Al Masry Al Youm

الجرائم ضد الإنسانية أحد الانتهاكات الدولية المرتكبة فى قطاع غزة

تعد جريمة الاختفاء القسرى من أخطر الجرائم ضد الإنسانية، وذلك لما تتركه من آثار سلبية فى نفسية كل من الضحية وأهلها نظرًا لما يخلفه غياب الضحية المفاجئ. وجريمة الاختفاء القسرى فى بعض الأحيان تنقلب إلى المساس بالحياة.

- * دكتور القانون الدولى العام وباحث بالمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيج­ية * د. محمد حربى يكتب:

عادت القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد الإقليمى والدولى بعد عقود من المفاوضات، بما لا يضع مجالًا للشك أن الجرائم المرتكبة بقطاع غزة أحدثت العديد من التغيرات على العديد من المستويات، وفى مقدمتها المستوى الدولى، فقد عادت القضية الفلسطينية كقضية شعب يريد الخلص من الاحتلل، ولا يمكن أن يتم حل القضية الفلسطينية كما تريد إسرائيل، بل بما يتم التوافق عليه من الجانبين.

ومنذ 7 أكتوبر 2023 ارتُكب ضد السكان المدنيين فى غزة كافه أشكال الجرائم الدولية.

فالجرائم الدولية بصفة عامة من المهددات الخطيرة لحياة الإنسان والدول، فهى تعد من أشد الجرائم خطورة على المجتمع الدولى، وهى المتمثلة فى الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب وجرائم العدوان، والجرائم ضد الإنسانية بصفتها أحد أصناف الجرائم الدولية فإنها كانت ومازالت تُرتكب على نطاق واسع بسبب نزعة السيطرة والبحث عن النفوذ والقوة والتطلع إلى السلطة والسيادة والتى أدت إلى ارتكاب أنواع متعددة من الجرائم، وعليه فقد أدرك المجتمع الدولى أن الجرائم ضد الإنسانية هى أكثر الجرائم المتعلقة بحقوق الإنسان، فعمل على تفادى وقوعها ومعاقبة مرتكبيها عن طريق تجريم كل مساس بالحياة وبالسلمة الجسدية والمعنوية للفرد.

وقد ارتكب فى قطاع غزة أكثر من صورة من الجرائم ضد الإنسانية فقد دمرت قوات الاحتلل الإسرائيلى أحياء بكاملها، وتم استهداف المدنيين بشكل عشوائى بالقتل والاعتقال والتشريد والتهجير القسرى من قطاع غزة، ومارست قوات الاحتلل العقوبات الجماعية والاعتقالا­ت التعسفية الجماعية وغيرها من الجرائم ضد الإنسانية التى مازالت تُرتكب حتى كتابه هذه السطور.

وهو ما سوف نوضحه ببيان بعض الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة بحق الفلسطينيي­ن بقطاع غزة على سبيل المثال لا الحصر:

صور الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة فى غزه: أ- القتل العمد لكى يكون القتل العمد كإحدى الجرائم ضد الإنسانية لابد أن يُمارس بصفة منتظمة لها طابع الاستمرار والانتشار، دون أن يأخذ شكلً فرديًا موجهًا إلى إنسان بذاته، فقد يكون قتلً جماعيًا أو جزءًا من ممارسة الإبادة، وقد يكون قتلً فرديًا موجهًا ضد أشخاص معينين بذواتهم كنوع من الترهيب.

وتضمن النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية على أركان جريمة القتل العمد التی تشكل جريمة ضد الإنسانية، وهى: - أن يقتل المتهم شخصًا أو أكثر. - أن يرتكب السلوك كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجی موجه ضد سكان مدنيين.

- أن يعلم مرتكب الجريمة أن السلوك جزء من هجوم واسع النطاق أو منهجى موجه ضد سكان مدنيين أو أن ينوى أن يكون هذا السلوك جزءًا من ذلك الهجوم.

فوفقًا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، حتى فبراير 2024، قُتل ما لا يقل عن 28775 فلسطينيًا فى قطاع غزة منذ 7 أكتوبر ،2023 وحوالى 70 بالمائة من الذين قُتلوا هم من النساء والأطفال، بحسب التقارير، وتفيد التقارير بأن 68552 فلسطينيًا أصيبوا بجروح. ب- جريمة الإبادة: يعتبر جوهر جريمة الإبادة فى إنكار حق بقاء مجموعات بشرية بعضها أو كلها، فضلً عن منافاتها للأخلق ومبادئ الأمم المتحدة، ولارتكاب فعل الإبادة يلزم أن يقتل مرتكب الجريمة شخصًا أو أكثر بما فى ذلك إجبار الضحايا على العيش فى ظروف تؤدى حتمًا إلى هلك جزء من مجموعة من السكان، ويمكن أن تشمل هذه الظروف الحرمان من إمكانية الحصول على الأغذية والأدوية، وهو

ما تفعله دولة الاحتلل حاليًا فى قطاع غزة من منع وصول المساعدات الإنسانية للقطاع.

وزاد من حرب الإبادة والانتقام من المدنيين للضغط على المقاومة، فقد تم ارتكاب الآلاف من المجازر بحق الأطفال والنساء وأهالى القطاع التى راح ضحيتها آلاف الشهداء، بالإضافة إلى تدمير البنية التحية والمساكن والمؤسسات والمساجد والمستشفيا­ت والجامعات والمدارس حتى وصل التدمير إلى ما نسبته 70% من القطاع. ج- الإبعاد والنقل القسرى للسكان: نقل السكان المدنيين من أماكنهم المعتادة إلى أماكن أخرى دون مبررات يسمح بها القانون الدولى هو أمر محرم، أيًا كان المكان الذى سوف يُنقلون إليه، فل يوجد أى سبب أو دافع قانونى أو شرعى لإجازة مثل هذه التصرفات نظرًا لما تتركه من انعكاسات جسيمة على المنقولين لإبعادهم عن ديارهم وفقدان ممتلكاتهم وفقدان أمنهم واستقرارهم.

ويُقصد بالإبعاد القسرى نقل مجموعة كبيرة من السكان بالقوة من منطقة إلى أخرى ضمن سياسة حكومية، ويشمل كلً من النقل والإخلء القسرى والترحيل القسرى وإجبار السكان على الابتعاد عن موطنهم وأملكهم.

وذلك ما فعلته دولة الاحتلل الإسرائیلى بإبعاد الفلسطينيي­ن عن موطنهم، فالعبرة بإرغام السكان قسرًا على النقل من مكان لآخر دون رضاهم، ويكون الإرغام ليس بالقوة المادية فقط، فمن الممكن أن يتخذ أشكالًا أخرى كالتهديد باقتراف أفعال إجرامية ضدهم، وتم ذلك فى قطاع غزة حيث صدر بيان عن منظمة الأونروا فى الأيام ال100 الماضية عن أن القصف المستمر فى جميع أنحاء قطاع غزة تسبب فى نزوح جماعى لمجتمع فى حالة تغير مستمر، حيث تواصل إجبارهم على مغادرة أماكن معيشتهم، فقط للنتقال إلى أماكن غير آمنة، وأثرت هذه الحرب على أكثر من 2 مليون شخص، أى جميع سكان غزة. وفى أعقاب تكثيف الغارات الجوية على رفح نزح ما يصل إلى 1.7 مليون شخص )أو أكثر من 75 بالمائة من السكان( فى مختلف أنحاء قطاع غزة. د- الختفاء القسرى للأشخاص: تعد جريمة الاختفاء القسرى من أخطر الجرائم ضد الإنسانية، وذلك لما تتركه من آثار سلبية فى نفسية كل من الضحية وأهلها نظرًا لما يخلفه غياب الضحية المفاجئ. وجريمة الاختفاء القسرى فى بعض الأحیان تنقلب إلى المساس بالحياة لأن الضحايا فى أغلب الأحيان لا يعودون، ووفقًا لتقرير منظمة الأونروا وقعت عدة عمليات تفتيش واعتقال نفذتها القوات الإسرائيلي­ة أدت إلى مواجهات مع الفلسطينيي­ن فى فبراير الماضى، اعتقل ستة فلسطينيين خلل عملية تفتيش واعتقال فى عزون، شمال الضفة الغربية، وأفادت التقارير بأن تلك القوات أطلقت الذخيرة الحية ما أدى إلى إصابة فلسطينى واحد، واعتقال 16 فلسطينيًا، كما نفذت القوات الإسرائيلي­ة عملية تفتيش واعتقال فى تل شمال الضفة الغربية.

وختامًا نرى أنه لمواجهة تلك الجرائم التى ارتكبتها دولة الاحتلل على دول العالم تحمّل مسؤولياتها والتزاماته­ا الدولية للعمل على ملحقة دولة الاحتلل الإسرائيلى على ما ارتكبته من جرائم دولية بحق الفلسطينيي­ن، وتحميلها المسؤولية الدولية المدنية والجنائية عما اقترفته فى فلسطين، وعدم إخضاع تلك المسؤوليات لاعتبارات سياسية، وإلا فإننا نكون أمام عدالة انتقائية ومزدوجة المعايير، وستظل قوات الاحتلل الإسرائيلى تنتهك قرارات الشرعية الدولية وتخرق القانون الدولى بارتكاب الجرائم الدولية بحق الفلسطينيي­ن، فى ظل غياب ضوابط العمليات العسكرية برًا وجوًا، وستظل العمليات العسكرية موجهة إلى تدمير القطاع وقتل أبنائه.

 ?? ?? جانب من آثار الدمار فى غزة
جانب من آثار الدمار فى غزة
 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt