Al Masry Al Youm

٢٥ يناير.. مؤسسات ورجال الدولة

فى ٢8 يناير٢٠١١ تعرضت الشرطة لمذبحة أخرى أشد وأنكى ليس بهجوم الجيش البريطانى المحتل بل ميليشيا مسلحة جاءت من خارج الحدود ظهرت عبر أنفاق سيناء ومنها إلى القاهرة، قُتل ضباط كبار مثل اللواء البطران وضباط صغار وجنود.

- حلمى النمنم يكتب:

٢٥ يناير ،١٩٥٢ وقعت مذبحة الإسماعيلي­ة، التى ارتكبها جيش الاحتلل البريطانى فى مصر ضد رجال الشرطة بمحافظة الإسماعيلي­ة، كانت الحكومة برئاسة مصطفى النحاس )باشا( قد قررت إلغاء معاهدة ١٩٣6، المُوقَّعة مع بريطانيا، كان إلغاء المعاهدة قرارًا وطنيًّا وحماسيًّا، ألهب الشعور العام وصفق له الجميع تقريبًا، لكن لم يتم تقدير نتائجه ودلالاته، ولا رُسمت خطط للتعامل مع كافة البدائل، كان الإلغاء يعنى إنهاء حالة التفاوض مع بريطانيا، ومن ثَمَّ كان لابد من الدخول فى تفاوض لمعاهدة جديدة أو الرجوع إلى حالة الثورة، كما كنا سنة ١٩١٩، لكن لم يتيسر أى من الأمرين، كما لم يتم الاستعداد بحرب عصابات، كما وقع فى الهند الصينية )فيتنام(، واكتفينا ببعض العمليات الفدائية، دعمها وزير الداخلية فؤاد سراج الدين وكتائب التحرير، التى وقف خلف معظمها حزب مصر الفتاة.

كان إلغاء المعاهدة يمنح بريطانيا حق إعادة احتلل القاهرة والإسكندري­ة، الجنرال مونتجمرى كان مع هذه الخطوة، وطالب بإعادة احتلل العاصمة، وتحمس تشرشل لها، لكنهم اكتفوا بالرد العنيف فى منطقة القناة، فوقع العبء على رجال الشرطة. طبقًا لمعاهدة ٣6، لم يكن للجيش المصرى الحق فى التواجد بمنطقة القناة، ارتكب جيش الاحتلل البريطانى عدة مذابح ضد المدنيين، كما وقع فى كفر عبده، وضد رجال الشرطة، كان أشدها بربرية مذبحة ٢٥ يناير وفى اليوم التالى وقع حريق القاهرة.

إلغاء المعاهدة ومذبحة الإسماعيلي­ة وحريق القاهرة أفقدت النظام الملكى شرعيته، وكانت البلد فى انتظار مَن يتقدم، فعلها اللواء محمد نجيب والضباط الأحرار.

وقد فاجأ مرتضى المراغى، آخر وزير داخلية فى عهد الملك فاروق، المؤرخين فى مذكراته بأنه مكلفًا

من الملك اتصل باللواء نجيب كى يتجه إلى وزارة الحربية لتهدئة الضباط الشبان، ولإثبات حسن النية، قام الملك بترقية نجيب إلى رتبة فريق، وعينه قائدًا عامًّا، لكن نجيب والضباط الأحرار قرروا أن يتقدموا إلى نهاية الطريق، ويتنازل الملك عن العرش، فوافق، وحين وقّع على وثيقة التنازل طلب إضافة جملة «وبناء على إرادتنا»، لكن البيروقراط­ى الذى حمل الوثيقة رفض، فحرم الملك والتاريخ من أن يكون الملك قد تنازل «راضيًا»؛ قاتل الله غباء البيروقراط­ية الإنسانى والسياسى.

وفى ٢8 يناير٢٠١١، تعرضت الشرطة لمذبحة أخرى، أشد وأنكى، ليس بهجوم الجيش البريطانى المحتل، بل ميليشيا مسلحة، جاءت من خارج الحدود، ظهرت عبر أنفاق سيناء ومنها إلى القاهرة، قُتل ضباط كبار، مثل اللواء البطران، وضباط صغار وجنود، حُرقت أكثر من ألفى سيارة شرطة، ثمن السيارة الواحدة وقتها حوالى ٣٠٠ ألف جنيه، أُحرقت أيضًا مؤسسات عامة مثل متحف الزعيم الوطنى مصطفى كامل، وسُرقت محتوياته، كما جرت محاولات لاقتحام المتحف المصرى بالتحرير، حرائق ٢8 يناير أفقدت نظام الرئيس مبارك شرعيته، وكان لابد أن يغادر، وهو ما وقع يوم ١١ فبراير، لكنهعمليًّا- غادر قبل ذلك حين أعلن أنه لم يكن ينتوى الترشح مجددًا للرئاسة، وأعلن أن نجله لن يخوض الانتخابات، وقام بحل أمانة السياسات، التى كانت غطاء لتحركات الابن.

دعوت سنة ٢٠١١ إلى المقارنة بين مظاهرات الخبز فى ١8 و١٩ يناير ٧٧ ويناير ٢٠١١. فى مظاهرات الخبز كانت أعداد الجماهير أكثر من اللحظة الأولى، وكان الغضب أشد، وانتشرت المظاهرات فى معظم المدن المصرية، لكنها لم تصبح ثورة، الفارق هنا هو المشير الجمسى، الذى تعاطف

مع المتظاهرين، لكن لم يتبنَّ مطالبهم، وذهب إلى الرئيس فى أسوان حيث كان فى منتجعه الشتوى، ورأى دخان الحرائق وسمع الهتاف الغاضب بأذنيه، ويُقال إن السادات رأى فى زيارة الجمسى ما يشبه موقف محمد نجيب مع الملك فاروق، وقال بانفعال كلمات بهذا المعنى، لكن المشير الجمسى قدم لقائده التحية والتمام.

فى مظاهرات ٧٧، وقبلها مظاهرات الطلبة فى ١٩٧٢، ضد حالة اللحرب واللسلم، وكذلك مظاهرات سنة ،١٩68 احتجاجًا على الأحكام المخففة على قادة هزيمة 6٧، هذه كلها لم تتم المطالبة فيها برحيل الرئيس ولا الإطاحة بالنظام، كانت مظاهرات تتعلق بمطلب محدد، حين تتحول المظاهرات إلى ثورة تتغير المطالب والهتافات.

ما بين ١٩٥٢ و٢٠١١ أوجه شبه، سوف نجدها فى كل الثورات المصرية فى تاريخنا الحديث والمعاصر، بدءًا من ثورة مايو ١8٠٥، التى جاءت بمحمد على واليًا على مصر، وحتى ثورة ٣٠ يونيو وما صاحبها من قرارات «خارطة الطريق» يوم ٣ يوليو ٢٠١٣.

كل هذه الثورات لا تقوم ولا تصبح كذلك إلا إذا كانت مدعومة بمؤسسة من مؤسسات الدولة وعدد من رجالها ورموزها، لنقل من جناح أو تيار من داخل جهاز السلطة والدولة، ثورة مايو ١8٠٥ قادها السيد عمر مكرم أو عمر أفندى النقيب، كما أطلق عليه الجبرتى، كان عمر نقيبًا للأشراف، وهو موقع مهم، يتم تعيينه وعزله بإشارة من مقر السلطنة العثمانية، هو كذلك ركن مهم من أركان السلطة فى مصر، فى وقت لم يكن هناك برلمان ولا مجلس وزراء ولا صحف، فضلً عن أن الوالى يقبع فى القلعة لا يغادرها، غالبًا لا يعرف حتى لغة الشعب المصرى، كان نقيب الأشراف الأكثر اتصالًا بالأعيان والجماهير، كان للنقيب مندوبون وممثلون فى أنحاء البلد، وحين تقدم حصار الوالى فى القلعة مساندًا هتاف «انزل يا باشا»، فى النهاية نزل الباشا وغادر مصر نهائيًّا، وجاء مَن ارتضاه النقيب والعلماء، أى محمد على.

فى الثورة العرابية شىء كبير من ذلك، أحمد عرابى وزملؤه كانوا من أبناء الدولة، عرابى نفسه كان الياور الخاص للوالى محمد سعيد، كان سعيد هو مَن رقى عرابى من جندى مجند إلى ضابط عامل، حتى صار أميرالاى «عقيد»، أما محمود سامى البارودى فقد وصل إلى رتبة «فريق»، وهى أرفع رتبة بالجيش المصرى وقتها، بعدها اختير مدير مديرية «محافظ»، ثم وزيرًا للأوقاف.

والآن بات معروفًا من بعض الوثائق أن عرابى ومَن معه تحركوا يوم مظاهرة عابدين )٩ سبتمبر ١88١( بضوء أخضر من الخديو توفيق، الذى كان إصلحيًّا فى بداياته، كان توفيق يريد الخلص من «ناظر النظار» رياض باشا، الذى ورثه عن والده إسماعيل باشا، وكان قوى الشخصية، مدعومًا من بريطانيا وفرنسا، ويتعامل مع توفيق باستخفاف لحداثة سنه، ولأنه كان ابن جارية من جوارى والده، لم يكن ابن «هانم»، فضلً عن أن والده قد عدّل نظام وراثة الحكم لصالح نجله، دون بقية فروع العائلة، لذا كان مطلب العرابيين عزل ناظر النظار «المستبد»، وكان من بين المطالب عزل «شيخ الإسلم،» شيخ الأزهر، الذى كان شديد الانحياز إلى الشراكسة والعثمانيي­ن، استجاب محمد توفيق لهذه المطالب رغم أنها سياسية، دعنا الآن من بعض الأساطير حول مظاهرة عابدين وما حدث خللها، لكن الخيوط افترقت وتضاربت فيما بعد، وقع انشقاق بين العرابيين والخديو ثم بين العرابيين أنفسهم، فكان الفشل، وحوكم عرابى ورفاقه بعد الاحتلل، سُحب من دورهم اسم ثورة، وأُطلق عليها «هوجة»، وتم تحميلهم مسؤولية الاحتلل البريطانى، فهاجمهم أبناء الجيل التالى، مصطفى كامل، الزعيم الوطنى، نموذجًا وكذلك أمير الشعراء أحمد شوقى. بعد الحرب العالمية الثانية تم رد الاعتبار لعرابى وثورته، من خلل كتاب محمود الخفيف «عرابى.. الزعيم المفترَى عليه،» ثم كتاب عباس العقاد ١١« يونيو»، صدر فى يونيو ١٩٥٢، ثم صودر فى يوليو ٥٢ وأُفرج عنه فى نهاية الشهر.

ثورة ١٩١٩ تختلف كثيرًا، لكنها حملت نفس الملمح تقريبًا، سعد زغلول زعيم الثورة من داخل جهاز الدولة، كان وزيرًا فى أكثر من وزارة، هو أيضًا صديق قاسم أمين الصدوق وساند دعوته لتحرير المرأة ولعب دورًا مهمًّا فى تأسيس الجامعة المصرية مع قاسم أمين والأمير أحمد فؤاد- الملك فيما بعدسعد زغلول كان أحد شباب العرابيين وهو أيضًا صهر مصطفى فهمى باشا، رئيس الوزراء العتيد فى بدايات القرن العشرين، أما بقية قادة الثورة فكانوا من داخل جهاز الدولة، عبدالعزيز فهمى ولطفى السيد وفخرى عبدالنور و.. و.. و.. حتى شباب الثورة كانوا كذلك مثل مصطفى النحاس ومكرم عبيد.

ولم يكن ممكنًا للثورة أن تنجح لولا المساندة العميقة من وزير الداخلية حسين رشدى باشا، الذى أعطى تعليماته للعمد والمشايخ فى أنحاء مصر بتسهيل جمع التوكيلت لسعد زغلول ورفاقه، بما أبطل حجة البريطانيي­ن فى أن سعد لا يتحدث باسم المصريين، لا يعبر عنهم وليس مفوضًا منهم. غير رشدى باشا، كان هناك تأييد صامت من السلطان أحمد فؤاد ومعلن من بعض أمراء الأسرة الحاكمة، عمر طوسون نموذجًا، قدم الدعم المالى بسخاء والدعم المعنوى.

الحديث ممتد.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt