الدين والدولة والسياسة
أحيانا يقتل املسلمون بسيوفهم من أبناء دينهم أكثر مــن أعــدائــهــم، وتـنـفـجـر بــحــور الـــدمـــاء وتـتـنـاثـر اجلثث بسبب الـفـن الـديـنـيـة، ولـــم يسلم مــن ذلـــك الصحابة وأولــــيــــاء اهلل الـــصـــاحلـــني، والـــتـــاريـــخ اإلســــامــــى يـزخـر باحلكايات والتجارب والدروس.
فعندما شج السفاح «ابن ملجم» رأس اإلمام على كرم اهلل وجهه، وهو ساجد فى صاة الفجر، صرخ فيه «امللك هلل ولـيـس لـك يـا عـلـى»، ومــازالــت دمـــاء اإلمـــام الشهيد ساخنة حتى اآلن، ولم تنقطع صور املأساة فى صراعات السيوف والوالية وامللك.
جتارب مريرة ندعو اهلل أن يحفظ أمتنا من أهوالها، وأن يدمي علينا نعمة احملبة والسام، وأن نتسلح بصفات نبينا الكرمي، الذى بعث للهداية والرحمة والسام، وأن يقينا شـر فـن املـمـارسـات السياسية التى تتخفى وراء شعارات دينية، وتنتهج أساليب مسلحة وشرسة وعنيفة، وتـقـتـل وتـسـحـل وتـصـيـب وتــدمــر وتــريــق الــدمــاء وتفتح اجلنة لشهدائهم والنار لغيرهم، وتسعى إلى شق وحدة الصف وتشتيت كلمة األمة وتقسيم أبناء الوطن الواحد إما إخوة أو أعداء.
شـــتـــان بـــني اإلســـــام ديـــنـــا ودولـــــة وبــــني خــلــط الــديــن بــالــســيــاســة والـــســـيـــاســـة بـــالـــديـــن، فــــا يــســتــطــيــع أحـــد أن يـــزايـــد عــلــى عــشــق املــصــريــني لــــأديــــان، واهــتــدائــهــم بالشريعة اإلسامية فى مناحى احلياة وقوانني الدولة وتشريعاتها، وهذا هو معنى أن اإلسام دين ودولة.
أمـــا مــن يــتــركــون أمــــور الـــدعـــوة ويـتـفـرغـون للسلطة، ليحكموا بأنفسهم ويوظفوا اإلسام لتحقيق أغراضهم السياسية، فهذا هو مكمن اخلطر، ألن جماعة بعينها تــريــد اجلــمــع بـــني الـــديـــن والــســيــاســة، وحتــتــكــر الــديــن وتستحوذ على احلكم، وتشحذ أسلحة الفتاوى العنيفة والدموية التى تستبيح القتل والتكفير وتقسيم أبناء الوطن الواحد إلى مؤمنني ورويبضة ومسلمني وكفار.
عــاشــت مـصـر أحــداثــا مــريــرة، عـنـدمـا تــولــى اإلخـــوان احلـكـم، فاختزلوا الـدولـة فـى اجلـمـاعـة، وأرادوا تبديل قوانينها بقوانينهم، وطبقوا شريعتهم فيعذبون األبرياء ويرفعون شعار «سلمية» على أحداث العنف، وكان طاب اجلامعات املنتمون لهم يحاصرون أساتذتهم ورؤســاء جــامــعــاتــهــم، ويــســبــونــهــم بــأبــشــع الــشــتــائــم واأللــــفــــاظ، ويقتحمون املدرجات ويعطلون الدراسة، ويخرجون إلى الـشـوارع ويقطعون الطريق الـعـام، ويقذفون السيارات بالطوب واحلجارة، يصفون أعمالهم بأنها «سلمية».
وعشنا جتربة األحـــزاب الدينية التى يجب أال تعود أبــــدا، بـعـد أن تفشت مـسـاوئـهـا وقــدمــت منــوذجــا فاشيا إقصائيا، يفتح اجلراح ويستحضر الفن وميزق النسيج الـوطـنـي، ويـضـع املـصـريـني وجـهـا لـوجـه وكـأنـهـم أعـــداء أشـــرار وليسوا أبـنـاء وطـن واحـــد، ووصـفـت غيرها بأنها أحزاب الشيطان.
لـم تكن رسالتهم لصالح أبـنـاء وطنهم، بـل اإليحاء بـــأن مـصـر تعيش أجــــواء الـتـوتـر وعـــدم االســتــقــرار، فا يـــطـــرق أبـــوابـــهـــا ســـائـــح أو مــســتــثــمــر، فــتــتــفــاقــم أزمــــات الفقر والبطالة، وتـزداد طوابير العاطلني فى الشوارع، فيجندهم اإلخـــوان فـى تظاهراتهم «السلمية» املـــزودة باملولوتوف واخلرطوش واآللى والسنج والشوم.. أحداث دامية ندعو اهلل أال تعود، وخاصتها ممارسات سياسية تتخفى وراء شعارات دينية.