Al Masry Al Youm

عدمُ علاء خالد مكانُ حنينِهِ ‪2) )2-‬

- Ahmad_shahawy@hotmail.com

علاء خالد شاعرٌ لم ينقطع اندهاشه يومًا، ولذا فهو يقدم الطازجَ والجديد، ويفاجئ نفسه قبل أن يفاجئ قارئه بوصفه قائدًا ل«جيوش العدم»، حيث يربتُ الموت على كتفه ويقلِّدُه الأوسمة. فى هذا الديوان يتحرَّر الشَّاعر من داخله، ويستيقظ معه الموتُ، ويقابل علاء خالد نفسه كما لم يرَه أو يعرفه من قبل؛ كأنهُ كان يؤجِّل البوحَ أو الاعترافَ ليومٍ غير معلومٍ، لكنه جاء، وكتب ما خبَّأه أو اختزنه أو أخفاه؛ ولذا جاء عالمه حميمًا ودافقًا. إنه يتمرَّد ليتجاوزَ، ويكتب سيرةً أخرى لألمه، لحياته الناضجة «التى لم تبدأ بعد»، وتشبه فيلمًا سينمائيًّا لا يراه سواه. ولم يكُن العدمُ عند علاء خالد «محطة سعادة دائمة» ولا هو «حضارة أخرى» ولا «فضاء حُرًّا بلا جاذبية»: «أما أنا بلا ابنٍ يقفُ فى نهايات مساقط الأمطار/ أنا بلا وٍلد ولستُ إلهًا/ فى التراب أتشمَّمُ رائحةَ الابن الغائب.»

هل لا يوجدُ شىءٌ؟، هل العالمُ فارغٌ؟، وكعادة المعتزلة الذين قالوا إن: «المعدوم شىء»، وهو «جسم فى حال عدمه إلا أنه ليس متحركًا ولا ساكنًا ولا مخلوقًا ولا محدثًا فى حال عدمه». «ويُعتبر العدمُ حالة من كون اللا شىء، أو حالة عدم وجُود أو تملُّك أو حيازة أى شىء». والشَّاعر- الذى ينزفُ من لغته، وأراه الحفيد المعاصر لأبى العلاء المعرى، أشهر العدميين العرب- يقول لنا: نحن «ندفنُ أسئلتنا بلا إجابةٍ/ فى هذا القبرِ العميقِ الصَّامت/ الذى نسمِّيه القلب». فى هذا الكتاب الشِّعرى يقاومُ الشَّاعر فناء اللحظة، ويحافظ علاء خالد «على العلاقة بين الشىء ونقيضه/ بين السَّهم المشدُود والهدف،» وإذا كنا «جميعًا نمتلك أحلامًا غير مكتملة»، فقد اكتسب الشَّاعر حياةً جديدةً مع حلمه بالشِّعر الذى تحقَّق فيه، وصار له اسمٌ ونصٌّ يتداوله المحبُّون والغرباءُ معًا، حيث «الخيال هو العطر الأبدى» خناقةُ الشاعر هنا فى هذا الكتاب ليست مع الحياة، بل مع العدم، فهو يفتحُ عينه فى ماء الموت؛ ليكتب عدمه بتجرُّدٍ وحميميةٍ شخصيةٍ كأنه يقول: أنا ابن الأضداد والشَّك. منذ صدور ديوانه الأول «الجسدُ عالقٌ بمشيئةِ حِبرٍ» فى عام 1990، صار لعلاء خالد اسمٌ راسخٌ فى حركة الشعر المصرى الجديد، وقد صدرت له دواوين شعرية أخرى، منها: «وتهب طقس الجسد إلى الرمز» ،1992 «حياة مبيتة» ،1995 «كرسيان متقابلان» ،2006 «تحت شمس ذاكرة أخرى» ،2012 «تصبحين على خير» ،2007 «لمرة واحدة» 2015، وكتب نثرية حول السفر، منها «خطوط الضعف» ،1995 «المسافر» ،2002 «أكتب إليكِ من بلد بعيد» أدب رحلات، 2016، وله كتبٌ نثريةٌ أخرى، منها: «وجوه سكندرية- سيرة مدينة.» دار الشروق- 2012، «طرف غائب يمكن أن يبعث فينا الأمل » ،2003

«مسار الأزرق الحزين »- مذكرات- دار الكرمة- ديسمبر 2015، «فردوس المدينة الضائع»- قراءة فى رواية الصحراء- كتاب الفيصل- 2019.

وقد صدرت روايته الأولى بعنوان «ألمٌ خفيفٌ كريشةِ طائرٍ تنتقلُ بهدوءٍ من مكانٍ لآخر» عن دار الشروق عام 2009. ثم نشر ثلاث روايات أخرى عن دار الشروق أيضًا، وهى: «أشباح بيت هاينرش بل» ‪،2018 2017-‬ «بيت الحرير ‪»،2019 -2018«‬ متاهة الإسكندرية .«2021» استطاع علاء خالد فى كتابه الشِّعرى »العدم أيضًا مكانُ حنين»- الذى صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب- أن يقدِّم تجربةً شعريةً جديدةً غير مألوفةٍ، مزجَ فيها بين الشخصىّ والمعرفىّ، مبتعدًا عن جفاف الذهنىّ، بل منح رُوحه شارةَ التحليق عاليًا فى عوالمه الباطنية مستندًا إلى خبرٍة حياتيةٍ استطاعت لغته المتقشِّفة أن تحملَ فكرته الجديدة حول العدم والعدمية واللا موجُود أو اللا شىء؛ مبتعدًا عن نظر الفلاسفة وجدلهم الذى لا ينتهى.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt