قادة الابتكار فى عام )2023)

من المؤكد أن أداء الدول صاحبة الريادة العالمية فى مجال الابتكار والإبداع وما تبنته من سياسات معرفية وتنموية، يُمثل مصدرا مهما لمراجعة وتحديث الاستراتيجيات الوطنية لبلدان العالم فى هذا المجال.

يشير دليل الابتكار العالمى الصادر فى نهاية عام ((2023 إلى استمرار نتائج السنوات السابقة من ناحية، وظهور نتائج جديدة يتعين تحليلها ودراسة انعكاساتها المُباشرة وغير المُباشرة من ناحية أخرى. إذ استمرت معظم دول الشمال الأوروبى صغيرة المساحة وعدد السكان فى الظهور ضمن المراكز العشرة الأولى من الدليل. فقد احتلت سويسرا والسويد رأس قائمة الابتكار عالميا، وتقترب فنلندا )السادسة عالميا( من المراكز الخمسة الأولى، حيث تقدمت ثاثة مراكز هذا العام وتأتى فى المقدمة على جميع دول العالم فى البنية التحتية. كما احتفظت الدنمارك بالمرتبة التاسعة عالميا. وقد حسنت جميع اقتصادات بلدان الشمال الأوروبى والبلطيق الثمانية ترتيبها بوجه عام، باستثناء النرويج وأيسلندا )الترتيب التاسع عشر والعشرون(. وبالنسبة لدول غرب أوروبا، احتفظت كل من بريطانيا وألمانيا بالمرتبتين الرابعة والثامنة على التوالى، وتقدمت فرنسا مرتبة واحدة لتحصد المركز الحادى عشر عالميا. كما حققت بلدان أمريكا الشمالية مراكز عالمية متقدمة. حيث احتلت الولايات المتحدة الأمريكية المرتبة العالمية الثالثة )بتراجع مركز واحد عن العام الماضى(، واحتفظت كندا بالمرتبة الخامسة عشرة عالميا.

بيد أن الجديد فى عام )2023( هو احتال أربع دول آسيوية مراتب متقدمة فى مؤشر الابتكار العالمى، على رأسها دولة سنغافورة التى لا يتعدى عدد سكانها ستة مايين نسمة. حيث تقدمت من المرتبة السابعة إلى المرتبة الخامسة عالميا، وحصدت المركز القيادى بين اقتصادات منطقة جنوب شرق آسيا وشرق آسيا. كما حققت كوريا الجنوبية المرتبة العاشرة، فى حين لاتزال اليابان قوية باعتبارها الاقتصاد الثالث عشر الأكثر ابتكارا. وبعد الصعود السريع والتقدم )(23 مرتبة على مدى العقد الماضى، احتلت الصين المرتبة الثانية عشرة عالميا.

ولاتزال «سويسرا» قائدة لابتكار على مستوى العالم با منازع، إذ تحتل المرتبة الأولى عالميا للسنة الثالثة عشرة على التوالى، وتُعد الدولة الرائدة عالميا باحتالها المرتبة الأولى فى كل من مخرجات المعرفة والتكنولوجيا والمخرجات الإبداعية والثقافية، بحد سواء، إذ حققت المرتبة الأولى عالميا فى حجم ما تنتجه من «براءات الاختراع» والترتيب الثالث فى معدلات النشر العلمى الدولى فى عام )2023(، وهو ما يعكس تقدمها فى مجالات البحث العلمى ومبادرات الابتكار. من ناحية أخرى، حصدت سويسرا المركز الدولى الثانى فى حجم إنتاجها من الصناعات عالية التقنية والترتيب الأول فيما تحصله مقابل حقوق ملكيتها الفكرية. وأخيرا، تميزت سويسرا على صعيد إنتاجها من السلع والخدمات الإبداعية والثقافية )المرتبة الثانية(، والإبداع الإلكترونى عبر الإنترنت )المرتبة الثانية( فى عام )2023.)

وقد تفوقت «السويد» على الولايات المتحدة الأمريكية بصعودها إلى المركز الثانى فى عام ((،2023 بفضل تحقيقها مؤشرات رائدة فى مجالات التطور فى بيئة الأعمال )المرتبة الأولى( والبنية التحتية المؤسسية )المرتبة الثانية( ورأس المال البشرى والبحث العلمى )الدولة الثالثة عالميا(، إذ حصدت السويد المركز الأول عالميا فى مؤشر نسبة الباحثين لكل مليون نسمة من السكان، والمركز الرابع دوليا فى معدلات الإنفاق على البحث والتطوير، كما احتلت السويد المرتبة الأولى فى نسبة ما تملكه من عمالة معرفية ذات تعليم متقدم ومهارات وجدارات حديثة. وتُعد السويد الدولة الثانية على صعيد «روابط الابتكار» من خال تحقيقها مراكز متقدمة فى كثافة وعمق التحالفات الصناعية من أجل الابتكار، والتعاون البحثى بين الجامعات والصناعة، وحجم الإنفاق البحثى الممول من العالم الخارجى. من ناحية أخرى، حققت السويد المرتبة السابعة فى مجال ما تحصله من عوائد مقابل حقوق الملكية الفكرية. كما تتمثل أهم إنجازات السويد الابتكارية فى حصدها للمركز الرابع فى مؤشر صادرات الخدمات الإبداعية والثقافية، والمركز السابع فى كثافة ما تملكه من أصول غير ملموسة.

ولاتزال «الولايات المتحدة الأمريكية» فى المقدمة باحتالها المركز الثالث عالميا فى عام )2023) وحصدها المرتبة الأولى فى ثاثة عشر مؤشر فرعى من الدليل العالمى لابتكار، إذ إنها حققت المرتبة الأولى على سبيل المثال فى حجم الاستثمار فى البحث والتطوير بأفضل ثاث شركات أمريكية عالمية، واحتلت ثاث من جامعاتها رأس قائمة التصنيف العالمى للجامعات، وحصدت المركز الأول فى حجم رأس المال الاستثمارى الداعم لابتكار، وحجم الأسواق الاقتصادية التى تسمح بتسويق مبادرات الإبداع والابتكار، وتطور وعمق التحالفات الصناعية من أجل التنمية. كما تميز أداء الولايات المتحدة الأمريكية على المستوى العالمى فى مجال تمويل شركات الأعمال الناشئة )المرتبة السادسة(، وحجم الائتمان الموجة للقطاع الخاص )المرتبة الثانية(، وما تملكه من عمالة معرفية ذات مستوى تعليمى متقدم ومكتسبة لمهارات وجدارات حديثة )المرتبة الثانية(، وحجم الإنفاق على البحث والتطوير بشركات الأعمال الإنتاجية )المرتبة الثالثة(، وتوافر القدرات والمهارات البحثية بشركات الأعمال )المرتبة الثانية(، والتعاون بين الجامعات والشركات الصناعية فى مجال البحث والتطوير )المرتبة الثانية(. وعلى مستوى المخرجات الإبداعية، احتلت الولايات المتحدة الأمريكية المركز الأول فى قيمة ما تملكه من أصول غير ملموسة، والمرتبة الخامسة فى حجم إنتاجها من السلع والخدمات الإبداعية والثقافية، والترتيب الأول فى حجم أسواقها للترفيه والإعام.

ومن المؤكد أن أداء الدول صاحبة الريادة العالمية فى مجال الابتكار والإبداع وما تبنته من سياسات معرفية وتنموية، يُمثل مصدرا مهما لمراجعة وتحديث الاستراتيجيات الوطنية لبلدان العالم فى هذا المجال. وللحديث بقية.