Al Masry Al Youm

الحل المؤقت للمشكلة الدائمة

إن الوقوع فى شرك أن المشكلة الاقتصادية تُحَلّ فقط عن طريق تخفيض سعر صرف العملة الأجنبية هو فخ.

- د. محمود العلايلى يكتب:

إن الكام عن حلول المشكلة الاقتصادية التى تمر بها مصر فى الفترة الحالية، والتى تتمحور حول فكرة تحرير سعر الصرف، أو بيع بعض أصول الدولة، أو إطاق بعض المزايا للعاملين بالخارج لإغرائهم بتحويل مدخراتهم عن طريق الوسائل الرسمية، كل هذه المقترحات ما هى إلا حلول وقتية لمشاكل دائمة، ولذلك فمن الأجدى ألّا نفكر بطريقة «هنا والآن» فقط لتمرير الحالة المحتقنة لنعود إلى المشكلة المزمنة الأصلية، ونوهم أنفسنا وقتها أننا قد وصلنا إلى الحل السعيد والوضع الرشيد.

إن المشكلة المزمنة تتركز فى عدم كفاية العملة الأجنبيةعل­ى الدوام- التى تكفى لاستيراد السلع الاستراتيج­ية، وأهمها الغذاء والطاقة، بالإضافة إلى مستلزمات الإنتاج والساح، والوفاء بالتزامات خدمة الديون وتسديدها، وهى مشاكل عالقة منذ عقود متتابعة، لم تمَلّ فيها الصحف عن تصدير عناوينها الرئيسية ب«تذليل العقبات أمام المستثمرين» و«إزالة المعوقات أمام التصنيع المحلى» أو عناوين أخرى من عينة «تشجيع التصدير» والتهليل لارتفاع الاحتياطى النقدى من العملة الأجنبية أو زيادة أرقام التصدير، وهى الأمور التى يتلقفها البعض، ويلوكونها كل مرة بنفس الشهية، ويتناولونه­ا بنفس الحماس، مع أن النتيجة لم تتغير، والمخرجات لم تتبدل، ولا مرة.

إن الوقوع فى شرك أن المشكلة الاقتصادية تُحَّل فقط عن طريق تخفيض سعر صرف العملة الأجنبية هو فخ لن يخرج منه صانع القرار ولا المواطن المستهلك لأن وحدة النقد لدى رب الأسرة وأم الأولاد ليست الدولار ولا اليورو، وإنما تُعد وحدة النقد بالنسبة لهؤلاء هى كيلو البصل وزجاجة الزيت وكرتونة البيض، بالإضافة إلى أجرة المدرس الخصوصى وفاتورة الكهرباء، وبالتالى على الحكومة- فى الوقت الذى تحاول فيه أن تكبح جماح أسعار تلك البنود لتخفيف العبء- أن تتوجه نحو الحل الذى تعرفه جيدًا، وهو التركيز على التصنيع، ولكن بعد أن تكشف عن السبب الحقيقى الذى يعوقها وأعاق كل الحكومات التى سبقتها عن الانتقال من مرحلة الكام إلى مرحلة التنفيذ.

إن أهم ما يعرقل النشاط الخاص بالصناعة هو ذهنية المشرع، الذى أحاط الأنشطة الاقتصادية بكم هائل من القوانين المتشابهة والمتباينة والمتضاربة، وما يلحقها من لوائح تنفيذية تعوق ما سمحت به القوانين، وتعطل ما يمكن اعتباره تسهياً، أما النقطة الأخرى فهى الخلط فى فهم طبيعة الصناعة كما يجب، فبعض السلطات التنفيذية تنظر إلى الصناعة وكأنها نشاط يؤدى إلى مكاسب فورية، وبالتالى يجب مص دم المستثمر من خال الرسوم المعلومة وأخرى مفاجئة، بالإضافة إلى الغرامات والمخالفات، دون النظر إلى المكاسب المباشرة وغير المباشرة الناجمة عن نشاط التصنيع من ضرائب وتشغيل وتشجيع ساسل الإمداد والتوريد وازدهار الصناعات المغذية للصناعة الرئيسية، بالإضافة إلى الدخل من العمات الأجنبية فى حالة التصدير.

أما النقطة الأهم من وجهة نظرى فى مسألة التشريع والتنفيذ، فهى أنه يجب إدراك هذا النوع من النشاط الإنسانى على أنه نشاط هادف للربح، وأن هدف الربح هدف مشروع، وأن استهداف زيادة الأرباح وتعظيمها من النوازع الإنسانية التى لا يمكن إنكارها، ولذلك يجب أن يرسخ فى عقيدة الجانب الحكومى أن تعاظم تلك المكاسبمن طرق شرعية- يؤدى تلقائيًّا إلى تعاظم مكاسب الدولة من وراء نشاط هذا المستثمر فى القطاع الصناعى، وسواء كان المستثمر مصريًّا أو غير ذلك، فإن تغيير الذهنية يُحتم بشكل قطعى العمل على تحسين بيئة الاستثمار الصناعى بالشكل الذى يضمن نجاحه، وتحصيل أعلى العوائد التى تعود على المستثمر والدولة معًا، مع التأكيد على طرد أى عنصر قد يؤدى إلى كبح هذا الاندفاع، أو أى تفكير قد يعود بنا إلى مانشيتات الصحف وساحات الرغى.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt