Al Masry Al Youm

«بايدن» وتاريخ الصلاحية

باختصار يواجه بايدن تحديًا انتخابيًّا صعبًا، وإذا لم يستطع تغيير الصورة الذهنية لدى الناخب الأمريكى بأن تاريخ صلاحيته قد انتهى، فلن تكون النتيجة فى صالحه.

- ‪mkamal@ feps. edu. eg‬ د. محمد كمال يكتب:

السياسى مثل السلعة يكون له تاريخ صلحية، يصعب تداوله إذا تجاوزه، ويصبح غير صالح للستهلك السياسى من وجهة نظر المواطن أو الناخب.

ولكن إذا كانت السلعة يتم وضع تاريخ الصلحية عليها بشكل واضح بحيث يراه المستهلك ويتخذ قراره بناء على ذلك، فإن السياسى هو الذى يحدد تاريخ صلحيته بنفسه، استنادًا إلى قراءته للمشهد السياسى، وحساباته الخاصة حول مدى استمرار الطلب عليه، والرغبة فى استهلك بضاعته السياسية.

والسياسى الحكيم هو الذى يترك السوق السياسية بإرادته عندما يدرك أن تاريخ صلحيته قد حان موعده، وفى الغالب يخرج عزيزًا مكرمًا.

ولكن هناك نوع آخر من السياسيين يعتقد أنه يستطيع أن يتحدى الزمن وقوانين العرض والطلب، ويمد تاريخ صلحيته بوضع ملصق بتاريخ جديد على نفس البضاعة التى انتهى عمرها الافتراضى، وأصبحت غير صالحة للستهلك، وبالتالى يصبح سلعة رديئة، وقد

يخرج من التداول مرغمًا ومهانًا.

النموذج الأشهر للسياسى الذى قرأ المشهد جيدًا، وأدرك أن تاريخ صلحيته قد انتهى، وأنه لا يمكن أن يستمر فى السوق السياسية هو الرئيس الأمريكى الأسبق «جونسون»، الذى وصل إلى قناعة بأن قدرته على العطاء قد انتهت، ومن الأفضل أن يكتفى بفترة واحدة، وألّا يترشح لفترة رئاسة ثانية. وقرر أن يتذكره الناخب بما حققه من إنجاز داخلى فى مجالات الحقوق المدنية والعدالة الاجتماعية، وأن ينصرف عن مشهد وجد أنه ليس الأفضل فى التعامل معه فى ظل أزمة حرب فيتنام.

النموذج المعاكس لذلك، أى السياسى الذى يحين موعد انتهاء صلحيته، ولكنه ينكر ذلك أو يتجاهله، ويسعى لمد تاريخ الصلحية، هو الرئيس الأمريكى الحالى «جو بايدن»، الذى تنتهى فترة رئاسته الأولى هذا العام، ولكنه قرر أن يترشح لفترة رئاسة جديدة لمدة أربع سنوات قادمة.

غالبية الرأى العام الأمريكى تدرك أن «بايدن» لم يعد قادرًا على إدارة شؤون البلد بنفس الطاقة والكفاءة، نتيجة لسبب

لا يستطيع أن يفعل شيئًا بشأنه، وهو كبر سنه، )يبلغ الآن ٨1 عامًا(، وتأثير ذلك على قدراته الذهنية، وعلى قيادة دولة بإمكانيات وتحديات الولايات المتحدة. وقد ظهر تأثير سنه المتقدمة فى مواقف كثيرة، خلط فيها بين أمور وأسماء، بالإضافة إلى ضعف الذاكرة وصعوبة التحرك.

وأتذكر أثناء حضورى خطاب بايدن فى قمة المناخ التى عُقدت فى مدينة شرم الشيخ )نوفمبر 2022( أن بايدن تلعثم أكثر من مرة فى قراءة خطابه المكتوب، وفى كل مرة كان الحضور من الوفد الأمريكى يتبادل نظرات القلق والاضطراب.

والواقع أن عددًا كبيرًا من الذين صوتوا لبايدن فى انتخابات 2020 كان ظنهم أنه سوف يكون رئيس الفترة الواحدة، وأنه سينتهز هذه الفترة لتقديم مرشح آخر لانتخابات 2024. كما كان تصويتهم له لتحقيق مهمة واحدة، وهى عودة الاستقرار للسياسة الأمريكية بعد سنوات الاضطراب فى عهد الرئيس السابق ترامب. وقد نجح بايدن فى تحقيق هذا، وبالتالى انتهت مهمته من وجهة نظر العديد

من الناخبين، وحان الوقت لمرحلة جديدة بأهداف جديدة.

ورغم أن ترامب ينافس بايدن مرة ثانية، فإن ترامب يبدو مختلفًا هذه المره، ويروج لنفسه على أنه مرشح الاستقرار والأمن وتطبيق القانون، وليس الخروج على القواعد وإحداث ربكة فى السياسة الأمريكية.

ويظهر انفصال بايدن عن الواقع فى حديثه عن أن القضية الأساسية فى الانتخابات القادمة هى الديمقراطي­ة، أو ما يصفه بإنقاذ أمريكا من ديكتاتورية ترامب المحتملة. فى حين أن غالبية الناخبين يعطون أولوية لقضايا أخرى أهمها الاقتصاد والهجرة.

والواقع أن قاعدة الحزب الديمقراطى تفتقد الكثير من الطاقة والحماس الذى صاحب انتخابات الرئاسة عام 2020، وفشل بايدن فى تجديد هذه الطاقة، ويبدو أن التحالف الانتخابى الذى أسهم فى وصول بايدن إلى البيت الأبيض قد انفرط عقده وفقد تماسكه فى هذه الانتخابات.

تجاهل بايدن لتاريخ الصلحية يعود أيضًا إلى أن مجموعة المستشارين المحيطين به

شجعوه على الترشح لأن مستقبلهم المهنى مرتبط بنجاحه. وبالرغم من تراجع شعبية بايدن داخل حزبه الديمقراطى، )وقد لعب تأييده لإسرائيل، ورفضه لوقف إطلق النار فى غزة دورًا فى ذلك(، فإن مستشاريه يطمئنونه بأن موعد التصويت مازال أمامه عدة شهور )نوفمبر القادم(، وأن قاعدة الحزب الديمقراطى سوف تخرج لانتخابه رغم غضبهم منه لأن المنافس هو ترامب. أى إذا كان الخيار بايدن أم ترامب فسيختار الديمقراطي­ون بايدن بالتأكيد. ولكن يتجاهل هؤلاء ظاهرة معروفة فى الانتخابات تسمى «التصويت بالأقدام» بمعنى عدم خروج الناخبين للتصويت كنوع من الاحتجاج على مرشح معين لعدم الرضا عنه، وقد يمارس هذا السلوك بعض مكونات القاعدة الانتخابية للحزب الديمقراطى- وخاصة من الشبابوالأ­مريكيون العرب والمسلمون.

باختصار يواجه بايدن تحديًا انتخابيًّا صعبًا، وإذا لم يستطع تغيير الصورة الذهنية لدى الناخب الأمريكى بأن تاريخ صلحيته قد انتهى، فلن تكون النتيجة فى صالحه.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt