Al-Akhbar

خواطر الشيخ محمد متولى الشعراوى التكليف من المحب

-

يتجدد اللقاء كل عـام فى رمضان لنستذكر خواطر الشيخ الشعراوى حـول اآليـة 183 من ســورة البقرة حيث يقول احلـق فيها:» يَـا أَُّيها

ُِْ اَّلِذيَن آَمنُوا كتب عليكم الصيام َكما كتب على ا َّل ِذي َن ِم ْن ِْ َقبلُكم لَعلَّ ُك ْم تَت ُقو َن».وعنها يقول الشيخ الشعراوى رحمه اهلل: احلق سبحانه يبدأ هذه اآلية الكرمية بترقيق احلكم الصادر بالتكليف القادم وهو الصيام فكأنه يقول: (يا من آمنتم بى وأحببتمونى لقد كتبت عليكم الصيام). وعندما يأتى احلكم ممن آمنت به فأنت تثق أنه يخصك بتكليف تأتى منه فائدة لك. واضرب هذا املثل وهلل املثل األعلى هب أنك تخاطب ابنك فى أمر فيه مشقة، لكن نتائجه مفيدة، فأنت ال تقول له: (يا ابنى افعل كذا) لكنك تقول له: (يا بُنََّي افعل كذا) وكأنك تقول له: (يا صغيرى ال تأخذ العمل الذى أكلفك به مبا فيه من مشقة مبقاييس عقلك غير الناضج، ولكن خذ هذا التكليف مبقاييس عقل وجتربة والدك).

واملؤمنون يأخذون خطاب احلق لهم

يا

أيها الذين مبقياس احملبة لكل ما يأتى منه سبحانه من تكليف حتى وإن كـان فيه مشقة، واملؤمنون بقبولهم لإلميان إمنا يكونون مع احلق فـى التعاقد اإلميـانـي، وهـو سبحانه لـم يكتب الصيام على من ال يؤمن به؛ ألنه ال يدخل فى دائرة التعاقد اإلميانى وسيلقى سعيرا. والصيام هـو لــون مـن اإلمــســا­ك؛ ألن معنى (صـــام) هو (أمسك) واحلـق يقول: (َفـِإَّمـا تَـَرِيـَّن ِمـن البشر

ََ أََحداً فقولى ِإِّنى نََذْرُت للرحمن َصوماً فلن أَكلِّم اليوم ِإنِسّياً) (مرمي: .)26

وهذا إمساك عن الكالم. إذن فالصوم معناه اإلمساك، لكن الصوم التشريعى يعنى الصوم عن شهوتى البطن والفرج من الفجر وحتى الغروب. ومبدأ الصوم ال يختلف من زمن إلى آخر، فقد كان الصيام الركن التعبدى موجوداً فى الديانات السابقة على اإلســـالم، لكنه كـان إمـا إمساكاً مطلقاً عن الطعام. وإما إمساكا عن ألوان معينة من الطعام كصيام النصارى، فالصيام إذن هو منهج لتربية اإلنسان فى األديــان، وإن اختلفت األيـام عــدداً، وإن اختلفت كيفية الصوم ويذيل احلـق اآليــة الكرمية بقوله: لَعلَُّكْم تَتُقوَن.} ونـعـرف أن معنى الـتـقـوى هـو أن جنعل بيننا وبــني صفات اجلــالل وقـايـة، وأن نتقى بطش اهلل، ونتقى النار وهى من آثار صفات اجلالل. وقوله احلق: {لَعلَُّكْم تَتُقو أى أن نهذب ونشذب سلوكنا فنبتعد عن املعاصي، واملعاصى فى النفس إمنا تنشأ من شره ماديتها إلى أمر ما. والصيام كما نعلم يضعف شره املادية وحدتها وتسلطها فى اجلسد، ولذلك يقول صلى اهلل عليه وسلم للشباب املراهق وغيره: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء).

وكـأن الصوم يشذب شـرة املادية فى اجلسم الـشـاب. وإن تقليل الطعام يعنى تقليل وقـود املادة، فيقل السعار الذى يدفع اإلنسان الرتكاب املعاصي. والصيام فى رمضان يعطى اإلنسان االستقامة ملـدة شهر، ويلحظ اإلنـسـان حالوة االستقامة فيستمر بها بعد رمضان.

واحلق ال يطلب منك االستقامة فى رمضان فقط، إمنـا هـو سبحانه قـد اصطفى رمضان كزمن تتدرب فيه على االستقامة لتشيع من بعد ذلـك فى كل حياتك؛ ألن اصطفاء اهلل لزمان أو اصطفاء اهلل ملكان أو إلنسان ليس لتدليل الزمان، وال لتدليل املكان، وال لتدليل اإلنسان، وإمنا يريد اهلل من اصطفائه لرسول أن يشيع أثر اصطفاء الرسول فى كل الناس. ولذلك جند تاريخ الرسل مليئا باملشقة والتعب، وهذا دليل على أن مشقة الرسالة يتحملها الرسول وتعبها يقع عليه هـو. فـاهلل لم يصطفه ليدهلل، وإمنا اصطفاه ليجعله أسوة.

وكذلك يصطفى اهلل من الزمان أياما ال ليدللها على بقية األزمنة، ولكن ألنه سبحانه وتعالى يريد أن يشيع اصطفاء هذا الزمان فى كل األزمنة، كاصطفائه أليام رمضان، واحلق سبحانه وتعالى يصطفى األمـكـنـة ليشيع اصـطـفـاؤه­ـا فـى كل األمكنة.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt