Al Masry Al Youm

أطفال فلسطين.. قرن كامل من المعاناة الرهيبة

- د. عمار على حسن

لا أعتقد أن أطفالًا فى هذا العالم يعانون كما هم فى فلسطين، خصوصًا فى قطاع غزة، والضفة الغربية، فكل الحروب، بما فيها أوسعها نطاقًا وأشدها فتكًا كالحربين العالميتين، لها زمن محدد، حتى لو استغرقت سنوات، ثم تضع أوزارها، فتعطى الناس فرصة لالتقاط الأنفاس، وتضميد الجراح، واستعادة الحياة الغاربة، واستبدال الحكايات المؤلمة التى صنعتها الحروب بأخرى فيها من اللذة والطرافة والتسلية ما يُعيد إلى النفوس التسرية والبهجة، فى ظل السكينة والسلام. أما الحرب على أرض فلسطين فلم تتوقف، تشتد وتستعر، ثم تتراجع، لكنها لا تخمد أبدًا، إلى أن تشتعل من جديد.

على مدار قرن لم يمر يوم إلا وأطفال فلسطين على موعد مع معاناة، أقلها هو هدم البيوت أو سلبها، واقتلاع الزروع، والتخويف أو الترهيب، ومنع المرور أو المحاصرة، لتأتى بعدها الإصابات الجسدية البالغة والقتل لأفراد أو جماعات، حتى إنه فى بعض الحالات قد يفقد طفل كل أسرته فى اعتداء من قِبَل مستوطنين أو جنود إسرائيليين، ليجد نفسه وحيدًا فى وجه دنيا بالغة القسوة، حين يتنكر أهلها لحقه فى العيش الهادئ الهانئ الكريم، أو حتى المناسب لحياة بسيطة آمنة.

وطول زمن المواجهة، وعمق الشعور بعدالة القضية، والوعد الدائم بالانتصار، جعل الطفل الفلسطينى يختلف عن غيره من أطفال المجتمعات التى تعانى ويلات الحروب، لأربعة عوامل أساسية، هى:

١- التحدى والاستجابة الذاتية: حيث يقع الطفل الفلسطينى دومًا فى دائرة واسعة من التحديات، فيتعلم، بالفطرة والغريزة والتجربة، أن يصنع استجابة على قدر التحدى، ليس من زاوية الجَلد والصبر فقط، بل أيضًا الإحساس العميق بالواجب، حيال أهله، ثم أرضه ابتداء من البلدة التى يقطنها إلى مساحة فلسطين كلها.

هذا الشعور نقل الطفل الفلسطينى من حيز الانتظار إلى الاستباق، ومن القابلية إلى الفاعلية، أى من الفرجة إلى المشاركة، فصار يناضل كتفًا بكتف إلى جانب الصبية والشباب والرجال، حتى إنه انتزع لنفسه مكانًا أطلق عليه العالم ذات يوم «أطفال الحجارة» حين اندلعت الانتفاضة الفلسطينية فى ديسمبر من عام ١٩٨٧، لنجد أطفالًا يقذفون الدبابات الإسرائيلي­ة بالأحجار، وهم يقفون فى تحدٍّ وكبرياء أمام الجنود المحتمين بها. وقد يستبدل الطفل الحجر كنوع من المقاومة المادية الظاهرة، إلى مقاومة رمزية تتمثل فى رفع عَلَم فلسطين فى وجوه المستوطنين والجنود الإسرائيلي­ين تعبيرًا عن رفض القهر، والتشبث بالوطن.

)تتمة المقال ص١2)

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt