ضابط اإليقاع األمريكى
أحسب أنه من الصعوبة مبكان ونــحــن نـنـظـر ونـــدقـــق فـيـمـا جــرى وكــان بخصوص الهجوم اإليرانى الواسع واملتعدد األسلحة والصواريخ واملقذوفات، على إسرائيل السبت املاضى، أن ننحى جانبا ولو بصورة مؤقتة، ذلك االنطباع الطاغى الذى ساد وانتشر بني كل الدوائر السياسية والعسكرية وأيضا دوائر صنع واتخاذ القرار فى العالم على اتساعه فى أعقاب الهجوم وجالء النتائج.
حـــيـــث تــــأكــــد لـــلـــكـــل أنــــنــــا أمـــــام عملية متوافق عليها بني األطراف الثالثة «إيران» و»الواليات املتحدة»، و»إسرائيل» قبل وقوعها، ومت االتفاق سلفا على كل خطوطها الرئيسية واجلــانــبــيــة، وأيــضــا الـنـتـائـج التى ستسفر عنها.
والصعوبة هنا ترجع فى األساس إلى ما ظهر بجالء خالل اإلعداد للعملية، من احلرص الشديد على تضخيم وارتـفـاع حجم التوقعات اإلعــالمــيــة الــســابــقــة، وا ُملــصــاحــ ِبــة للعملية، باعتبارها الرد االنتقامى املزلزل وغير املسبوق من جانب إيران، على العربدة اإلسرائيلية واالعتداء األخـيـر على القنصلية اإليرانية فى دمشق، وما سبقه من عمليات عدوانية كثيرة، منها مقتل قاسم سليمانى وغيره.
وقد زاد من حجم هذه التوقعات ما صاحب كل ذلك، من كم واسع من التصريحات الصحفية األمريكية حـــول الــهــجــوم اإليـــرانـــى املــتــوقــع، واالستعدادات األمريكية ملواجهته واحلـد من أخطاره على إسرائيل، والـقـدر الكبير من االستنفار بني القوات األمريكية وقواعدها املنتشرة باملنطقة، وأيضا قطع األسطول فى الـبـحـر األحــــمــــر،...، وهـــى احلملة اإلعالمية املنظمة التى شارك فيها الرئيس األمريكى بنفسه.
كــمــا ســـاعـــد عــلــى ارتــــفــــاع حــدة التوقعات بالطبع، ما صدر وأعلن بـصـفـة يــومــيــة مـــن إســـرائـــيـــل، عن القدر الكبير لالستعدادات ملواجهة الهجمات اإليرانية املتوقعة، وآثارها التى ميكن أن تكون شديدة الوقع على إسرائيل وسكانها.
فــــى ظــــل ذلـــــك كـــلـــه زاد حـجـم الــتــوقــعــات فـــى املــنــطــقــة الـعـربـيـة والشرق أوسطية، وأيضا فى مناطق عديدة بالعالم، شملت: أوروبا وآسيا وغيرها وغيرها، بأن املنطقة والعالم فى انتظار ضربة إيرانية موجعة بل شديدة الوجع واألثر على إسرائيل.
وقـــــد تــســبــب ذلـــــك كـــلـــه فــــى أن الـــعـــالـــم كــلــه فـــى أوروبـــــــا وأمــريــكــا وآسيا وأستراليا، وليس فى منطقتنا العربية واخلليجية، والشرق أوسطية فقط، اضطر إلى حبس أنفاسه ترقبا ملا سيحدث من اجلانب اإليراني، وأيض ًا على اجلانب اإلسرائيلي،...، وماذا ستفعل الواليات املتحدة فى مواجهة ذلك.
ثـــم حــدثــت الــضــربــة اإليــرانــيــة بالفعل، وكانت على قد ٍر ليس بقليل من الضخامة، من حيث كثرة وتنوع األسلحة اُملستخدمة فيها، والتى ضـمـت: «٦٣» صـــاروخ كـــروز و»٠١١» صواريخ أرض أرض باإلضافة إلى «٥٨١» طائرة مسيرة بدون طيار.
ولكن النتائج التى تكشفت بعد إمتـامـهـا لـم تكن على قــدر ارتـفـاع الضجة والضجيج املصاحب للعملية قبل انطالقها وخاللها،...، بل أصبح واضح ًا دون شك، وجود حرص إيرانى شديد على عدم التسبب فى إحداث أى أضرار جسيمة وال حتى طفيفة للعملية على اجلانب اإلسرائيلي،...، وهو ما دعا الكل لالستنتاج بأن ما جرى هو عملية توافقية بني األطراف الثالثة: إيران وأمريكا وإسرائيل،...، وأن أمريكا قامت بدور ضابط اإليقاع.
«وللحديث بقية»