Al-Akhbar

من «أطفال المفاتيح» إلى جيل ألفا!

- عالء عبدالهادى

ال منـل مـن توجيه النقد لكل مـن حولنا بسبب تعلقهم بشاشات احملمول، رغم أننا انزلقنا جميعا إلى نفس النتيجة بدرجة أو بأخرى، هذه سمة عصر، لكى تعيشه فيجب عليك أن تتحدث لغته، ومتتلك أدواتـه، واألرقـام التى تتحدث عن األوقـــات التى يقضيها اإلنـسـان ملتصقا بشاشة محموله مرعبة، فما بالك بالطفل الذى فتح عينيه على شاشة موبايل أو جهاز لوحى، األمرعنده مختلف ألن املوبايل من منظوره ليس من الكماليات التى ميكن االستغناء عنها بل هو أساس من أساسيات احلياة كما وعاها، وعدم وجودها يعنى ببساطة أنك حترمه من شىء أساسى من مقومات احلياة.

كل جيل له أشياء شكلته وصنعت سماته وهويته وهوياته وسلوكياته، وال يجب أن نحاكم جيل اليوم مبا تربينا عليه من قيم ومحددات، وال نكاد جند تاريخيا جيال إال وقد انتقد اجليل الذى يسبقه، وأتذكر جيدا أن الكاتب الكبير مصطفى أمني فى أحد اجتماعاته األسبوعية مع فريق «لست وحدك» الذى كان يساعده فى تنفيذ مشروعات ليلة القدر ونشرها على صفحات األخــبــا­ر، وكنت أحـدهـم، أراد أن يوبخنا، لتساهل أحدنا فى تدقيق أمر كلفه به، فقال: أنتم جيل أرعن، متسرع بال ضابط وال رابط.. أبتسم وأنا أتذكر أننى وأبناء جيلى ننعت األجيال التى تلتنا بنفس النعت، وأبتسم أكثر أو مرات وأنا أشاهد أحد أفالم األبيض واألسود التى مضى على بعضها قرابة 7 عقود وإحدى الفنانات تقول «آه منهم بنات اليومني دول». ولكن هل شغلك يوما أن تعرف الى أى األجيال تنتمى؟ هناك تصنيفات دارجـة نرددها، ونصف بها من حولنا، فهذا من جيل ثورة يوليو، أو جيل أكتوبر، أو جيل االنفتاح، وهذا من جيل األلفية، من جيل ثورة يناير، ثم جيل السوشيال ميديا والفيس بـوك، هـذا التصنيف الــدارج على ألسنتنا خـاص مبصر وكـل جيل جتمعه سمات اجتماعية وثقافية واحــدة، وهـذا أمر طبيعى، ألن اإلنسان ابن بيئته وعصره وزمانه. وهذا التصنيف املصرى اخلالص يختلف بالتأكيد عن التصنيف الذى قد يوجد فى بعض الدول العربية، حتى القريبة منا بحكم املكان، باستثناء الفترة الناصرية التى أثـرت فيها «كاريزما» عبد الناصر فى مصر وفى اإلقليم العربى وحتى فى أفريقيا، ولكن على مستوى العالم األمر مختلف، والعلماء، وحتديدا علماء علم االجتماع، لهم رأى فى تصنيف األجيال على مستوى العالم حسب أسس ومعايير علمية، فالعالم وحتديدا فى عقوده اخلمس األخيرة حتول إلى قرية صغيرة، بل رمبا إلى حجرة داخل البيت، وفى ظل

سياسة العوملة، مبظاهرها السياسية واإلقتصادي­ة والثقافية، واإلعالمية، وبالطبع املجتمعية، لم يعد فى إمكان دولة أن تغلق عليها أبوابها: دون أن تؤثر أو تتأثر: سلًبا وإيجاًبا.

واملؤكد أن كل جيل جديد يتسم بسمات بالضرورة تختلف مع اجليل الذى يسبقه، وهنا ينشأ الصراع، كل جيل يريد أن ميلى رؤيته على اجليل الذى له والية عليه: الوالدان على أوالدهما، املعلم على تالميذه، أستاذ اجلامعة على طالبه، فالقدمي يرى أنه يحتكر احلقيقة، واجليل اجلديد ميتلك رؤية مختلفة، ويرى أن حتقيقه لذاته ليس بالضرورة أن مير عبر نفس طريقة اجليل السابق، سواء كان أبا أو معلما، أو ما شابه، صراع األجيال سنة احلياة.

سعيت للتبحر أكثر فى هذا املجال ، رمبا ألكون أكثر قربا من أصغر أبنائى ، الذى أكتشفت أنه ينتمى جليل وأن أخويه ينتميان إلى جيل أو جيل األلفية) وإننى أنتمى إلى جيل أسماه العلماء (جيل طفرة املواليد).

واكتشفت أن أصغر أبنائى (وقد أمت الثالثة والعشرين من عمره قبل أيــام)، جاء بعده جيل تكاد تتطابق سماته على مستوى العالم أسماه العلماء بجيل (ألفا)، فما هى احلكاية، وما هى مرجعية هذه التسميات التى تعرفت عليها فى كتاب «جيل ألفا» صدر مؤخرا عن «نهضة مصر» ملارك ماكريندل وآشلى فيل، بالتعاون مع سـام باكرفيلد .. وتكمن أهمية الكتاب من وجهة نظرى فى انه يحدد لآلباء والقادة واملعلمني فى املدارس واجلامعات رؤية أوسع يستطيعون من خاللها مثال استيعاب جيل ألفا البارع تقنًيا واملثقف رقمًيا، دون محاولة «شيطنته» هذا اجليل.

جيل طفرة املواليد العبد هلل، كاتب هذه السطور ، وحسب التصنيف انتمى الى جيل «طفرة املواليد» الذين ولـدوا من عام 1946 الى ،1964 عمر هـذا اجليل 15 عاما، وكــان آخـر جيل عمره طويل،بعده أصبخ عمر اجليل قصيرابعد التغييرات احلادة التى حدثت فى اإلنسانية مبا أحدثته التكنولوجي­ا، جيلى نتاج طفرة فى املواليد واإلقتصاد فى الفترة التى تلت احلرب العاملية الثانية، حيث عاد اإلهتمام باألسرة، أعقبها طفرة فى معدالت اخلصوبة، هـذا اجليل كانت متعته فى فترة املـراهـقـ­ة، االستماع إلـى أسـطـوانـا­ت املوسيقى ثـم شائط الكاسيت،وقضاء وقت الفراغ فى املنزل ملشاهدة التليفزيون (أبيض وأسود) ثم أصبحت ملونة فى منتصف التسبعينات، وكان أغلبنا ونحن أطفال نقضى وقتا البأس به فى الشارع، نركب الدراجات او منارس أية رياضة، وال نعود الى البت إال

مع غروب الشمس .. لذلك يتسم أغلب أفـراد هذا اجليل بأنهم استمتعوا بطفولتهم مبا يفوق طفل اليوم .

وهناك جيل الذين تنحصر أعمارهم من 1965 إلى 9791،وهــــؤالء اآلن إمـا فى اوائــل األربعينات أو منتصف اخلمسينات من أعمارهم ، أهم ما مييزهم انهم اول جيل شهد دخول أجهزة الكمبيوتر، واألخطر أنهم كانوا أول جيل يشهد ارتفاًعا عاملَيا فى ارتفاع معدالت الطالق، بسبب عمل الوالدين وأطلق على هذا اجليل «أطفال املفاتيح» ألنهم كانوا يتركون فى منازلهم فى غيبة كال األبوين بحًثا عن العمل .. أعقب ذلك جيل الذين ولدوا مابني عامى 1980 ،1994و وهؤالء بارعون فى استخدام التكنولوجي­ا،هذا اجليل نشأ فى أفضل ظروف اقتصادية شهدها العالم ، فهو جيل لم يتعرض حملن أو حتديات اقتصادية ، ولكن هذا اجليل أيضا أثرت فيه أحداث 11 سبتمبر وما أعقبها من أحداث على مستوى العالم ، حيث كان عدد كبير من ابناء هذا اجليل فى فترة مراهقتهم وقت وقوعها .

فومو جيل زد أبـنـاء هـذا اجليل بلغوا سـن الـرشـد فـى الـقـرن احلـادى والعشرين ، وتأثروا بالتنوع الثقافى املتزايد، وبالعالمات التجارية العاملية،ومواقع التوصل اإلجتماعى وبالعالم الرقم ،هــذا اجليل بــدأ حياته فـى عصر اإلنـتـرنـ­ت، وفــى عصر الهواتف احملمولة، ومواقع التواصل، وأصبح يردد مفردات جديدة اساسية فى حياته لم تكن موجودة او معهودة من األجيال التى تسبقه مثل التطبيقات، والتغريدات و»امليمات» واألجهزة اللوحية واحلوسبة السحابية، ومنت مدارك هذا اجليل على مقاطع من اليوتيوب أو السناب شات ، وغيرهما.. كل هـذا انعكس فى سلوكيات مجتمعية جعلت أبناء هذا اجليل مختلفا عن كل األجيال السابقة، وأصيب أغلب أبنائه مبا يعرف علميا بـ»الفومو» وهى اخلوف من تفويت األحداث، وتراه مبجرد أن يضع احملمول، يعود اللتقاطه ال إراديا من جديد (لألسف أصابنى هذا املرض)، جيل زد مثال هو الذى جاء بدونالد ترامب على رأس الواليات املتحدة األمريكية، ولكن كانت جائحة كورونا هى أكبر حدث اجتماعى كونى تعرض له أبناء هذا اجليل.

ولكن العلماء يرون أن أبناء جيل زد شديدو التنظيم، كل شىء البد ان يكون له وقت فى ظل بيئة عاملية تنافسية، وتركيز نظم التعليم على اإلختبارات القياسية ، لذلك فهناك متسع من الوقت للواجبات املنزلية والتدريب على حساب استمتاع األبناء بطفولتهم.

صفات جيل ألفا جيل ألفا هو أول جيل يولد بالكامل فى القرن احلـادى والعشرين، فى عصر انفجار املواليد على مستوى العالم، لذلك فهو أضخم جيل فى التاريخ. وأكبر أبناء هذا اجليل على وشك أن يدخل مرحلة اليافعني ، وهى الفترة التى تقع ما بني عاملى الطفولة واملراهقة، هؤالء متثل مواقع التواصل اإلجتماع جزء ال يتجزأ من منوهم العقلى والنفسى والتربوى، يعيشون على مواقع ويرفعون فيديوهاتهم بدون تردد على تلك املواقع، لذلك فهذا جيل سابق لسنه، وسوف تبدأ سنوات مراهقته قبل األجيال السابقة عليه، ببساطة ميكن أن تقول أنهم «ينضجون قبل األوان». تتمحور التحديات أمـام الوالدين الذين ينتمى أوالدهم لهذا اجليل فى أنهم جيل يدمن الشاشات ويتعرضون للتنمر اإللكترونى واحملتوى غير الالئق .. هذا اجليل رغم ذلك أكثر وعيا مبا يحدث فى العالم، رمبا أكثر من أى وقت مضى، ولو سألت أحدهم عن أحداث غزة مثًال سيعطيك إجابة شافية وافية، رمبا حتتوى على رأيه بناء على مايتعرض له من محتوى رقمى ليل نهار .. هذا جانب جيد لكن هناك جوانب سيئة كثيرة افقدت أبناء هذا اجليل براءتهم مبكرا بسبب تعرضهم ملواد كلنا نعرفها، وهنا تزداد صعوبات دور األبوين، فمنع الهواتف أصبح شبه مستحيل، ألنه جزء أساسى فى احلياة والتعليم والتواصل والترفيه والتثقيف، هذا اجليل أيضا يوصف بأنه جيل بصرى ، يبنى مداركه على مقاطع الفيديو .. لكى تدرك خطورة األمر، لك أن تعرف أن موقع اليوتيوب هو ثانى أكبر محرك بحث بعد جوجل ، ألن ابن هذا اجليل (الضخم) يقول: ملاذا أقرأ اذا كان هناك فيديو يغنى عن األمـر؟!.. خمسة مليارات بنى آدم على كوكب األرض يشاهدون احملتوى ، مث ًال هناك قناة عللى اليوتوب اسمها «عالم ريان» مثال يراه ويتابعه 24 مليون مشترك على اليوتيوب وريان هذا مجرد طفل فى التاسعة من عمره ، كان فى الثالثة عندما أنشأت والدته قناة باسمه ترصد فيها بكاميرا موبايلها انطباعات ابنها وفرحته بأية هدية حتضرها له األسرة، وحتول الى بزنس ضخم واستقالت األم من وظيفتها كمدرسة للكمياء، وحتولت قناة ريان من مجرد مقاطع فيديو تدر ربحا كبيرا لوالديه الى عالمة جتارية عاملية لتسلية األطفال عبر هذا الغول اإللكترونى املرعب الى يحكم كوكب األرض .. كل األطفال بالتبعية تريد أن تكون مثل ريان .. وهذا يستتبع سلوكيات.. أحد أكبر األخطاء التى نرتكبها مع أبنائنا، هى أننا نحاول تربيتهم بنفس األسلوب الذى تربينا عليها، وجيل «الفا» الوليد له ما له وعليه ما عليه، مثل كل األجيال التى سبقته، ولكن يجب أن نكف عن «انتقاده» بحق أحيانا، وبدون حق فى أحيان كثيرة.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt