Al-Akhbar

خواطر الشيخ محمد متولى الشعراوى اتباع المنهج

-

يواصل اإلمــام الشعراوى خواطره حول اآلية )189( من سورة البقرة: «يَ ْس َألُونَ َك َع ِن ا ْألَِهل ِة ُق ْل ِهي مواِقيت ِللناس واحلج وليس البر بأن تأتوا ‪َُِ ََّْ ََ َِ ََُّ ََ‬ ‪َِ َِْ َِّّ‬

‪َُ َّْ َّْ‬ البيوت من ُظهورها ولكن البر من اتقى وأتـوا

‪َُ ََ ْْ ِِ ُُ ُُ‬ البيوت من أبوابها واتقوا اهلل لعلكم تفلحون» يقول: قد كان من الضرورى أن يتأخر أمر القتال؛ ألن احلق أراد أول أن يلتفت املسلمون إلى اتباع املنهج حتى يكونوا لغيرهم قدوة، ويروا فيهم أسوة حسنة، لذلك قال احلق: «فاعفوا واصفحوا حتى

‪ِْ َُ َِ‬ يأتي اهلل بأمِرِه» «البقرة: .»109 وقال سبحانه أيضاً: «ول تطع الكافرين واملنافقني ودع ََ أذاهم» «األحـزاب: .»48 ملاذا كل هذا التدرج؟ ألن احلق سبحانه وتعالى علم أن الدعوة لإلسالم ستدخل البيوت العربية، فسيضم البيت الواحد كافراً باهلل ومؤمناً باهلل، ولو أنه سبحانه وتعالى شرع القتال من البداية لصار فى كل بيت معركة. ثم إن احلق سبحانه وتعالى يعلم أن تلك القبائل العربية بها كثير من خفة وطيش وسفه؛ وكانوا يقتتلون ألتفه األسباب؛ فمن أجل ناقة ضربها كليب بسهم فى ضرعها فماتت اشتعلت احلــرب أربـعـني سنة. وأراد احلق سبحانه وتعالى أن يهيج فيهم النخوة حني يـرون الضعاف من املسلمني مستضعفني، وقد عزلهم بعض من القوم فى ِشعب أبى طالب وجوعوهم وقاطعوهم حتى اجتمع اخلمسة العظام فى مكة وقالوا: (كيف نقبل أن نأكل ونشرب ونأتى نساءنا وبنو هاشم وبنو املطلب محصورون فى الشعب ل يأكلون ول يشربون ول يتبايعون؟!). لقد كانوا كفاراً، وبرغم ذلك وقفوا موقفاً عظيماً وقالوا: هاتوا الصحيفة التى تعاهدنا فيها على أن نقاطع بنى هاشم وبنى املطلب ونقطعها؛ واتفقوا على ذلــك. وكانوا خمسة من ســادات مكة هم: هشام بن عمرو، وزهير بن أبى أمية، وأبو البحترى بن هاشم، وزمعة بن األسـود، واملطعم بن عدي. وكانوا قادة النخوة التى أنهت مقاطعة املسلمني.

هكذا نرى أن العرب كانوا يتسمون باحلمية الرعناء وتقابلها النخوة فى احلق. ويعلم احلق سبحانه وتعالى أن نقل أمة العرب مما اعتادته ليس أمراً سه ًال، لذلك أخذهم برفق ال َه َوادة. والذين يقولون: ملاذا لم يحارب املسلمون أعداءهم من أول وهلة وملاذا لم يقتلوا صناديد الكفر فى مكة؟ نقول لهم: إن كثيراً من الذين كنتم ترون قتالهم فى بداية الدعوة اإلسالمية هم الذين نشروا راية اإلسالم من بعد ذلك، ومثال ذلك خالد بن الوليد، الذى كان قائداً مغواراً فى صفوف املشركني، وقاتل املسلمني فى أول حياته، ثم هداه اهلل لإلسالم وأصبح سيف اهلل املسلول، ماذا لو قتل هذا القائد الفذ على أيــدى املسلمني؟ كـان مثل هـذا الفعل سيتسبب فى حرمان املسلمني من موهبته، تلك املوهبة التى أسهمت فى معظم الفتوحات اإلسالمية فى الشام والعراق. إذن شاءت حكمة اهلل أن يستبقى أمثال خالد وهم خصوم لإلسالم فى بدء الدعوة

ألن اهلل قد أعد لهم دوراً يخدمون به اإلسالم. والذين نالوا من اإلسالم أول هم الذين ستبقى عندهم احلرارة حتى يعملوا عمًال يغفر اهلل لهم به ما قد سبق. انظر إلى عكرمة بن أبى جهل كان شوكة فى ظهر املسلمني فى بداية الدعوة، ثم أسلم وأبلى بالء حسناً، وملا أصيب فى موقعة اليرموك وأوشكت روحـه أن تصعد إلى خالقها نظر إلى قائده خالد بن الوليد وقال: أهذه ميتة ترضى عنى رسول اهلل؟ كأنه كان يعلم أن رسول اهلل كان قد غضب عليه قبل أن يسلم. وعمرو بن العاص داهية املسلمني الذى لوله ما فتحت مصر. فقد كسب بدهائه أهل مصر فامتنعوا عن قتاله، وناظرهم بعد ذلك حتى استل حقدهم على املسلمني، وأبان لهم أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أوصى املسلمني بأقباط مصر خيراً ألن لهم رحماً وذمة. وفوق هذا فقد أرسله النبى صلى اهلل عليه وسلم إلى بعض العرب يدعوهم إلى اإلسالم.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt