا ومحرًرا برملانًيا جلريدة األخبار فى مجلس الشعب. كان د. عبد الاله رئيسا للجنة العالقات اخلارجية باملجلس وللحقيقة أنه صار أشهر رئيس لهذه اللجنة املهمة بعدما ارتبط بها ما يقرب من 25 عاما. قصة حياته درامية الطابع، فقد عــرف الــرؤســا­ء جمال عبد الناصر وأنـــور الـسـادات وحسنى مبارك عن قرب وفى عمر شبابه، وتداخل مشارًكا فى أحــداث سياسية ودبلوماسية مهمة للغاية فى أوقـات مختلفة لصالح الدولة ولم يعلن عنها. ومع ذلك لم يحقق استفادة من تلك العالقات بالشكل املستحق. كان السادات شاهدا على عقد زواجه فى أوائل أكتوبر 1981 وأبلغه أنه بعد االحتفال بانتصارات أكتوبر سيقوم بتعديل وزارى وأنه قرر تعيينه وزيرا فى احلكومة اجلديدة !!

يعتبر د. عبد الاله مثاال للشخصية السياسية االجتماعية التى جتذب فى حضورها األنظار بأدبه وعلمه وقد تولى أكبر املناصب التعليمية األكادميية وهو رئيس جامعة اإلسكندرية، وهو متحدث لبق ومثقف، يجيد الفرنسية واإلجنليزي­ة ومن الـالفـت أنــه عمل فـى بـدايـة حياته بالصحافة الفرنسية لسنوات. كان شخصية مشرفة فى املؤمترات الدولية التى يشارك فيها ويقوم بدور ديناميكى للوفد املصرى مع الوفود األخرى. وإذا حتدثنا عن اإلسكندرية فهو علم فيها يعرفه كل اإلسكندران­ية ويرون فيه أًبا روحًيا لهم. كان أول أمني للحزب الوطنى فـى هـذه املدينة العريقة وظـل ميــارس السياسة النظيفة وقد أهدر ميراثه على مسيرته السياسية بعكس كثيرين ربحوا من العمل السياسى.

عرض عليه السادات فى البداية أن يكون ضمن الطاقم التنفيذى القريب منه فى إدارة الدولة لكن د. عبد الاله فضل أن ميارس العمل السياسى مبتعدا عن أضابير العمل التنفيذى فهو يحرص على عدم االنخراط فى الصراعات أو إقحامه فى مشاكل من أى نوع. وبعد أحداث 25 يناير 2011 لم يجد الذين حكموا البالد أى هفوة للدكتور عبد الاله لكى يزجوا به فى أى نوع من أنـواع احملاسبة. أمتنى للمحترم د.محمد عبد الاله دوام الصحة وراحة البال.

من الناس من يترك فى حياتنا بصمة ال تنسى، منهم الزميلة الفاضلة نادية هاشم التى تركت فى حياتى بصمة ال أنساها. كانت مديرة مكتب األستاذ سعيد سنبل رئيس حترير األخبار ورئيس مجلس اإلدارة بعد ذلك. قبل أن يتولى األستاذ سعيد املنصب كان األستاذ موسى صبرى طرد كل املتدربني وكنت منهم. كنا أكثر من ثالثني زميًال صاروا بعد ذلـك أعالما فى الصحافة واإلعــالم ورؤســاء حترير أكبر الصحف. خرجنا من األخبار ممنوعني من دخولها إلى أن تولى األستاذ سعيد فقررت أن أقابله وأطلب منه إعادتى للعمل مرة أخـرى باجلريدة. ذهبت إليه فى مكتبه املؤقت فى الطابق العاشر باملبنى الرئيسى للمؤسسة فلم يكونوا قد جهزوا له بعد مكتبه اجلديد.

استقبلتنى نادية هاشم بوجه بشوش مرحبة وسألتنى عن سبب الزيارة وملا أبلغتها طلبت منى االنتظار. دخلت نادية مكتب األسـتـاذ سعيد وأمضت بعض الوقت وأدركـــت أنها لم تكن بالداخل لكى تبلغه بوجودى وإمنا رتبت أمرا آخر. خرجت بعد قليل لتسمح لى بالدخول وقالت: اطلب منه ما تريد! أدركت الرسالة ودخلت ألجد رجًال فى غاية التهذيب ورغـم أننى جئت ألطلب حاجتى إال أنه كان محرجا منى وهو يسألنى عن ظروف ابتعادى عن اجلريدة وملا شرحت له الظروف قام باالتصال باألستاذة عفاف يحيى رئيسة قسم التحقيقات الذى كنت أعمل فيه وتبادل معها بعض الكلمات التى كان فى نهايتها، أن فالن ـ أنا ـ سيعود للعمل مرة أخرى فى اجلريدة، وكان رد السيدة الفاضلة عفاف يحيى: «أهًال وسهًال.. ييجى من بكرة ويبدأ الشغل».

مضى على ما أرويه اآلن ما يقرب من 40 عاما، وما دار بينى وبني هؤالء األشخاص احملترمني ال يعرفه غيرى ومنهم من توفاه اهلل وليس فيما ذكرته إال باحلق ومن لم يزل حيا ورمبا يكون قد نسى ما حدث، لكننا ال ننسى من قدم لنا معروفا خاصة فى بداياتنا األولى التى نتلهف فيها على كل نوع من املساعدة ونسعد بكل يد متتد لنا بالعون. بقيت مكانة نادية هاشم ومازالت عالية وغالية فى قلبى.

هل يجب تدريس اإلعالم مبا يفرزه من وعى فى املعاهد الدراسية من مدارس وجامعات؟ السؤال مطروح من جانبى ولكن الدكتورة سهير عبد السالم عميد آداب حلوان السابق ووكيلة جلنة الثقافة واإلعالم مبجلس الشيوخ حاليا جتيب على السؤال وتدعو بالفعل لتدريس اإلعــالم وقد ضمنت رأيها هذا فى كتاب بعنوان «التربية اإلعالمية وحتديات اإلعالم اجلديد». يعد الكتاب إضافة للمكتبة اإلعالمية رغم أن د.سهير ليست متخصصة فى اإلعالم وإمنا فى الفلسفة السياسية. ترى الكاتبة أن تدريس وتدريب فئات املجتمع نتيجة من أهم نتائج الدراسات التى متت فى هذا الشأن، فالدول واحلكومات ال ميكنها حجب املعلومات أو األخبار عن الشعوب أو فرض العزلة عليها، بل لم تعد احلكومات قادرة على مواجهة فيض املعلومات والشائعات املتنامى واملغلوط الذى يصل إلى الناس بالعديد من الوسائل وفى كل األوقات.

تقترح د.سهير ملواجهة أخطار الوضع اإلعالمى إشراك املواطن فى حتمل مسئولياته والتعامل مع وسائل اإلعالم وما تبثه بوعى بعد اكتساب املهارات الالزمة التى توفرها التربية اإلعالمية.

الكتاب ال يقدم إرشادات نظرية فحسب وإمنا يركز ويقدم تدريًبا عملًيا على مهارات تقييم محتوى الرسائل اإلعالمية وتفكيك هـــذا احملــتــو­ى للكشف عــن مضمونه احلقيقى املستهدف ومعرفة أهدافه الكامنة. ويهتم الكتاب مبدى تأثير وسائل التواصل االجتماعى باعتبارها فى صيغة أخرى وسائل إعالم وحتول الفرد من متلقى للرسالة اإلعالمية إلى مشارك ومنتج وفاعل، لذلك صارت تربية األفراد إعالميا أم ًرا مه ًما.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt