Al-Akhbar

مذكرات الدكتور مجدى يعقوب

- يوسف القعيد

مـذكـرات مجدى يعقوب، ألفها سيمون بيرسن وفيوما جورمان. وقدمتها مارى آرتشر، وترجمها للغة العربية أحمد شافعى. ومذكرات مجدى يعقوب يحتفى بها الدكتور محمد أبو الغار، اإلنسان املصرى النبيل، الذى يجعل من الشأن العام اهتماماً أساسياً بالنسبة له. ما إن ذهبت إلى مكان يناقشون فيه الهم املصرى العام إال ووجدتهُ يُزِّين املكان بحضوره النادر، ووجوده الفريد، ومشاركته التى تثرى العمل. يكتب الدكتور أبو الغار: - ُكل مصرى داخل الوطن أو خارجه، يُكُّن تقديراً كبيراً ومحبة خاصة للسير مجدى يعقوب، ليس فقط لتفوقه املهنى الكبير عاملياً. وإمنا أيضاً إلنسانيته التى فاضت على البشرية فى مصر وفى الكثير من بلدان العالم، بالعمل تطوعاً خلدمة الفقراء وإنقاذ حياتهم.

رائد زراعة الكلى ثم يُقدم الكتاب األستاذ الدكتور محمد أحمد ُغنيم، رائد زراعة الُكلى فى مصر والعالم، يكتُب:

- شرف عظيم أن أحظى بكتابة تقدمي هذا الكتاب - فى طبعته العربية - عن حياة وأيـام الدكتور مجدى يعقوب.. والذى ساهم فيه نُخبة من أصدقائه وزمالئه وُمحبيه ممن عاصروا مسيرته الطبية وإجنازاته العلمية، وتأثروا بصفاته الشخصية النبيلة.

لقد حالفنى احلظ مبعرفة الدكتور مجدى طالباً، وطبيباً مقيماً فى جامعة القاهرة، سافر بعدها إلى إجنلترا للتخصص الدقيق فى جراحات القلب، فحقق جناحات مبهرة القت اإلعجاب والتقدير فى األوساط الطبية كافة.

لن يُغِّير هذا النجاح من بساطته التلقائية وتواضعه اجلم.. األمر الذى زاده شموخاً ومهابة.

التقيت به مرة أخرى بعد غيبة طويلة ليست بالقصيرة، وفى أقصى صعيد مصر مبدينة أسوان، التى أحبها وتأثر بها أثناء مراحل نشأته.. فأقام بها مركز أسوان للقلب الذى تديره مؤسسة مجدى يعقوب ألمراض وأبحاث القلب.. وهى مؤسسة غير ربحية أسسها الدكتور مجدى يعقوب عام ،2008 يعالج بها اجلميع دون سداد أى نفقات.. بالرغم من التكلفة املرتفعة لعمليات القلب املُعَّقدة.. تأصيًال ملبدأ أخالقى وإنسانى رفيع.

إن إجنازات الدكتور مجدى يعقوب العلمية والعملية فى مجال الطب ال تخفى على أحد.. وإذ استحق أن متنحه عليها ملكة إجنلترا لقب: سير، وهو شرف عظيم يتطلع إليه الكثيرون.. ولم يقتصر نشاطه على بلده األُم مصر، بل امتد متطوعاً لبالٍد أخرى فى إفريقيا تعانى من فقر املوارد املادية والبشرية إسهاماً منه فى عالج مرضاهم وتدريب أطبائهم.

شهادة مصطفى الفقى

حتت عنوان: ملك القلوب أيقونة إنسانية، كتب املفِّكر واملثقف واملصرى النبيل مصطفى الفقى، الذى أعتز بكونى أنتمى إلى احملافظة التى ينتمى إليها، وهى محافظة البحيرة. فضًال عن معرفة إنسانية جتعله قيمة من القيم املصرية النادرة.. يكتب مصطفى الفقى:

- يجب أن أكتب لك مقدمة كتابك على قطعة من حجر اجلرانيت الذى استخدمه أجدادك الفراعنة لتشييد احلضارة وبناء املجد.. فملك القلوب كما أسمتك األميرة ديانا ذات يوم، هو أيقونة إنسانية نعتز بها جميعاً.. ونرى أن سيرته الذاتية هى ذخيرة أكادميية وأخالقية لألجيال القادمة.

إن مجدى يعقوب شخصية استثنائية نادرة فى تاريخ العلم والطب الذى يسعى نحو رفع املعاناة عن البشر، ورعاية صحة اإلنسان، من خالل أكثر األجهزة أهمية فى جسده، ونعنى بها القلب مركز الوجدان وُغرفة املشاعر.. لذلك ُجتسد رحلة هذا الرائد العظيم قيمة اجلراح العاملى الذى استطاع زرع القلب البديل فى فترة مبِّكرة من اجلهد العلمى الطبى العاملى.. فوضع اسمه بني عظماء ذلك الفرع من الدراسات الطبية والعمليات اجلراحية الكبرى التى اقترنت باسمه.. وستبقى رصيداً له مهما طال الزمن.

إنه طبيب الفقراء فى مصر والقارة اإلفريقية وغيرها من بقاع الدنيا.. وإذا كانت بريطانيا قد كرمته بلقب سير.. ومصر كرمته بقالدة النيل.. فإن قلوب مرضاه عبر العقود األخيرة تنادى دائماً به أسطورة رائعاً ورمزاً حياً لإلنسانية والتواضع، ورفع املعاناة عن البشر.. بارك اهلل فيه، وليستمر عطاؤه إضافة جلهود أجداده من بناة احلضارة وصناع التاريخ ورواد العلم واملعرفة.

نعم بارك اهلل فيك ولك، ودمت للبشرية رمزاً ال ينتهى، وعطاًء ال يتوقف، واسماً تُردده األجيال.

مصرى متواضع والكتاب يـقـدم مجدى يعقوب باعتباره حكاية مصرى متواضع.. عاش يُراِكم املعرفة مثلما عاش كثير من الناس غيره يراكمون الثروة.. هو طبيب يعلى قيمة املجتمع ويؤمن بالنضال من أجل عالم أكثر إنصافاً.

هو من بعض األوجه مثلك ومثلى.. فهو ُمحٌب ألسرته.. يطيب له أن يجتمع هو وأصدقاؤه على الطعام.. وكثيراً ما يستمع إلى املوسيقى وخاصة الكالسيكية.. ويزرع الورد فى قطعة أرض عنده.. وفى نفسه ولع خفى للسيارات السريعة.. ولو أن أسرته تشكك فى ثقته الراسخة مبهارته فى قيادتها.

إنه البروفيسور السير مجدى يعقوب.. احلاصل على وسام االستحقاق وزميل اجلمعية امللكية.. ُوِلد ونشأ وتربى فى مصر.. وفى بريطانيا ذاعت شهرته فى جراحة القلب، وزوجته أملانية.. ويعمل أبناؤه الثالثة فى مدن: هوتشى منه، وليشبونة، ولندن.

أما هو نفسه فرجل عاملى عمل فى بالد مصر دائماً فى حبة قلبه.

ماذا يعنى لنا؟! كلما توقفت أمام حكاية مجدى يعقوب كنابغة من مصر.. أبهر الدنيا وقَّدم للعالم أجمل وأنبل صورة ُميكن أن يُفاجأ بها.. فإننى أتساءل، وال أسأل غيرى: هل يدرس الُطالب فى املدارس باختالف درجاتها حكاية مجدى يعقوب؟، هل يتوقفون أمام جتربته الفريدة والنادرة؟، هل يتعاملون معه باعتباره أحد أبناء مصر النادرين الذين قدمتهم بالدنا إلى العالم كله؟.

ٍَّ ولهذا فإننى أطالب مبتحف يخص مجدى يعقوب وإجنازاته العلمية، وما قدمه للبشرية باسم مصر.. وأمتنى أن يكون معى فى هذا الطلب الطبيب املصرى اجلميل والنادر الدكتور محمد أبو الغار، واملفِّكر املصرى الدكتور مصطفى الفقى.. فهو صاحب دور مهم فى مجتمعنا.. وعندما أتوقف أمام حكايته، فنحن نقدم لألجيال الطالعة فى بر مصر منوذجاً ُميكن أن يُحتذى، ومثاال ميكن السير على دربه.. وما أقل هذه النوابغ التى البد من وضعها أمام الشباب.

عباقرة من مصر ومجدى يعقوب ليس هو الوحيد من أبناء الوطن املصرى الذى خدم البشرية بصورة جتعله عالمة فى التطور اإلنسانى.. لدينا طه حسني ابن الصعيد الكفيف، الذى أطلقت الدنيا كلها عليه عميد األدب العربى.. ورغم رحيله عن الدنيا سنة ،1973 أى ُمنذ سنوات طويلة، مازلنا نقرأ أعماله األدبية، ونُشاهد األعمال املأخوذة عن رواياته.. خاصة فيلم: دعاء الكروان.

أيضاً، فإن مصر مليئة بالعباقرة العظام الذين أضافوا الكثير للبشرية، ابتداء من املصرى املجهول فى مصر الفرعونية صاحب شكاوى الفالح الفصيح، أول إبداع أدبى فى الدنيا كلها، وصوال إلى آالف املصريني اآلن الذين ميألون الكون رافعني اسم مصر فى كل شبر من الدنيا.

وهم رموز فى العلم والفن واألدب.. أى صناع احلضارة فى كل زمان ومكان.. ومن يشاهد أهرامات اجليزة سيدرك أنه كان ُهنا شعٌب يستحق احلياة.. لذلك خلدته احلياة.. ومجدى يعقوب وجنيب محفوظ ومحمد حسنني هيكل، وغيرهم كثيرون، أضافوا للبشرية الكثير باسم مصر.

سعر خارج السرب! حتى اآلن ال أُِّصـدق نفسى عندما أكتُب أننى دفعت 480 جنيهاً ثمناً لهذه املذكرات التى تقع فى 397 صفحة من القطع املتوسط.. فاملبلغ كبير جداً، ويا ويل القراءة ومستقبلها ببالدنا لو أصبحت أسعار الكتب هكذا.. اشتريت من مكتبة ديوان بالزمالك رغماً عنى.. فمهما كانت أهمية موضوع الكتاب وكتابته، وحجم الصور امللونة بداخله، ال ميكن أن يصل السعر لهذا املبلغ. كثيرة.. وإن بقيت

وأكتب هذا الكالم متمنياً أن يقرأه الناشر اجلميل صاحب الرسالة النبيلة محمد رشاد، الذى لم يكتف بكونه صاحباً لهذه الدار.. ولكنه لعب أدواراً مهمة لن ينساها له التاريخ، سواء فى احتاد الناشرين املصريني أو العرب.. فمهمة الناشر ليست نشر الُكتُب وحتقيق أرباح من وراء نشرها بقدر ما هى إشاعة القراءة بني املصريني، وجعلها عادة ثابتة من عادات املصريني.

لذلك أكتب هذا الكالم وأملى كبير أن يقرأه املهندس رزق عبدالسميع رئيس دار املعارف.. ألن مجتمعنا يُعانى من األمَّية وتلك قضية قدمية، صحيح أنها تراجعت كثيراً فى السنوات األخيرة ولكنها مازالت موجودة، خاصة فى الريف واألحياء الشعبية، ولهذا يجب أن يكون الكتاب رخيصاً.

وعندما كان عندنا مشروع مكتبة األسرة الذى يبيع الكتب املهمة بأسعار فى متناول يد القارئ العادى، كنت أعتبره ثورة حقيقية، ومحاولة لنشر الوعى واالرتقاء بالوجدان املصرى والعربى عبر الكتاب املطبوع ومن خالله، ألن الكتاب ليس وسيلة لقضاء الوقت أو وقت الفراغ كما تعودنا أن نقول، ولكنه منهج لالرتقاء بالوعى والوجدان فى حياتنا.

مؤلفات جنيب محفوظ وألن الشىء بالشىء يذكر.. يقول التاريخ القريب إن دار الشروق عندما حصَل صاحبها املهندس إبراهيم املعلم على حق نشر مؤلفات جنيب محفوظ، أصدرها إما ُمفردة، أى كعمٍل فى كتاب مستقل سواء كان رواية أو مجموعة من القصص الصغيرة، أو على شكل مجلدات.

ومازالت مكتبتى حتى اآلن ُمزَّينة مبجلدات جنيب محفوظ، لدرجة أننى أنظر إليها أحياناً، ويُخَّيل إلَّى، واخليال اإلنسانى معجزة من املعجزات، أنه مازال يعيش بيننا، وأننى قد ألتقى به بأحد املقاهى التى كنا نتقابل بها.

وجنيب محفوظ عالوة على كونه أول وآخر عربى يحصل على جائزة نوبل لـآداب.. أعتبره مؤسس الرواية العربية، وليس الدكتور هيكل كما يقول معظم مؤرخى الرواية فى بالدنا.. فهو صاحب مشروع روائى ضخم وعمالق.. أكد من خالله أن فن الرواية ُميكن أن يُشيع حالة من الثقافة العامة فى بالدنا نحن فى أمس احلاجة إليه.. ُكَّنا نحتاجه، ومازلنا، وسنظل حتى حلظة قيام الساعة.

لدرجة أن ُحلماً من أهم أحالم ُعمرى أن ميتد بَّى الُعمر - وتلك مشيئة اهلل سبحانه وتعالى فقط - حتى نحتفل مبحو أمية آخر مصرى، كما فعل فيدل كاسترو فى كوبا.. ألن محو األمية يوشك أن يكون مقدمة حقيقية للوعى واإلدراك السليمني.. ثم آلت أمور كتب جنيب محفوظ إلى مآل آخر عند دار نشر أخرى، فاختفت كما كانت من قبل. ولهذا أظل دائماً وأبداً، لدى عرفان باجلميل جتاه ما فعلته دار الشروق مع جنيب محفوظ.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt