الوحدة واالنفصال !
22 فـبـرايـر 1958 كــان يـومـًا عظيمًا فـى حـيـاة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الوحدة مع سوريا، وخرجت اجلـمـاهـيـر الـعـظـيـمـة كــالــطــوفــان حتـمـل ســيــارتــه وتهتف بحياته، ومألت املشاعر الوطنية احلناجر والقلوب.
وقبل مــرور ثــاث سـنـوات جــاء االنـفـصـال، وكــان جرحا غائرا فى قلب الزعيم، الــذى كـان يحلم بوحدة الشعوب العربية والـتـضـامـن بينها، ولــم يكن مسموحا مــن قوى محلية وإقليمية ودولية أن يظهر حتالف كبير فى املنطقة.
وال داعـى لإلغراق فى تفاصيل أسباب االنفصال فهى مكررة فى كل احلاالت.. ففى وحدة العرب خطر داهم فى هــذه املنطقة مـن قلب العالم، والتآمر ضدها يستهدف حماية مصالح الدول الغربية وإسرائيل، وتعددت احملاوالت الوحدوية بعد ذلك، وكان الفشل مصيرها جميعا.
>>>
دمشق مهما طال الزمن عام 2006 زرت سوريا، وأديت صاة اجلمعة فى املسجد األموى، ويشبه إلى حد كبير مسجد اإلمام احلسني، ويلفت االنــتــبــاه بـشـدة الـــدوائـــر الـزجـاجـيـة املـلـونـة فــى األسـقـف، وتعكس ألوانا جميلة عندما تسطع عليها الشمس.
أعجبنى جــدا مجموعات املنشدين الذين يــؤدون أذان الظهر بالتناوب، ويضفى ذلك خشوعًا ممزوجًا بالبهجة، وباملناسبة فاملسجد األموى من املساجد التى تشعر فيها باالرتياح النفسى مبجرد دخول ساحته.
جتـولـت بعد الــصــاة فــى ســوق احلميدية أروع أســواق الـدنـيـا، وكـأنـك فـى عالم غريب مـن املتعة، خصوصا فى احلارات املخصصة لبيع أوراق الزهور املجففة، التى جنح العطارون السوريون فى جعلها أدوية طبيعية للشفاء من األمراض وتضفى نكهة طيبة على الطعام.
دمشق فى ذلـك الوقت كانت تشبه مصر اجلـديـدة فى الستينيات، بحدائقها الواسعة وميادينها الفخمة التى ال تزيد علي أربعة أدوار، ويتسم السوريون بنفس الطيبة التى كانت متيزنا زمــان، وكانوا يرحبون بنا باجلملة الشهيرة «أنت مصرى.. مرحبا».
فى ذلك الوقت كانت أمريكا وفرنسا بالذات تفكران فى تغيير النظام الـسـورى، واإلطـاحـة بالرئيس بشار األسـد، وكانت هناك دول أخــرى ترفض ذلـك وحتــذر من خطورة تفكيك الــدول، وتطرح البديل وهو «تهذيب النظام بدال من تغييره»، ونصبوا الفخ لدمشق بعد بغداد.
وكان اخلطر األكبر الذى تغافل عنه النظام، هو استشراء اجلماعات الدينية وتغلغلها فى املجتمع خصوصًا جماعة اإلخــــوان املسلمني، وكتبت فــى ذلــك الــوقــت عــن خريطة اجلـــمـــاعـــات الــديــنــيــة فـــى ســـوريـــا، واحــــتــــدام الـــصـــراع بني جماعات كثيرة بجانب نفوذ طهران وحـزب اهلل، وأغضب املقال املسئولني السوريني، ولكنه كان رؤية من الواقع.
آن األوان أن يتم ترسيخ االستقرار إلى سوريا، وأن تعود دمـشـق الـقـويـة الـرابـضـة فــى قلب الــوطــن الـعـربـى عزيزة كـرميـة أبــيــة، وأن تـرحـل عــن تـرابـهـا امليليشيات املسلحة واجلماعات التكفيرية، وأن تترك الدول اخلارجية احلق للشعب السورى فى العيش فى أمن وطمأنينة واستقرار.
ُيحسب للرئيس بشار األسد، أنه ظل صامدًا فى ظروٍف داخلية وإقليمية وعاملية فى منتهى اخلطورة والتخبط، فحافظ على دولته من السقوط فى وقٍت كان مستهدفًا أن تسقط دمشق بسرعة.