Al Masry Al Youm

شكل الصراع فى الشرق الأوسط وأهميته فى ميزان القوى الدولية

- يسرى عبيد

لا تزال منطقة الشرق الأوسط تحظى بنصيب الأسد من التوترات والنزاعات على مدار عشرات السنين الماضية، بداية من نصف القرن العشرين.. ولهذا أسباب شتى حاول الكتاب والمتخصصون البحث عنها وفيها، ومنها هذا الكتاب الذى نحاول إلقاء الضوء على بعض ما جاء فيه، وهو كتاب «الشرق الأوسط والصراع الدولى»، والذى يحاول مؤلفه يحيى أحمد البحث عن أهمية الشرق الأوسط ومكانته فى ميزان القوى الدولية فى منتصف الثمانينات لكل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى حينها، حيث يبدأ بالقول إن عالم الشرق الأوسط والمحيط الهندى نقطة الارتكاز لهذا العالم الثالث الأفرو آسيوى بمعظمه أصبح وتحديدًا منذ الثمانينيا­ت الملعب والهدف للسياسة الاستراتيج­ية لكل من القوتين العظميين، خاصة بعد انفراد واشنطن بإبرام اتفاقية كامب ديفيد عام 19٧٨ والوجود السوفيتى فى أفغانستان فى سنة 19٧9 وإعان ريجان عن سياسته فى الشرق الأوسط التى تستند إلى نظرية الإجماع الاستراتيج­ى مع دولة ضد الخطر الشيوعى، بهدف تحقيق هدف واشنطن فى المنطقة وهو الهيمنة على بتروله وقوة الثروة العالمية السائلة فيه وإبعاد السوفييت عن رأس الجسر فى المواصات البحرية ما بين آسيا وإفريقيا.

وكان السؤال المطروح منذ بداية عصر التغييرات فى هذا العالم 19٧٦ والتى تعقدت بأزمة حروب الوفرة الاقتصادية المتوازنة بين القوتين العظميين منذ 19٧٧ حتى 19٨٥ هو كيف تحافظ الولايات المتحدة الأمريكية على مصالحها القومية فى هذا العالم - بالقوة المتفوقة على قوة السوفييت - وأن تؤسس صات سياسية حسنة مع دول هذا العالم خاصة بعد أن أصبحت شريكًا كاماً لدوله بموجب اتفاقية كامب ديفيد؟ ثم كيف تؤمن سياسة التوازن فى حروب الوفرة الاقتصادية مع السوفييت ومنع موسكو من أخذ زمام المبادرة فى التدخل فى هذا العالم وإبعادها إن تم التدخل؟.

ويشير إلى أن اندفاع واشنطن إلى الشرق الأوسط كان بهدف الاستفادة من ثروته المعدنية السائلة والاستفادة من قوته فى السائل النقدى المتداول عالميًا ولأن هذه القوة كانت تمثل فى أوائل السبعينات حوالى ثلث النقد المتداول عالميًا، وهى تندفع إلى الامتداد على أرضه لأنه يمثل الخلفية الاستراتيج­ية الحامية لدائرتها الثابتة فى غربى أوروبا. أما موسكو فتعاملت مع هذا العالم لأهميته الاستراتيج­ية بالنسبة لإمبراطوري­تها البرية وهى فى سبيل ذلك اندفعت إلى دوله عبر أسلوب الصداقة والتعاون بواسطة دائرة السام لوقف الامتداد الأمريكى فيه.

وبقراءة أوضح، فإنه يمكن القول بالاعتماد على تطور الأحداث أن الاتحاد السوفيتى، ليس بالأمر المحدث فى هذا العالم فهو متواجد فيه منذ 1٤٥3 وحتى اليوم، أما واشنطن فهى الأمر المحدث فى العاقات الدولية فى هذا العالم، لأنها ورثت الدور البريطانى، وعليه فإن السوفييت يتحركون فى هذا العالم بتفوق على الأمريكيين لأنهم كانوا استوعبوا دورس الماضى فيه وخاصة بالنسبة لأفغانستان وإيران لأنهم كانوا قد نشطوا قبل الحرب العالمية الأولى فى هذا العالم للحفاظ على مصالحهم القومية والتى مثلت أفغانستان أحد أهم مرتكزات اندفاعهم نحو هذا العالم والتى بسبب الحفاظ عليها - أى على أفغانستان - اقتسموا مع بريطانيا )إيران( بموجب الاتفاق الموقع بينهما سنة .19٠٧ ويعزو الكاتب أسباب الاهتمام بالمحيط الهندى بين موسكو وواشنطن إلى أن المحيط الهندى هو أقرب نقطة من المراكز الصناعية والسوفييتي­ة الاستراتيج­ية وخاصة صواريخ إس إس )2٠( والتى تستطيع إن عدلت أن تضرب أهدافًا استراتيجية فى قلب الولايات المتحدة الأمريكية، والتخوف الأمريكى من هذه الصواريخ يرتكز إلى أن إنتاجها ليس خاضعًا للقيود التى تحد من إنتاج الأسلحة الاستراتيج­ية لأنها من الأسلحة المتوسطة؟ كما أنه المحور الذى يربط فيه الجزء الأكبر من الغواصات الذرية الأمريكية والبريطاني­ة والفرنسية، فالولايات المتحدة تحتفظ فيه بقاعدة بحرية وجوية ضخمة فى جزيرة دييجو جارسيا التى استأجرتها من بريطانيا.

وتجاه هذا الوجود الأمريكى فى هذه المنطقة دفع الاتحاد السوفيتى بأسطول بحرى كبير إلى المحيط الهندى، ووزع خال الأعوام الماضية غواصاته النووية بالقرب من ساحل الصين الشعبية. مما أصبح - المعسكر الغربى - يخشى أن يفقد قدرته فى يوم من الأيام على السيطرة على الطرق التجارية الرئيسية فيه، لذلك تفجر الصراع الدولى فى هذه المنطقة وفى شواطئ البحر الأحمر بعد انتهاء الوجود السوفيتى فى الصومال، وانتقال هذا الوجود السوفيتى إلى ما حول جزيرة سقطرى وفى إثيوبيا. كما أن العالم العربى هو الآن كما كان قباً، برميل بارود، قابل لانفجار فى أى وقت وفى أى مكان من منهويتشابه بمظهره هذا مع حال البلقان قبل الحرب العالمية الأولى.

ويشير المؤلف إلى أن القوتين ما زالتا تنظران إلى العالم العربى كمنطقة فراغ سياسى )كما نظرتا إلى ألمانيا عقب الحرب العالمية الثانية( كل قوة تدعى أن لها فيه مصالح قومية تعمل للحفاظ عليها بأية وسيلة، وهذا ما أكده أكثر من مسؤول من القوتين أكثر من مرة وفى أكثر من مناسبة وخصوصًا من الجانب الأمريكى، من أيزنهاور إلى كينيدى إلى كارتر إلى ريجان ومن دالاس إلى سيسكو وروجرز إلى كيسنجر إلى فانس إلى شولتز.

وهذا يشير إلى أن القوتين أصبحتا على أرضه متجاورتين كما ك كانتافى برلين عام 19٤٧ وقبل أزمة برلين المش المشهورة سنة 19٤٨ التى سجلت فيها واشنطن هدفًا عزيزًا فى المرمى السوفيتى فى الحرب الباردة الدائرة بينهما وبالمقابل فهل ستسجل واشنطن هدفًا عزيزًا آخر فى المرمى السوفيتى فى عالم الشرق الأوسط والمحيط الهندى؟ جوزيف سيسكو الدبلوماسى الأمريكى الذى عالج القضية الشرق أوسطية منذ كان مساعدًا لوزير الخارجية الأمريكية فى أواخر الستينات نشرت له واليو اس نيوز أندورلد ريبورت الوثيقة الصلة بدوائر وزارة الخارجية الأمريكية، فى نوفمبر 19٧٧ تصريحًا جاء فيه أن الولايات المتحدة قادرة على إحداث تغييرات فى مراكز القيادة فى المنطقة - أى عالم المحيط الهندى والشرق الأوسط - لصالح التسوية فيها.

ويبقى السؤال ماذا عن مصير الشرق الأوسط والحوض الشرقى للبحر المتوسط - خصوصًا - فى وسط هذا الزحام الدولى على أبوابه البرية والمائية خصوصًا وحتى الجوية؟ هل ستبقى هذه الأبواب مفتوحة كما كانت أبواب معبد جانوس إبان عهد القلق فى البحر المتوسط - مع الفارق فى المعطيات الزمنية والتاريخية - ما بين 2٦٤ ق. م إلى 29 م. أم أن أبوابه هذه ستغلق كما أغلقت أبواب معبد جانوس بعد أن عم السام الرومانى حوض البحر المتوسط؟ إن الإجابة على هذا السؤال متروك أمرها لظروف متغيرات الصراع الدولى الدائر على مسرح الخريطة الجغرافية للعالم.

 ?? ?? غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt