Al-Akhbar

خواطر الشيخ محمد متولى الشعراوى أسرار األهلة

-

يواصل اإلمــام الشعراوى رحمه اهلل ورضى عنه خواطره حول اآلية )189( من سورة البقرة:

‪َِْ ََّ ََْ ُْ ُْ ُِ‬ «يسألونك عن األهلة قل هي مواقيت للناس واحلج

‪ََََِِّ ََِ‬ وليَْس البر بأن تأتوا البيوت من ُظهورها ولكن البر

‪َّْ َُّ‬ من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا اهلل لعلكم

َُ تفلحون» يقول: إذن فهناك بروج للشمس، ومنازل للقمر، ومواقع للنجوم، ومواقع النجوم التى يقسم بها اهلل سبحانه فى قوله: «ف َال ُْ أقسممبواقع النجوم َِ وإنهلقسم لو تعلمون عظيم» «الواقعة: .ء76-75 ولعل وقتا يأتى يكشف اهلل فيها للبشرية أثر مواقع النجوم على حياة اخللق وذلك عندما تتهيأ النفوس لذلك وتقدر العقول على استيعابه. إذن كل شيء فى الكون له نظام: للشمس بروج، وللقمر منازل، وللنجوم مواقع. وكل أسرار الكون ونواميسه ونظامه فى هذه املخلوقات، وقد أعطانا اهلل من أسرار األهلة أنها مواقيت للناس واحلج. وعندما تكلم سبحانه عن احلج أراد أن يعطينا حكماً متعلقاً به؛ فقد كانت هناك قبائل من العرب تعرف باحلمس، هؤالء احلمس كانوا متشددين فى دينهم ومتحمسني له،

ومنهم كانت قريش، وكنانة، وخثعم، وجشم، وبنو صعصاع بن عامر. وكان إذا حج الفرد من هؤالء ال يدخل بيته من الباب ألنه أشعث أغبر من أداء مناسك احلج. ويحاول أن يدخل بيته على غير عادته، لذلك كان يدخل من ظهر البيت، وكان ذلك تشدداً منهم، لم يرد اهلل أن يُشَرعه. حتى ال يطلع على شيء يكرهه فى زوجه أو أهله. وأراد سبحانه عندما ذكر مناسك احلج فى القرآن أن ينقى املناسك من هذه

‪َُ ِْ‬ العادة املألوفة عند العرب فقال: «وليس البر بأن

َََُِِْْ ‪َُ َِ‬ تأتوا البيوت من ُظهورها ولكن البر من اتقى وأتواْ البيوت من أبوابها واتقوا اهلل لعلكم تفلحون» أى ال جتعلوا املسائل شكلية، فنحن نريد أصل البر وهو الشيء احلسن النافع. واملالحظ أن كلمة (البر) فى هذه اآلية جاءت مرفوعة، ألن موقعها من اإلعراب هو (اسم ليس) وهى تختلف عن كلمة (البر) التى جاءت أَن

منِ قبل فى قوله تعالى: «َّليَْس البر تَُولُّواْ ُو ُجو َه ُك ْم قبَ َل املشرق واملغرب» التى جاءت منصوبة؛ ألن موقعها من اإلعراب هو (خبر مقدم لليس). حاول املستشرقون أن يأخذوا هذا االختالف فى الرفع

والنصب على القرآن الكرمي. ونقول لهم: أنتم قليلو الفطنة واملعرفة باللغة العربية، فماذا نفعل لكم؟. يصح أن جنعل اخلبر مبتدأ فنقول: (زيد مجتهد)، هذا إذا كنا نعلم زيداً وجنهل صفته، فجعلنا زيداً مبتدأ، ومجتهداً خبراً. لكن إذا كنا نعرف إنسانا مجتهداً وال نعرف من هو؛ فإننا نقول: (املجتهد زيد). إذن فمرة يكون االسم معروفاً لك فتلحق به الوصف، ومرة جتهل االسم وتعرف الوصف فتلحق االسم بالوصف. وهذا سر اختالف الرفع والنصب فى كلمة (البر) فى كل من اآليتني. ونقول للمستشرقني: إن لكل كلمة فى القرآن ترتيباً ومعنى، فال تتناولوا القرآن باجلهل، ثم تثيروا اإلشكاالت التى ال تقلل من قيمة الكتاب ولكنها تكشف جهلكم. ثم ما هو (البر)؟ قلنا: إن البر هو الشيء احلسن النافع. ولو ترك اهلل لنا تديد (البر) الختلفت قدرة كل منا على فهم احلسن والنافع باختالف عقولنا؛ فأنت ترى هذا (حسناً)؛ وذاك يرى شيئا آخر، وثالث يرى عكس ما تراه، لذلك يخلع اهلل يدنا من بيان معنى البر، ويحدد لنا سبحانه مواصفات احلسن النافع،

فما من واحد ينحرف ومييل إلى شيء إال وهو يعتقد أنه هو احلسن النافع، ولذلك يقول احلق: «ولكن البر َمِن اتقى َوأْتُواْ البيوت ِمْن أَبَْواِبَها». إن هذا يدلنا على أن كل غاية لها طريق يوصل إليها، فاذهب إلى الغاية من الطريق الذى يوصل إليها. ويتبع احلق قوله عن البر: «واتقوا اهلل لَعلَّ ُك ْم تُْف ِل ُحوَن». ال تزال كلمة التقوى هى الشائعة فى هذه السورة، وكل حكم يعقبه السبب من تشريعه وهو التقوى. ونعرف أن معنى التقوى هو أن تتقى معضالت احلياة، ومشكالتها بأن تلتزم منهج اهلل. وساعة ترى منهج اهلل وتطبقه فأنت اتقيت املشكالت، أما من يعرض عن تقوى اهلل فإن احلق يقول عن مصيره: «َفِإَّن لُه َمِعيَشًة ضنكاً» «طه: .»124 وال يظن أحد أن التقوى هى اتقاء النار، ال، إنها أعم من ذلك، إنها اتقاء املشكالت واملخاطر التى تنشأ من مخالفة منهج اهلل. وليعلم اإلنسان أن كل مخالفة ارتكبها البد أن مير عليها يوم ترتكب فيه هذه املخالفة كما ارتكبها فى غيره، فمن ال يحب أن جترى فيه املخالفات فعليه أال يرتكب املخالفات فى غيره.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt