هل تغيَّر موقف إدارة بايدن من إسرائيل؟
انتقد بايدن إسرائيل علنًا فى مؤتمر صحفى. وتزامن انتقاده مع الإعلان عن إصداره مذكرة تنفيذية توجه وزيرى الدفاع والخارجية بتقديم تقارير دورية تتعلق بمدى التزام «الحاصلن على مساعدات عسكرية بالقانونن الأمريكى والدولى». وقد فسر الكثيرون الحدثن باعتبارهما تغيرًا فى موقف الإدارة تجاه إسرائيل. وهو تحليل جانبه الصواب فى تقديرى. ذلك لأن الحدثن يتعلقان بالداخل الأمريكى، لا بإسرائيل، بينما التغير فى المواقف يحدث بالكونجرس، لا فى البيت الأبيض. والمذكرة صدرت لأن الكونجرس طلبها، ومن ثَمَّ فهى مقدَّمة للكونجرس، لا للرأى العام ولا لإسرائيل!. المسألة إذن تتعلق بمَن يفعل ماذا فى صنع السياسة الخارجية الأمريكية.
فالدستور الأمريكى وضع السلطة التنفيذية كلها فى يد الرئيس وحده، ولا دور للوزراء والمستشارين إلا تقديم المشورة للرئيس. لذلك فإن كل رئيس يختار مَن يساعده فى صنع القرار فى كل قضية على حدة. وبالنسبة لبايدن والقرارات المتعلقة بغزة، فالواضح أن مَن يصنع القرار التنفيذى معه هم دائرة ضيقة للغاية من وزراء ومستشارين فى مواقع مهمة بمؤسسات مختلفة. وهى دائرة تتفق معه فى دعمه اللا مشروط لإسرائيل. ورموز تلك الدائرة انصب تركيزهم، منذ اليوم الأول للإدارة، على دمج إسرائيل بالمنطقة من خلال التوسع فى اتفاقات التطبيع لتشمل السعودية وتجاهل القضية الفلسطينية بالمطلق. وهؤلاء لم يغيروا أولوياتهم بعد طوفان الأقصى، بل سعوا للقفز على المستجدات والمضى قدمًا فى مسار التطبيع وكأن شيئًا لم يكن!. لذلك، لم يكن غريبًا أن يزور المنطقة بريت ماكجورك، منسق الشرق الأوسط، فى خضم العدوان الإسرائيلى، فيتحدث عن مسار التطبيع. وهو الذى شرح فى خطاب ألقاه منذ عام بالضبط ما سماه «مذهب بايدن بالمنطقة»، فلم يذكر فيه فلسطن على الإطلاق!، وتلك الدائرة الضيقة هى المسؤولة أيضًا عن ترديد الأكاذيب الإسرائيلية، حتى بعد أن ثبت زيفها. وهم على قناعة بأن الفجوة بن دعمها اللامحدود لإسرائيل والغضب المتزايد بن الناخبن الديمقراطين سيوازنها، لحظة الانتخابات، الدعم القوى للوبى إسرائيل بالتمويل والدعاية.
لكن ما لم يكن فى حسبان تلك الدائرة، على ما يبدو، هو اتساع حلقة أعضاء الكونجرس الديمقراطين، الذين صاروا أكثر إقلاقًا من حرب الإبادة الإسرائيلية، وباتوا يدعمون حجب المساعدات العسكرية لإسرائيل، فأغلبية الديمقراطين بمجلس النواب صوتوا للمرة الثانية ضد المساعدات لإسرائيل، وأغلبيتهم بمجلس الشيوخ صاروا يصرون على تقديم الإدارة طلبات تقديم المساعدات لإسرائيل قبل، لا بعد تقديمها. ولعل أهم المؤشرات الدالة على صحة هذا التحليل هو مقارنة نص التعديل الذى تقدم به الديمقراطيون ونص مذكرة بايدن!، فصياغات مذكرة بايدن منقولة حرفيًّا من ذلك التعديل!، أما التعديل، فقد تقدم به 18 عضوًا ديمقراطيًّا بمجلس الشيوخ كتعديل لمشروع قانون المساعدات العسكرية، يلزم وزير الخارجية بالحصول «كتابيًّا» على ضمانات «موثوقة» من الدولة المتلقية للمساعدات بالتزامها بالقانونن الأمريكى والدولى، وعلى «إيقاف» تلك المساعدات حال عدم تقدم الدولة المعنية بذلك الضمان الكتابى خلال المدة المحددة بخمسة وأربعن يومًا. ومذكرة بايدن نصت على ذلك بالضبط بعدها بأيام. والتعديل والمذكرة ينصان على تقديم وزيرى الخارجية والدفاع تقارير دورية للكونجرس بهذا الخصوص. وتحول مواقف الأعضاء الديمقراطين يقدم للرئيس صورة من خارج دائرة المحيطن به تشير إلى قلق مسؤولن منتخبن من حزبه، فى عام انتخابى، من تنامى الغضب فى ولاياتهم. وهى إشارة له تدل على الخلل فى ترويج دائرته الضيقة لحكاية التوازن بن دعم لوبى إسرائيل وغضب الناخبن. باختصار التحول الحقيقى فى الكونجرس، لا الرئاسة.