Al Masry Al Youm

«إدوارد تودا» الأU الروحى لعلم المصريات فى إسبانيا.. فى رحلتd «عبر وادc النيV»

- لوسى عوض

ظلت مصر تستأثر باهتمام المؤرخين والكتاب منذ عهد هيرودوت حتى العصر الحديث. وشهدت فترة حكم الأسرة العلوية ازدهاراً واضحاً فى هذا المجال نظراً لانفتاح مصر على العالم بعد فترة عزلة استمرت قرابة ثاثة قرون من الحكم التركى لمصر، يعد مؤلف الكتاب واحداً من عشرات المؤلفين الذين تناولوا جوانب الحياة المصرية بالرصد والتحليل فى مجالات عدة بحكم شغفهم بالحياة الشرقية التى طالما قرأوا عنها ونسجوا لها صوراً مختلفة فى مخياتهم. وتكمن أهمية كتاب «عبر وادى النيل» لإدواردو تودا، وصدر عن المركز القومى للترجمة فى 2010، وعمل على ترجمته عن اللغة الإسبانية السيد محمد واصل فى أنه يؤرخ لحقبة تاريخية غاية فى الأهمية، إذ يرصد أطماع الدول الأوروبية فى مصر وطموحهم لاستياء على خيراتها، ويؤرخ للثورة العرابية من وجهة نظر أوروبية، كما يطلعنا على مؤامرات كانت تحاك سراً لاستياء على منابع النيل، وكانت تمولها دول بعيدة عن مسرح الأحداث مثل إيطاليا وإسبانيا، لكنها كانت تتحين الفرصة لانقضاض على مصر والنيل من خيراتها. ليس ذلك فحسب، إن الكاتب يطلعنا على حياة الطبقة الحاكمة من الداخل وعلى أدق أسرارها بحكم عمله كدبلوماسى، بدءاً من أسرة محمد على ومروراً بنوبار باشا وانتهاء بالوزراء وعلية القوم. وأكثر ما يجذب الانتباه فى هذا الكتاب تلك اللوحات التى يرسمها الكاتب بأسلوب أدبى جميل للطبيعة البكر وحياة الفاحين بأدق تفاصيلها، والموالد وما فيها والأعياد والمناسبات الدينية والقومية ومراسمها.

مؤلف الكتاب ادواردو تودا )1855- )19419 ولد فى ريوس عاصمة تاررجونا من أعمال إقليم قطالونيا الإسبانى.. التحق بالسلك الدبلوماسى فى أوائل 1876 ليبعث قنصا لإسبانيا فى الصين، وفى عام 1884 بدأ رحلته إلى مصر قنصا عاماً لإسبانيا فى القاهرة حتى عام 1886-1884، وحفلت حياته الوظيفية بالتنقل بين العديد من باد العالم بالخارجية الإسبانية. أسفر اهتمام إدواردو تودا بمصر وعلم المصريات رغم الفترة الزمنية القصيرة نسبياً التى أمضاها فى مصر امتدت قرابة عامين.. أثمرت عن خمسة كتب مهمة ترجمت إلى العديد من اللغات، والتى انصبت على دراسته للحضارة المصرية القديمة التى شغف بها حباً فجعلت منه الرائد والأب الروحى لعلم المصريات فى إسبانيا، وأن جهوده واكتشافاته كفلت له أن يحفر اسمه إلى جانب كبار علماء المصريات الغربيين بالمتحف المصرى، وأن كتاب «عبر وادى النيل» تتويج لدوره فى هذا المضمار.

وصل تودا شاباً يناهز التاسعة والعشرين من عمره ميناء الإسكندرية التى لم تحسن- على حد قوله- استقباله، ورغم ذلك خصص با أربعة فصول وصف فيها المكونات البشرية والطبقات الاجتماعية التى تعج بها لسكان المدينة من مسلمين وأقباط ويهود وإفرنج، أصولهم والأعمال المفضلة لكل منهم، ومظاهر الحياة فيها، لينتقل بعد ذلك إلى تمرد عرابى والتدخل الأجنبى فى مصر. ثم ثنى على ذك فى الفصل الثانى بالحديث عن التنوع البشرى لسكان مصر منذ الحقبة الفرعونية حتى الفتح العربى، فى ذات الوقت خصص الفصل الثالث لنشأة مدينة الإسكندرية، وأفرد جزءاً لآثارها والحركة العلمية والفلسفية فيها. فى طريقه إلى القاهرة توقف فى جميع المناطق الأثرية بالدلتا التى لم يولها اهتماماً كبيراً للحالة المتردية لأطالها.

استقر «تودا» به المقام فى حى الفجالة بالقاهرة راح يولى عنايته بآثار المعادى والجيزة، ثم توجه بصحبه قافلة من 12 مرافقا مسلحا يمتطون الخيل، وأربعة جمال تحمل المؤن، منطلقا من مدينة البدرشين إلى ميت رهينة، حيث أقام بذات الدار التى أنشاها عالم الآثار الفرنسى «أوجست مارييت،» ومن نفس الدار انطلق تودا لدراسة آثار منفيس وسقارة، الهرم المدرج واختتم بعثته الأولى بتفقد آثار دهشور. أما بعثته الثانية فقد شملت جنوب مصر حتى الشال الأول، وقد أتاحت له عاقته اللصيقة مع جاستون ماسبيرو مرافقته فى رحلته التفتيشية الكشفية السنوية بصحبة كبار علماء المصريات من الأجانب، كما شارك بتعليمات من ماسبيرو فى عمليات كشف وجرد لعدد من المقابر منها مقبرة سن نجم، التى يعزى اكتشافها لتودا شخصياً، وفى إطار ذلك نشر نتيجة كشفه وترجمة لنصوصها الهيروغليف­ية فى كتابه «المومياوات المكية» الصادر عام 1887.

فى نهاية الرحلة الاستكشافي­ة زار أرمنت وإسنا وجبل السلسلة، كوم أمبو وأسوان، وكانت زيارة معبد إيزيس فى جزيرة فيلة آخر مهامه فى رحلته عبر وادى النيل. رغم أن تودا يعد الأب الروحى ورائد علم المصريات فى إسابنيا، ورغم أنه كان من الطبيعى أن يخصص الجزء الأكبر من كتابه العمدة عبر «وادى النيل» لمادة تخصصه الرئيسية وهى الآثار المصرية، فإنه لم يقدم لنا جديداً فى هذا الشأن إلا تسجيا وتوصيفاً- لا يخلو من الدقة- لما كانت عليه الآثار المصرية القديمة التى زارها خال مدة إقامته، بل إن الجديد فيه ولا غرابة فى ذلك، أنه لم يستطع الفكاك من سحر مصر والمجتمع المصرى الذى خصص لهما الجزء الأعظم من مجمل صفحات الكتاب التى بلغت فى نصها الإسبانى أربعمائة وثمانى وخمسين صفحة، قدم فيه صورة حية للمجتمع المصرى الذى عاشه من الداخل إنساناً تعامل وتفاعل مع مختلف طبقاته من الدنيا الوسطى والراقية إلى الطبقة الحاكمة. أتى هذا الكتاب الذى طبع عام 1889 فى ثاثين فصاً خص كا منها بموضوع.

يؤكد تودا فى مقدمته: «ولى أن أؤكد بعد أن طفت معظم باد العالم أنه لا يوجد شعب فى الدنيا أعجب ولا أمتع من الشعب المصرى، ففى أرضه يختلط الحاضر بالماضى بشكل غريب، فأحداث اليوم تموج مع ذكريات الأمس وتقاليد الزمن البعيد، كانت كل الأجناس على موعد، وفيها تطورت كل الحضارات التى صعدت من أعالى النيل حاملة ثمار عبقرية المصرى إلى باد إثيوبيا والسودان.

 ?? ?? غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt