Al-Akhbar

الدين والدولة والسياسة

- كرم جبر

أحيانا يقتل املسلمون بسيوفهم من أبناء دينهم أكثر مــن أعــدائــه­ــم، وتـنـفـجـر بــحــور الـــدمـــ­اء وتـتـنـاثـ­ر اجلثث بسبب الـفـن الـديـنـيـ­ة، ولـــم يسلم مــن ذلـــك الصحابة وأولــــيـ­ـــاء اهلل الـــصـــا­حلـــني، والـــتـــ­اريـــخ اإلســــام­ــــى يـزخـر باحلكايات والتجارب والدروس.

فعندما شج السفاح «ابن ملجم» رأس اإلمام على كرم اهلل وجهه، وهو ساجد فى صاة الفجر، صرخ فيه «امللك هلل ولـيـس لـك يـا عـلـى»، ومــازالــ­ت دمـــاء اإلمـــام الشهيد ساخنة حتى اآلن، ولم تنقطع صور املأساة فى صراعات السيوف والوالية وامللك.

جتارب مريرة ندعو اهلل أن يحفظ أمتنا من أهوالها، وأن يدمي علينا نعمة احملبة والسام، وأن نتسلح بصفات نبينا الكرمي، الذى بعث للهداية والرحمة والسام، وأن يقينا شـر فـن املـمـارسـ­ات السياسية التى تتخفى وراء شعارات دينية، وتنتهج أساليب مسلحة وشرسة وعنيفة، وتـقـتـل وتـسـحـل وتـصـيـب وتــدمــر وتــريــق الــدمــاء وتفتح اجلنة لشهدائهم والنار لغيرهم، وتسعى إلى شق وحدة الصف وتشتيت كلمة األمة وتقسيم أبناء الوطن الواحد إما إخوة أو أعداء.

شـــتـــان بـــني اإلســـــا­م ديـــنـــا ودولـــــة وبــــني خــلــط الــديــن بــالــســ­يــاســة والـــســـ­يـــاســـة بـــالـــد­يـــن، فــــا يــســتــط­ــيــع أحـــد أن يـــزايـــ­د عــلــى عــشــق املــصــري­ــني لــــأديــ­ــان، واهــتــدا­ئــهــم بالشريعة اإلسامية فى مناحى احلياة وقوانني الدولة وتشريعاتها، وهذا هو معنى أن اإلسام دين ودولة.

أمـــا مــن يــتــركــ­ون أمــــور الـــدعـــ­وة ويـتـفـرغـ­ون للسلطة، ليحكموا بأنفسهم ويوظفوا اإلسام لتحقيق أغراضهم السياسية، فهذا هو مكمن اخلطر، ألن جماعة بعينها تــريــد اجلــمــع بـــني الـــديـــ­ن والــســيـ­ـاســة، وحتــتــكـ­ـر الــديــن وتستحوذ على احلكم، وتشحذ أسلحة الفتاوى العنيفة والدموية التى تستبيح القتل والتكفير وتقسيم أبناء الوطن الواحد إلى مؤمنني ورويبضة ومسلمني وكفار.

عــاشــت مـصـر أحــداثــا مــريــرة، عـنـدمـا تــولــى اإلخـــوان احلـكـم، فاختزلوا الـدولـة فـى اجلـمـاعـة، وأرادوا تبديل قوانينها بقوانينهم، وطبقوا شريعتهم فيعذبون األبرياء ويرفعون شعار «سلمية» على أحداث العنف، وكان طاب اجلامعات املنتمون لهم يحاصرون أساتذتهم ورؤســاء جــامــعــ­اتــهــم، ويــســبــ­ونــهــم بــأبــشــ­ع الــشــتــ­ائــم واأللــــف­ــــاظ، ويقتحمون املدرجات ويعطلون الدراسة، ويخرجون إلى الـشـوارع ويقطعون الطريق الـعـام، ويقذفون السيارات بالطوب واحلجارة، يصفون أعمالهم بأنها «سلمية».

وعشنا جتربة األحـــزاب الدينية التى يجب أال تعود أبــــدا، بـعـد أن تفشت مـسـاوئـهـ­ا وقــدمــت منــوذجــا فاشيا إقصائيا، يفتح اجلراح ويستحضر الفن وميزق النسيج الـوطـنـي، ويـضـع املـصـريـن­ي وجـهـا لـوجـه وكـأنـهـم أعـــداء أشـــرار وليسوا أبـنـاء وطـن واحـــد، ووصـفـت غيرها بأنها أحزاب الشيطان.

لـم تكن رسالتهم لصالح أبـنـاء وطنهم، بـل اإليحاء بـــأن مـصـر تعيش أجــــواء الـتـوتـر وعـــدم االســتــق­ــرار، فا يـــطـــرق أبـــوابــ­ـهـــا ســـائـــح أو مــســتــث­ــمــر، فــتــتــف­ــاقــم أزمــــات الفقر والبطالة، وتـزداد طوابير العاطلني فى الشوارع، فيجندهم اإلخـــوان فـى تظاهراتهم «السلمية» املـــزودة باملولوتوف واخلرطوش واآللى والسنج والشوم.. أحداث دامية ندعو اهلل أال تعود، وخاصتها ممارسات سياسية تتخفى وراء شعارات دينية.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt