Al Masry Al Youm

كانوا ثلاثة

- خط أحمر سليمان جودة

سوف يكتب التاريخ لاحقًا أن منظمة الأمم المتحدة إذا كانت قد عرفت تسعة من الأمناء العامين على رأسها، فإن ثلاثة منهم فقط هُم الذين بقيت أسماؤهم فى ذاكرة الناس.. أما الآخرون فقد مروا مرور العابرين!.

ولا بد أن أنطونيو جوتيريش، الأمين العام الحالى، سوف يظل واحدًا من الثلاثة، أما أولهم فكان داج همرشولد، ذلك الأمين العام الشجاع، الذى لما وقع العدوان الثلاثى على مصر فى 1956 لم يغمض عينيه، ولكنه اتخذ موقفًا لا يزال مثالًا لشجاعة المسؤول فى منصبه.

كان همرشولد هو الأمين العام الثانى فى مسيرة الأمم المتحدة، وكان سويدى الجنسية، وعندما شنت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل عدوانها الثلاثى وقف يقول إن احترام ميثاق المنظمة أهم عنده من أى أهداف سياسية لأى دولة، وأن الميثاق مرجعه الأول والأخير.. وكان مما قاله أيضًا أنه إذا تصورت أى دولة أنها تستطيع أن تتصرف بعيدًا عن مبادئ الميثاق فمن حق الأمين العام فى المقابل أن يتصرف بالطريقة التى يراها مناسبة.. وقد دفع الرجل ثمن شجاعته بطريقة لم يتخيلها، لأن طائرته تحطمت بعدها، عندما كان فى رحلة عمل إلى إفريقيا!.

أما الثانى فكان بطرس غالى، الذى رفض الاحتفاظ فى درج مكتبه بتقرير عن مذابح قانا الإسرائيلي­ة فى لبنان، فدفع الثمن هو الآخر، وكان الأمين العام الوحيد الذى لم يجددوا له لفترة ثانية.. وكانت مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأمريكية وقتها، قد راحت تتوعده، ولكنه لم يشأ أن يبالى بها ولا بما كانت تقوله!.

أما جوتيريش فلا يقل عنهما فى شجاعته، وإذا شئت فراجع موقفه من حرب الإبادة التى تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر.. وعندما زار معبر رفح يوم 23 مارس، كان يفعل ذلك للمرة الثانية، وكان منذ بدء الحرب أكبر داعية إلى وقفها بأى طريقة، وكان بالطبع يعرف أنه سيكون هدفًا لسهام لا تتوقف من تل أبيب!.

وقد وصلت السهام إلى حد أن يسرائيل كاتس، وزير خارجية الدولة العبرية، وصف الأمم المتحدة فى عهده بأنها تؤوى الإرهاب وتشجعه!.. ومن قبل كان وزير خارجية إسرائيل السابق قد اشتبك معه فى مقر الأمم المتحدة فى نيويورك، ثم قال إنه لا يصلح أمينًا عامًا، لا لشىء إلا لأنه انتصر للأبرياء من المدنيين والأطفال والنساء فى القطاع!.

ولكن هذا كله لم يمنعه من مواصلة اتخاذ موقفه النادر، ولا أحد يعلم ما إذا كان سيدفع ثمن ذلك أم لا؟.. فهو على كل حال فى فترته الثانية، ولا حق له فى ولاية جديدة، ولكن ليس هذا بالطبع هو دافعه فى موقفه الإنسانى والسياسى الرفيع.

أنطونيو جوتيريش أحيا سيرة داج همرشولد وبطرس غالى بين الناس، وبدا فى كل مرحلة من مراحل الحرب متمسكًا بشجاعته ومستعدًا لدفع ثمنها!.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt