الشيطان يعظ بدموع التماسيح!

الشيطان يعظ.. هذه العبارة كانت تتردد كثيرا، وتستحوذ على ردود األفعال الغاضبة قبل أيام من حلول شهر رمضان الكرمي، حيث كانت نغمة ضرورة إيقاف حرب اإلبـادة على الفلسطينيني هى الغالبة فى تصريحات وأقوال االستهالك اإلعالمي، وكان القلق يتعاظم من تأجيج مشاعر الغضب واتساعها إلى الضفة الغربية، فالوضع دائما ما يكون على حافة االنفجار فـى حالة حـرمـان الفلسطينيني مـن أداء املناسك والعبادات التى اعتادوا عليها فى املسجد األقصى، والغريب أن هذه التحذيرات وتلك التخوفات كانت تصدر من شركاء حرب اإلبادة وداعموها من صقور اإلدارة األمريكية، وخصوصا جو بايدن، وأنتونى بلينكن، وجون كيربي.

وال عجب أن تصاحب عبارة الشيطان يعظ كل مشاعر الدهشة، فالذين كانوا يرددون تلك التحذيرات، هم الرئيس األمريكى بايدن الذى يتافخر بصهيونيته، وتنسب له مقولة «ليس شرًطا أن تكون يهودًيا لكى تُصبح صهيونًيا»، وله تصريح أشهر عندما كـان نائبا فى الكوجنرس، وتتداوله فيديوهات على السوشيال ميديا، وهو يقول: إذا لم تكن إسرائيل موجودة، فيجب علينا أن نوجدها ونخترعها فى الشرق األوسط. وتخيلوا معى أن الذى كان يخطب بحماس هتلرى فى الكوجنرس، ويشجع النواب على دعم اسرائيل وتلبية احتياجات جيشها، وتوفير احلماية لها فى جرائم االبـادة لكل ما هو فلسطيني، هو نفس بايدن الذى ارتدى ثوب الواعظ وارتدى عباءة كبير املنافقني قبل أيام من الشهر الكرمي، وهو نفس الشخص الذى هرول إلى إسرائيل بعد عملية املقاومة الباسلة فى السابع من أكتوبر املاضي، وحرص أن يشارك مجلس حرب الكيان الصهيونى فى االعداد حلرب اإلبادة لقطاع غزة.

ولم يكن بلينكن وزير اخلارجية أقل حماسا وصهيونية من بايدن، فقد خطب أمام نتانياهو وأمـام اإلسرائيليني على الشاشات، مؤكًدا أنه جاء إليهم بصفته يهودًيا مات جده فى محرقة النازي، واعتاد بلينكن بعدها على عمل جوالت مكوكية فى املنطقة على مدار ستة أشهر، وحتت ستار إبرام صفقة تبادل لألسرى والرهائن بني االحتالل واملقاومة، وكان ومـازال بكل قوة يقدم الدعم السياسى والدبلوماسى إلسرائيل.

وهكذا أيضا كان يفعل جون كيربى مستشار البيت األبيض، وبدموع التماسيح على املأل كان يعتذر مبشاهد متثيلية عن عدم استكمال مؤمتره الصحفى لتدهور مشاعره حزنا على ضحايا املستوطنني احملتلني ألرض وبيوت الفلسطينيني!!، أليس من املضحك أن يكون الواعظ هو الشيطان بعينه..

سامى أرميا .. ومكانته الدولية اإلثنني :

من حسن الطالع أن تتوافق بداية شهر رمضان الكرمي مع بداية الصوم الكبير عند اإلخوة األقباط، وهذا التوافق يجعل خلصوصية العالقة والشراكة بني عنصرى مصرنا احلبيبة مذاق خاص، وغالبا ما تكون هذه املناسبات املشتركة مع االحتفال بيوم شم النسيم هى الترجمة الصادقة ملشاعر التقارب والتعايش بني مسلمى مصر وأقباطها، وشخصيا أملسها دائما فى مشاعر صديقى املهندس سامى أرميا ناشد رئيس الهيئة العامة جلمعيات الشبان املسيحية فى مصر والشرق األوسط مع كل من حوله من اصدقاء ومعارف أو حتى الذين ال تربطه بهم سابق معرفة، ولم يتغير منذ عرفته فى بداية التسعينيات، والـذى َعّرفنى به منذ ثالثة عقود تقريبا صديقنا وبلدياتنا املشترك حسن أبوصغير وكيل وزارة الشباب والرياضة األسبق.

وللمهندس سامى أرمـيـا فـى هـذه املناسبات عـــادات ال يتخلى عنها وخصوًصا يوم شم النسيم، ويُحافظ عليها ملا لهذا اليوم من قيمة ومكانة عند املصريني، ولم تتغير العادة ولم يتغير موعدها يوم االثنني منذ عهود الفراعنة، حيث يحرص سامى كل عام على دعـوة مجموعة من األصدقاء لالحتفال بشم النسيم، ويتشاركون فى نفس طقوس العادات املصرية القدمية فى مأكوالت ومشروبات غير تقليدية، ال ترفضها شهية وشهوة النفس البشرية ولو ملرة واحدة كل عام، لكن األهم تلك الصورة الرائعة لإلنسجام بني خيوط النسيج الواحد الذى يتشكل من عنصرى األمة..

ودائما ما تكون املناسبة السنوية فى مقر الهيئة العامة جلمعيات الشبان، وهــو املقر االقليمى لـالحتـاد الـدولـي، وقبل أن يــرأس سامى مجلس إدارة املقر اإلقليمي، كان يشغل منصب املدير العام ألكثر من ربع قرن بنفس احلضور والعطاء، واستطاع أن يرتقى بدور ورسالة جمعيات الشبان فى دول الشرق األوسط عموما وفى مصر على وجه اخلصوص، وأصبح موقعه ال ينافسه عليه أحد، وحتول إسمه إلى مصدر للثقة واالرتياح لدى وفـود دول الشرق األوسـط إلى مصر، وبات أيقونة جناح فى حتقيق االكتفاء الذاتى من خالل تنمية موارد الهيئة العامة واجلمعيات فى كل ربوع مصر، فلم يلجأ

فى يوم من األيـام إلى االعانات من الدولة أو القروض من البنوك.. ومن أبرز السمات الشخصية ألرميا، هو ارتباطه بعالقات طيبة ومتوازنة مع اجلميع، وليس له أى توجه خاص إال مصريته وعروبته القومية، ولذلك ليس غريبا أن تتواجد فى أركــان مكتبه وأروقــة الهيئة العامة عـدد من سجادات الصالة، اعتاد أصـدقـاؤه استخدامها فى أوقــات الصالة، وهذه الصفات جعلته مطلًبا دائًما فى املناسبات واملصاحلات، وفى تأسيس جمعيات املجتمع املدني، وكانت ومازالت بعض االحـــزاب السياسية تُخاطب وده وتُغريه باالنضمام إلى عضويتها لشعبيته وشهرته الواسعة، ليس فى أسيوط فقط ولكن فى العديد من مدن ومحافظات احملروسة..

وعليه توثقت واتسقت عالقة األخــوة والصداقة بيننا، لكن اخلصوصية األهم فى صداقتنا تكمن فى تلك الروابط املشتركة، ويأتى فى مقدمتها االهتمام بخدمة املجتمع املدني، لكن االنتماء لنفس مسقط الرأس- أسيوط - له بريق ورونق خاص لكالنا، وكالنا يعتز بهذا االسـم الـذى وفقا إلحدى األساطير الفرعونية، يرجع ألحد سحرة فرعون األفـذاذ الذين آمنوا برب موسى فقتله فرعون مثل بقية السحرة، فخلدهم التاريخ بإطالق أسماءهم على املدن التى جاءوا منها، كما أن كالنا يفخر بتقاليد ورمـوز أسيوط الوطنية التاريخية فى كافة املجاالت.

احلاجة كرمية.. مداح الرسول اجلمعة :

لقراءة سورة الكهف كل يوم جمعة فضل عظيم ال يشعر بحالوته إال من عايشه، فهى من نعم اهلل علينا لغفران الذنوب وتنقية النفوس، وهى عـادة أحـرص عليها، وتأتى بعد نعمة صوم يوم اخلميس اقتداء بسنة احلبيب، ومنذ بضعة أعوام يستهوينى احلنني إلى سماع األناشيد واملدائح النبوية فى حب الرسول، ويرجع الفضل فى ذلك إلى بعض فيديوهات التواشيح للحاجة كرمية أو احلاجة أم منعم، كما يحلو له أن يناديها زوجها الزميل والصديق احلاج محمود فراج، وهى أيضا والدة الزميل البشوش عبد املنعم فراج.

صوت احلاجة أم منعم فى مدح الرسول، يبدو وكأنه حلن سماوى طبيعى يردد نغمات احلب التلقائى حلبيب الرحمن وإمام األنبياء، وقد قادتنى الصدفة منذ أعوام لتلبية دعوة احلاج محمود حلضور الليلة اخلتامية ملولد اإلمام احلسني، وكانت احلاجة أم منعم تساعد زوجها فى تقدمي العون

وإطعام زوار خدمتهم من املريدين والفقراء وعابرى السبيل، وهو اآلن أكبر مشجع وداعم لها فى مدح احلبيب.

رفقا مبلوك الوفاء! تستوقفنى أحيانا عبارة أو مقولة فيها الكثير من املعانى والواقعية، وتقول: «الوفاء موجود فى كل الكالب، وفى بعض البشر»، وهذه الصفة هى أكثر ارتباطا بهذه الكائنات، وخلق اهلل صفة الـوفـاء فى الكالب من أجـل االنـسـان وخلدمته مثل معظم املخلوقات األخــرى، ولم حتض معظم الشرائع السماوية على كراهية هذه املخلوقات، فيما عدا ما تروجه أكاذيب اإلسرائيليات من ادعاءات باطلة حول طبيعة الكالب مما يحرض على تعذيبها وعدواتها وعدم الرفق بها..

فلم تذكر املسيحية وإجنيلها هذه املخلوقات األليفة بسوء أو إسـاءة، ويُعتبر الدين االسالمى أكثر َكرًما ورحمة بهذه املخلوقات بذكرها فى عدة آيات فى القرآن الكرمي، وجعل الكلب رفيقا وصاحبا للفئة املؤمنة أصحاب الكهف، ولصفة الوفاء التى ينفرد بها، وطبيعته فى احلراسة التى خلق من أجلها، دلل عليهما فى هيئته التى بقى عليها طوال ثالثمائة وتسع سنني» .. وكلبُُهم باسٌط ِذَراعيه بالوصيد .»..

وممـا يؤكد على ُسُمّو الرحمة والرفق بهذه املخلوقات ما ورد فى احلديث النبوى الشريف الذى يذكر، أن إمرأة دخلت اجلنة فى كلب ظمآن فروته، ويحكى التراث أنها كانت غانية من بنى اليهود، ووجـدت كلبا يلهث ويكاد ميوت من العطش، ولم جتد وعاًء جتلب به املاء من البئر،ُ فاضطرت إلى استخدام موقها، واملوق هو ما ترتديه فوق خفها، وروت عطشه من موقها، فغفر اهلل لها ذنوبها وأدخلها اجلنة جزاء لهذا الفعل الرحيم واالنساني..

وعلى الرغم من ذلـك فـإن الرفق والرحمة مبخلوقات الــوفــاء، مـــازاال غائبني عـن صـفـات بعض الـبـشـر، بـل أن هـؤالء البعض يتنكرون لكالب اشتروها بـآالف اجلنيهات، وصرفوا عليها أضعاف ذلك للوجاهة واللهو والتفاخر قبل احلراسة، وألسباب تتعلق بامللل والتشبع واإلهمال يتخلون عنها، ويتخلصون منها فى الشوارع بعد أشهر أو سنوات من ارتباطها واعتيادها على حياة املنازل، فتكون الشوارع مبثابة اجلحيم لها، وتنتهى حياتها بنهايات مأساوية على قارعات الطرق، وتكون شاهدة على ُظلم البشر ملخلوقات خلقت للوفاء له، ووثقت فيه، واطمأنت ألفعاله.