Al Masry Al Youm

إبداع الرئيس

فى تقديرى أنه من الجائز أن نتعامل مع مؤسسة الحوار الوطنى على أنها الجناح السياسى والفكرى والثقافى لسياسة الجمهورية الجديدة من جهة، والتحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى باعتباره الجناح الاجتماعى والاقتصادى التنموى من جهة أخرى. ومن هذا المنطلق، أتصور أنه لا

- د. منى أبوسنة تكتب:

يُعرِّف الفيلسوف د. مراد وهبة الإبداع على النحو الآتى: الإبداع هو قدرة العقل على تكوين عاقات جديدة من أجل تغيير وضع قائم مأزوم إلى وضع قادم، وأنا فى هذا المقال أستند إلى ذلك التعريف فى محاولة للوصول إلى فهم عقل الرئيس عبد الفتاح السيسى وتجليات ذلك العقل المبدع فيما يتخذه من قرارات وسياسات تنعكس على المجتمع المصرى على وجه الخصوص. وفى تقديرى أن عقل الرئيس السيسى ينطلق من وعى راسخ بضروره تجاوز الأزمات سواء كانت أزمات محلية أو عالمية بفكر غير تقليدى وغير مسبوق وذلك الوعى الحاد الذى يتسم به عقله نابع من قدرته غير العادية على اكتشاف التناقضات التى أدت إلى خلق الأزمات وتفاقمها، ويتميز وعى الرئيس الحاد بصفة اكتسبها من خلفيته العسكرية التى خلقت خبرات وتراكمات صبغت فكر الرئيس المبدع بسمة الضبط والربط والالتزام وهى صفات من تراكمات الفكر العسكرى وأظن أن هاتين الصفتين أى الإبداع من جهة، والفكر العسكرى من جهة أخرى هما ما تميزان عقل الرئيس. وعلى الرغم مما يبدو أنه تناقض بين هاتين الصفتين إلا أن هذا التناقض يتسم بأنه جدلى بمعنى أن العاقة بين الإبداع والفكر العسكرى عاقة وحدة وصراع فى آن واحد مما يؤدى إلى تراكم يسفر عنه نقلة كيفية طبقًا لقوانين الجدل.

أخلص من كل ذلك إلى تقديم قراءتى لإبداعات الرئيس كما تتجسد فى المؤسسات الجديده التى أرسى قواعدها منذ توليه رئاسة الجمهورية وأخص بالذكر مؤسستين الأولى هى الحوار الوطنى والثانية هى التحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى. إن لفظ مؤسسة يشير إلى تجمع ينشأ من فكر محدد ويقوم على نظام ورؤية مستقبلية تجسد ذلك الفكر ويتسم هذا التجمع بصفة الاستمراري­ة والدوام. وفى تقديرى أن الحوار الوطنى ينطبق عليه لفظ مؤسسة وأظن أنه فى الطريق إلى أن يصبح كذلك. أما التحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى فهو تجمع لعدة جمعيات ومنظمات غير حكومية أى أهلية تمثل المجتمع المدنى فى كيان واحد. وفى تقديرى أن مؤسسة الحوار الوطنى تمثل نواة لما يطلق عليه الظهير السياسى لسياسة الدولة وكان يتمثل فى الماضى فى سياسة الحزب الواحد مثل الاتاد الاشتراكى فى عهد الرئيس جمال عبدالناصر، وفى الحزب الوطنى فى عهد الرئيس مبارك وقد فشلت

سياسات الماضى المتمثلة فى الحزب الواحد فشاً ذريعًا وأدخلت المجتمع فى عدة أزمات، مما دعا إلى ضروره تجاوز تلك السياسات ومؤسساتها التى تقوم على نظام الحزب الواحد والفكر الواحد. إن الإبداع الذى جسده الرئيس السيسى بدعوته لإقامة الحوار الوطنى أبلغ تعبير لإقامة هذا التجاوز حيث إنه ضم غالبية التيارات الفكرية والسياسية والحزبية والمستقلين من كل الأطياف وطرح عليهم قضايا وإشكاليات من أجل الدراسة وإبداء الرأى وهو ما يشبه ما يقوم به ساسة العالم الغربى عندما يؤسسون مراكز بحثية ويستعينون بمستشارين سياسيين وفكريين يطلقون عليهم لفظ خزانات الفكر لكى يعينوا صاحب القرار فى إدارته للدولة. وبذلك تجاوز الرئيس السيسى بعقله المبدع أزمة عاقة المثقفين بالسلطة السياسية من جهة، وعاقتهم بالجماهير من جهة أخرى التى تتسم بانصراف المثقفين عن أداء دورهم الجوهرى فى تنوير المصريين وجعلهم يقومون بدورهم الغائب من خال مؤسسة الحوار الوطنى.

فى تقديرى أنه من الجائز أن نتعامل مع مؤسسة الحوار الوطنى على أنها الجناح السياسى والفكرى والثقافى لسياسة الجمهورية الجديدة من جهة،

والتحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى باعتباره الجناح الاجتماعى والاقتصادى التنموى من جهة أخرى. ومن هذا المنطلق، أتصور أنه لابد من إيجاد حلقة اتصال مباشرة بين كل من المؤسستين تكون مهمتها تبادل تغذية كل من الجناحين لبعضهما البعض من خال تبادل الخبرات التى سيسفر عنها عمل كل من المؤسستين. كمثال، أتصور أنه يجب على اللجان المختصة بالفكر والثقافة داخل الحوار الوطنى أن تغذى التحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى بما تتداوله من قيم ومبادئ ضرورية من أجل بناء عقل الإنسان المصرى بما يمكنه من أن يصبح شريكًا مسؤولًا فى بناء الجمهورية الجديدة. على الجانب الآخر على التحالف الوطنى أن يحول تلك الأفكار إلى ممارسات فى الواقع من خال الخدمات التى يقدمها للمصريين، وفى مقدمة تلك الخدمات تأتى الخدمة الوطنية الأولى وهى بناء العقل باعتباره رأس المال الحقيقى الذى تقوم عليه الجمهورية الجديدة.

ويحضرنى فى هذا المقام التجربة الفرنسية فى القرن الثامن عشر فى نشر مبادئ وقيم التنوير التى أسسها فاسفة التنوير، والتى تقوم على ضرورة إعمال العقل الناقد وعدم الخضوع لمن ينصبون

أنفسهم أوصياء على المجتمع وذلك من خال النوادى التى انتشرت فى أنحاء المجتمع والمقاهى التى انتشرت من خالها الكتيبات التى تنشر الفكر العلمى بشكل مبسط تستوعبه الجماهير. إنه من الممكن تطوير تلك التجربه فى إطار عصر الاتصالات الجماهيرية التى تتميز بالإنترنت وأشكال التواصل الاجتماعى.

خاصة القول إنه لكى تمتد إبداعات الرئيس وتتواصل مع المؤسستين سالفتى الذكر ينبغى أن يكون المنطلق الفكرى الذى يتأسس عليه عمل المؤسستين هو بناء عقل الإنسان المصرى من خال بث قيم ومبادئ العقانية والفكر الناقد وهما ركيزتان من ركائز الإبداع الفكرى الازم من أجل تطوير وتنمية المجتمع وتديثه. كما يجب التنويه بأنه من أجل تقيق تلك الغاية لا ينبغى أن يتوقف عمل المؤسستين على مجرد تقديم الخدمات المادية على الرغم من أهميتها، حيث إنها لا تؤدى إلى تغيير عقل الإنسان وتنمية المجتمع بدون تغيير وعى الإنسان بضرورة ممارسة فكره المبدع باعتباره غاية ووسيلة فى آن واحد من أجل تقيق التقدم والتنمية.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt