Al Masry Al Youm

مذكرات أخت إدوارد سعيد تحفة تاريخية

تحكى جين عن مدارسها فى القاهرة وصعوبة إجادة العربية فى مدرسة بريطانية. وبعد العدوان الثلاثى على مصر عام 1956 أمم عبدالناصر المدارس الأجنبية وقام بتغيير المنهج، وكان الدرس الأول عن فلسطين.

- د. محمد أبوالغار يكتب:

كتبت جين سعيد مذكراتها باللغة الإنجليزية وترجمتها للعربية د. هالة كمال بعنوان «جدتى وأمى وأنا»، وصدرت عن المركز القومى للترجمة. فى المقدمة تكتب عن حب العائلة للغة العربية والشعر، وتحكى عن تاريخ العائلة، والجدة «تيتا منيرة» التى ولدت فى حمص عام 1880 وتزوجت فى الناصرة بفلسطين، وأنجبت الأم هيلدا عام 1914 فى الناصرة التى تزوجت أحد أغنياء الفلسطينيي­ن فى القدس وكان يعيش فى القاهرة. وولدت جين فى القدس عام 1940.

تحكى جين عن مدارسها فى القاهرة وصعوبة إجادة العربية فى مدرسة بريطانية. وبعد العدوان الثلاثى على مصر عام 1956 أمم عبدالناصر المدارس الأجنبية وقام بتغيير المنهج، وكان الدرس الأول عن فلسطين. وكانت تعبر باللغة الإنجليزية التى تعشقها، وتحدثت عن عشقها للسينما المصرية.

الجدة «تيتا منيرة» تعلمت فى بيروت فى مدرسة بريطانية بروتستانتي­ة. وتزوجت وعاشت فى فلسطين. وفى عام 1932 حضرت من القدس السيدة نبيهة سعيد لتخطب هيلدا أم كاتبتنا لأخيها الذى يعيش فى القاهرة، وحضر وديع سعيد من القاهرة وأعجب بها رغم فارق السن، وتمت الخطبة فى 1932 وبعدها تم الزواج والانتقال إلى القاهرة. وعاشت مع ابنتها جين سعيد مؤلفة الكتاب تحت الاحتلال البريطانى، وشهدت حركة الضباط عام 1952 وتركت العائلة مصر بسبب قرارات ناصر الاشتراكية إلى بيروت وتتزوج جين فى بيروت وترحل لأمريكا مع الزوج ليرجعا للحياة فى بيروت وحتى الآن.

اهتمت جين بأن تبرز دور المرأة على مستوى الجدة والأم ودورها فى الحياة. وتحكى جين عن طفولتها فى القدس حيث ولدت وتذكر أفراح العائلة حين كانت تلبس فستانا مطرزا وتمسك بذيل فستان العروس، وكيف كانت تزور الأقارب فى حيفا وفى صفد. وتذكر الجنود البريطانيي­ن فى شوارع القدس، ثم تحكى عن ضياع وطنها فلسطين وتتحدث عن مشاعر الأصدقاء والأقارب الذين لجأوا إلى القاهرة عندما اشتدت الحرب، وكانوا يعتقدون أنهم سوف يعودون.

فى القاهرة عاشت جين طفولتها وشبابها حتى أوائل الستينيات وتحكى عن جدتها وأمها وطقوس الحمام وتمشيط الشعر وعلاج المرض بأكل بيضة نيئة وهى وصفة جدتها. وتحدثت عن الأب المشغول بالعمل والأم فى البيت وأنواع الأكل الشامى والمصرى.

وكانوا يسكنون فى الزمالك وكانوا أعضاء فى نادى الجزيرة الذى كان محرما على المصريين، وأذكر فى مذكرات إدوارد سعيد أنه كان فى النادى فى سن المراهقة، وشاهده إنجليزى عنصرى فناداه وسأله عن اسمه، وعندما عرف أنه عربى هاج وماج وسأل كيف يدخل إلى النادى، لكن العائلة كانت تحمل الجنسية الأمريكية من الأب. وكانت العمة منشغلة فى رعاية اللاجئين الفلسطينيي­ن فى القاهرة.

بيت عائلة سعيد كان عموده الأساسى النساء والبنات ومعهن الخادمات ومصففات الشعر وعاملات المانيكير والباديكير. وتتحدث عن أخيها إدوارد سعيد الذى يكبرها بخمس سنوات وشقاوته كطفل فى القاهرة، وتقول إن نموذج الرجولة عندها أبوها الذى لم يمارس العنف والقهر، بل كان يحب الرقة والطيبة. وكان والدها قد قضى فترة من شبابه فى أمريكا وكانت فترة ناجحة. وتقول إن إدوارد سعيد كان يشاكسها فى فترة الطفولة، وكانت علاقتهما متميزة، وكانت تشجعه وهو يلعب التنس ثم يعزف البيانو بمهارة، وكانا صديقين طوال العمر حتى رحل عن دنيانا عام 2003 بعد أن أصبح نجما عالميا.

كانت أمها تخرج فى طفولتها فى نزهات طويلة فى ريف فلسطين، وكان أبوها والأصدقاء يعزفون على العود. وكانت تطوف الزمالك على الدراجة وتذهب إلى الصحراء وهرم سقارة. لكنهم كانوا معزولين عن شعب القاهرة. كانت فى القاهرة فى فترة الغليان ضد بريطانيا وضد الملك وكانت هجمات الوطنيين على المنشآت البريطانية مستمرة.

وعندما سألت أمها لماذا لم تلحقها بمدرسة مصرية حكومية أجابت الأم «بلاش سخافة»، وتقول إن الفواصل الاجتماعية كانت كبيرة وكان على الجميع احترامها. وكانت تأخذ دروسا فى البيانو مع هدى ونادية جندى جيرانهما وهما أصبحتا من نجوم كلية آداب جامعة القاهرة ومن قيادات حركة 9 مارس للدفاع عن الحريات الأكاديمية. وكانت الأسرة ملتزمة بالذهاب إلى الكنيسة كل يوم أحد.

تصف القاهرة التى كانت تحترق فى يناير 1952 وهى ترى الدخان من البلكونة فى الضفة الأخرى من النيل. ووصل إليهم الخبر بأن محل والدها التهمته النيران، وكان والدها منكسرا بسبب الخسارة الهائلة، وكانت العائلة قد فقدت قبل ذلك فى فلسطين ممتلكاتها ومركز ثقلها ومع ذلك تماسكت العائلة. وعوضت الحكومة المصرية كل الأماكن التى دمرت وعاد الأب إلى عمله. وتحكى قيام حركة الضباط فى يوليو 1952 وكانت العائلة تقضى فصل الصيف فى لبنان وكانوا يتابعون ما يحدث فى مصر وهل سوف تتحول إلى ديكتاتورية عسكرية. وكان أبوها وأمها بالرغم من انتمائهما إلى طبقة عليا ثرية إلا أنهما كانا يشعران بالغضب الشعبى، ومن تجربتهما فى فلسطين كانا يشعران بأن تغييرا سوف يحدث. وكان الوالد يحب لعب الجولف والتنس فى نادى الجزيرة. وكانت البنات تلبسن الموضة ولهن خياطة أرمينية لازمتهن. وكن تذهبن إلى السينما ومسرح الريحانى وفى شم النسيم تذهبن إلى القناطر.

وأثناء حرب السويس كان عمرها 16 عاما، وحين أمم عبدالناصر قناة السويس وكانت تجلس مع هدى ونادية جندى صديقتيها ليستمعن إلى خطاب عبدالناصر وكن معجبات به، ورفضت العائلة نزولهن مع الجماهير. وحين غادرت المدرسات الإنجليزيا­ت مصر وذهبن لوداعهن استغربت أنهن لم يشعرن بذرة اعتراض على الهجوم البريطانى.

وبعد السفر إلى بيروت سافرت جين إلى أمريكا بعد أن تزوجت فى بيروت فى حفل كبير إلى سمير مقدسى وعاشت فى عزلة فى واشنطن، ثم عادت إلى بيروت ليعمل زوجها فى الجامعة الأمريكية واستمرت إلى الآن بعد أن عاشت الحرب الأهلية الرهيبة فى لبنان.

الكتاب كبير يشرح الحركة الثقافية والتجارية والفنية بين مصر والمشرق العربى.

قوم يا مصرى مصر دايما بتناديك.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt