Al Masry Al Youm

مصر 28 يناير 2011

- عبد اللطيف المناوى ‪menawy@ gmail. com‬

كانت الساعة تقترب من الخامسة، حينما دخل إلى مكتبى ضابط برتبة عقيد من الحرس الجمهورى، ضخم الجثة، يرتدى واقى الرصاص، حاماً ساحه، وخلفه جنديان؛ ليقول لى: «لقد تمت السيطرة تمامًا على مبنى التليفزيون من جانبنا، وأصبح مؤمَّنًا ضد اقتحام المتظاهرين، وكل استوديوهات الهواء تخضع لحراسة مشددة،» مضيفًا، )بصوت به مزيجٌ من التوتر والحِدة:) «المبنى تحت سيطرتنا الآن، وأى تحرك فيه يكون بالتنسيق معنا.»

كان هذا نهاية نهار الجمعة، التى أطلق عليها المصريون الثائرون «جمعة الغضب،» القاهرة تودع نهار الجمعة 28 يناير، وقد تشبع هواؤها بالغضب الذى حمل اليومُ اسمه، العيون كانت ممتلئة بالدموع بسبب القنابل المُسيلة للدموع، التى أُطلقت بكثافة على المتظاهرين طوال هذا اليوم، الصدام بين المتظاهرين وقوات الأمن على كوبرى قصر النيل المقابل لم يَغِب عن أعيننا، قوات الأمن تواجه المتظاهرين بخراطيم المياه والقنابل المُسيلة للدموع فوق الكوبرى الذى أُنشئ عام 1871.

آلاف من المتظاهرين أمام آلاف من رجال الشرطة فى لُعبة كرٍّ وفرّ، وفجأة؛ طوفان المتظاهرين يتحرك كالسيل على الكوبرى ناحية ميدان التحرير، وقد تاشت قوات الشرطة، وكأنها لم تكن هناك!، أو قل: أضحت أثرًا بعد عين!!.

كانت نهاية نهار، )أو بقية من نهار(، وبداية ليلة، حينها؛ لم يتبقَ من جسد الدولة سوى قواتِ الجيش التى بدأت تنزل الشارع.

وفى الغرف الثاث التى يحتلها مكتبى فى الدور الخامس من مبنى ماسبيرو، ومعى زمائى ومساعدىَّ، عشنا لحظةً بلحظة أسرار أطول ليلة عاشها المصريون تحت تهديد السجناء، الذين أُخرجوا من سجونهم فى الليلة نفسها، ناهيك عن البلطجية الذين زُرعوا ليزرعوا الرعب ويُروِّعوا المواطنين، بعد أن اختفت قوات الشرطة فى ظروف غامضة!!، إذ ذاك، كنا همزة الوصل بين هؤلاء المواطنين وقوات الجيش، تلقينا آلاف الاتصالات من مواطنين يصرخون؛ يطلبون النجدة، ولم يجدوا أمامهم سوى تلك المجموعة لكى توصل أصواتهم إلى قوات الجيش.

خطوات ضابط الحرس الجمهورى بحذائه الثقيل، والتى كان وقعُها يدوّى على أرضية المكتب- رغم ضجيج المظاهرات فى الخارج- لم تحمل حسمًا أو نهاية، بل كانت حلقة فى سلسلة من التطورات الحادة المفاجئة والمفهومة فيما بعد، والتى شهدتها مصر منذ 25 يناير- التاريخ الرسمى لبدء انتفاضة المصريين- إلى 11 فبراير؛ ذلك عندما أعلن الرئيس المصرى السابق حسنى مبارك تنحيّه عن السلطة، وبالتالى كان سقوطُ النظام. من كتاب «الأيام الأخيرة لنظام مبارك»

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt