Al Masry Al Youm

على مسؤولى الحكومة التعلم من التجارب العالمية فى التنمية وتجاوز الأزمات

زيارة أردوغان تتويج لجهود دبلوماسية مصرية وتركية.. ورئيسا الدولتين أعطيا الضوء الأخضر لاستعادة العلاقات بكامل قوتها العلاقات مع البرازيل الآن يمكنها أن تقدم دروسًا فى أسباب الازدهار أو الإخفاق

- تكتبه: دينا عبدالفتاح ‪dina_ afattah@ yahoo. com‬ dina_afattah@yahoo.com

شهد الأسبوع الماضى زيارتن تعدان ضمن المناسبات التاريخية بالنسبة لمصر.. زيارتان محوريتان بالغتا الأهمية.. هاتان الزيارتان لرمزين إصلاحين عالمين تمكنا من إحداث تغييرات جذرية ومصيرية فى رفاهية وتقدم شعبيهما..

عن زيارتىْ أردوغان الرئيس التركى، ونظيره البرازيلى لولا دا سيلفا، أتحدث.. زيارتان تشعرانى بتفاؤل حذر، تتضاعف معدلاته تلقائيًا باتخاذ الدولة إجراءات إصلاح هيكلى فى الاقتصاد بشكل لا يحتمل التأجيل يومًا واحدًا.. والإعلان عن أهداف قابلة للتحقيق ببرامج زمنية وخطط عمل يسهل مراقبتها وتقييم نتائجها لحظيًا دون أى تعقيدات أو تسويف وحجج لم يعد هناك مجال لقبولها..

زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان بمثابة تتويج لجهود دبلوماسية وأمنية مصرية وتركية رفيعة المستوى لاستعادة العلاقات بحيويتها ومرونتها مرة أخرى.. وأتصور أن انطلاق الزيارات الرئاسية بن البلدين بعد انقطاع دام 12 عامًا سيكون له مردود اقتصادى وسياسى بالغ الأثر على الدولتن.. صفحة جديدة من العلاقات بن دولتن مهمتن فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لعبت كل منهما دورًا إقليميًا ودوليًا كبيرًا عبر العقود الماضية، فيما يحقق اتفاق هاتن الدولتن استقرار وسلام المنطقة ككل.. أما عن المردود الاقتصادى، وهو الأمر الذى لا نستطيع التقليل من أهميته فى المرحلة الراهنة.. فالزيارة تعد بالغة الأهمية لأن هناك مئات الفرص التنموية الممكن تفعيلها بشكل لحظى بن البلدين، خاصة أن التبادل التجارى بن الدولتن موجود بالفعل ويصل إلى 6.6 مليار دولار أمريكى.. وللأسف هذا التبادل يشكل تراجعًا رغم أن جميع التوقعات ترشح نموه بل مضاعفته حال توافرت الإرادة الاقتصادية والسياسية..

وهنا تكمن أهمية هذه الزيارة من وجهة نظرى، إذ إن جميع الأبواب الآن أضحت مفتوحة، خاصة بعد أن أعطى رئيسا الدولتن الضوء الأخضر لاستعادة العلاقات بكامل قوتها، سيما بعد توقيعهما إعلانًا مشتركًا لإعادة تشكيل مجلس التعاون الاستراتيج­ى رفيع المستوى بن جمهوريتى مصر وتركيا )يرأس هذا المجلس قائدا البلدين(.

وينعقد المجلس فى تركيا ومصر كل عامن بالتناوب.. وتشرف وزارتا الخارجية بالدولتن على تنسيق العمل وإعداد جداول الأعمال لكل اجتماع.. وبموجب هذا الاتفاق )كما ذكرت الصحافة التركية( سيتم التعاون فى مجالات مختلفة بما فى ذلك السياسية والدبلوماس­ية والاقتصاد والتجارة والخدمات المصرفية والمالية والاستثمار­ات والنقل والطيران والبحرية والسياحة والصحة والعمل والأمن والمجالات العسكرية وصناعة الدفاع.

أرى أن تفعيل هذا المجلس هو انطلاقة لتعاون مهم لكنه يحتاج إلى تغيير كبير فى طريقة عمل السلطة التنفيذية المصرية ليتم تنفيذ المستهدفات الرئاسية.. إن هذا التناغم المطلوب بن المستهدفات الرئاسية لإصلاحات الهيكلية المرجوة متحقق بالفعل فى تركيا ويمكن رصد هذا التناغم من خلال برنامج الحكومة المقدم بمخططات ومستهدفات دقيقة وخطط عمل تنفيذية وزمنية يمكن قياسها وتقييمها بشكل مستدام.. الأمر الذى يجعل تحقيق الأهداف المعلنة من قبل مؤسسة الرئاسة أمرًا قابلًا للتحقيق وفى المواعيد المعلنة.. وأرى أن نجاح هذا المجلس المهم لن يتحقق عبر صياغة مستهدفاته وإنما بطرق تنفيذ مخططات التعاون المستهدفة من خلاله.. ولا يوجد إطلاقًا ما يمنع الاستفادة بالتجربة التركية فى الإصلاحات الهيكلية ونظم الإشراف والمتابعة وأساليب القياس والتقييم..

ونحن على مشارف مرحلة جديدة تحتاج إلى إصلاحات هيكلية اقتصادية عاجلة، خاصة أن تركيا كانت تعانى إشكاليات شبيهة بما نعانيه نحن الآن، من ديون متراكمة على مدار أكثر من نصف قرن تبلغ 16 مليار دولار نجحت فى سدادها بالكامل عام 2015.. وركزت الدولة على زيادة حجم الإنتاج الصناعى ومضاعفة أرقام الصادرات..

وكان الهدف الرئيسى هو توفير البنية التحتية للمدن الصناعية الكبرى.. والسماح لرؤوس الأموال الأجنبية بالقدوم داخل السوق من خلال بيع المشاريع لشركات أجنبية ومنح امتيازات تنافسية لكل الاستثمارا­ت الأجنبية القادمة وتيسير الإجراءات وإيجاد الحلول العاجلة لأى معوقات تحول دون توسيع نطاق أعمالهم داخل السوق التركية.. أنقرة تمتلك الآن صناعات متطورة فى مختلف المجالات المتعارف عليها والتى تكفى الاحتياجات المحلية للبلاد وتنافس فى الأسواق العالمية.. ولم تكتف بالصناعات التقليدية لكنها تفوقت فى صناعة الأسلحة والمعدات الثقيلة واقتحمت مجالات الروبوتات والذكاء الاصطناعى..

وباتت تركيا الآن من أهم الدول على قائمة سلاسل التوريد والإمداد فى العالم.. فيما ارتفع حجم صادراتها لتتجاوز 250 مليار دولار سنويًا..

والأمر المطمئن حقًا أن المزايا التنافسية التى يتمتع بها «الوطن مصر» لا تقل إطلاقًا عن تلك الموجودة فى تركيا.. سواء من حيث التنوع والتنافسية والموقع الجغرافى هذا الأمر يمكن تحقيقه بسهولة فى مصر مستغلة موقعها الجغرافى غير المسبوق بن إفريقيا وأوروبا وآسيا، ليس هذا فحسب، إنما إطلالتها البحرية المتنوعة وطرقها البرية الشاسعة..

وأتصور أن ما تحقق من أعمال فى البنية التحتية فى مصر حتى الآن يؤهلنا لنبدأ وضع السياسات المطلوبة لتعظيم العائد الاستثمارى عليها وتوفير مصادر الدخل من النقد الأجنبى جراء احتلال مكانة متميزة فى سلاسل الإمداد والتوريد العالمية..

فالتعاون مع تركيا يفتح الأبواب للاقتصاد المصرى للاستفادة من التجربة وأتمنى أن نتعلم من الآخرين كيف تجاوزوا الأزمات واستطاعوا العبور إلى مراحل أكثر استقرارًا ورفاهية للشعوب.. وبناء القدرات على مواجهة الأزمات المتتالية.

فيما تشكل زيارة لولا دا سيلفا الرئيس البرازيلى «الأسطورة» متغيرًا اقتصاديًّا وسياسيًّا مهمًا لمصر ونحن على مشارف فترة رئاسية جديدة تبدأ إبريل المقبل.. فما صنعته الزيارة من نتائج يعد أمرًا محمودًا.. الزيارة أسفرت عن اتفاق بتطوير العلاقات بن مصر والبرازيل على المستويات: السياسى والاقتصادى والثقافى والزراعى والصناعى.. فتناولت ضرورة مضاعفة المباحثات الدولية حول الديون الخارجية للبلدان الصغيرة ووجوب تمثيل هذه البلدان بشكل أكبر فى مجموعة العشرين فيما تطرقت المباحثات إلى اتفاق «بريكس» والمساعى المبذولة لتعزيز العلاقات التجارية والاستثمار­ية فى هذا التكتل كى لا يرتبط العالم بعملة واحدة.. فى الحقيقة إن إجمالى التبادل التجارى بن البلدين يعد محدودًا للغاية بالنسبة للفرص التنافسية المتاحة لكلا الاقتصادين.. والجانب الإيجابى أنه فى إطار بريكس يمكن لمصر أن تحصل على العديد من الواردات الرئيسية من البرازيل مثل السكر والحبوب واللحوم، وذلك فى إطار العملات المحلية للدولتن، وحتى تستفيد القاهرة بالقدر المطلوب لا بد من تعظيم حجم صادراتها التى لا تتجاوز 450 مليون دولار مقابل 3 مليارات واردات.. وأتصور أن هذا الملف جاهز العمل عليه بشكل فورى من خلال طرح فرصة التعدين التى تحتاج إليها السوق البرازيلية، خاصة أنها صادرات استراتيجية تتمتع مصر بمزايا تنافسية بها مثل الأسمدة والحديد والزجاج.. ومن الممكن مضاعفة كميات الصادرات حتى تتحقق الاستفادة الفعلية من التعامل فى ظل دول بريكس، وإلا ستكون المحصلة النهائية لصالح الدول الأخرى وليس لصالح مصر.. وكما هى الحال فى زيارة تركيا برئيسها الذى يعد من أهم مفكرى العالم وفقًا لمجلة فوربس الأمريكية فإن «لولا» هو الأسطورة العالمية الذى نجح فى انتشال بلاده من براثن الفقر إلى رفاهية الفقراء ورفع مستواهم إلى الطبقة المتوسطة.. الرجل الذى وصفه معظم المفكرين الاقتصادين بأنه ظاهرة لابد من دراستها بعمق والاهتمام بتفاصيلها.. هذا الحداد الذى لم يكمل تعليمه ولم يمتهن السياسة منذ الصغر، نجح فى إحداث تغيير جوهرى فى البرازيل خلال فترتى رئاسته الأولى ‪-2010، 2003‬إذ رفع الحد الأدنى للأجور فوق معدلات التضخم.. ووسع برامج الحماية الاجتماعية التى تنفذها الدولة لتشمل الطبقات الفقيرة كافة.. إن ما فعله لولا فى البرازيل لا يتسع المقال لسرده ولو فى سطور وكلمات محدودة ولكننى سأكتفى بنقل جوهر رؤيته لكيفية إدارة الدولة، وهو ضرورة خلق مساحات تقارب بن المتباينات، بمعنى آخر يرى لولا دا سيلفا أهمية عدم الاستيلاء على السلطة من قبل أى مجموعة بل إدارة الأمور بفكر مبنى على علاقات مفتوحة مع الجميع لتعظيم العائد وتوسيع إمكانات الدولة ككل.. ويبدأ لولا مرحلة رئاسية جديدة بعد خروجه من السجن بعد أن أمضى 18 شهرًا لاتهامه بالفساد ولكن خرج وأثبت براءته وتقدم للانتخابات ليفوز بفترة رئاسية ثالثة تعد الأكثر خطورة نظرًا للظروف السيئة التى تعيشها البرازيل الآن وتحتاج مرة أخرى إلى إصلاحات جوهرية.. وأتصور أن العلاقات مع البرازيل الآن يمكنها أيضًا أن تقدم دروسًا مستفادة سواء كانت فى أسباب الازدهار أو الإخفاق.. ففى كلتا الحالتن التعلم واجب.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt