برنامج اإلصالح االقتصادى على درب النجاح
أخيراً بدأت أرى بصيص الضوء فى نهاية النفق املظلم لالقتصاد املصرى الذى نعيش فيه منذ عقود طويلة. حتى وإن كـان شعاع ضـوء التحسن خافتاً كضوء الشمعة فى ظلمات ليل حالك ال حدود له. أحتـدث عن التقدم الـذى أحرزته مصر فى تنفيذ برنامج اإلصـالح االقتصادي، وأدعـم رأيى بإعالن املدير التنفيذى املسئول عن ملف مصر فى البنك الدولي، أن مصر تسلمت هذا األسبوع مليار دوالر أمريكياً من البنك، وأن هذا املبلغ يعتبر الشريحة الثانية من قرض صندوق النقد الدولى ملصر.
تهدف املساعدة املالية من صندوق النقد الدولى إلـــى دعـــم مــــوارد مـصـر املـالـيـة بـشـرط أن تتبنى احلكومة تنفيذ برنامج لإلصالح االقتصادى موجه إلى استعادة االستقرار املالى وحتقيق منو قوى وغنى بفرص العمل. وبعبارة أخرى، ميكن أن يقدم قرض الصندوق هامشاً من احلماية املالية، بينما تنفذ احلكومة التغييرات الالزمة ملساعدة االقتصاد على النمو من جديد.
وميكن، أيضاً، أن تشكل هذه املساعدة حافزاً للدعم املالى من مؤسسات التمويل الدولية األخرى، وتسهل وصول مصر إلى أسواق رأس املال الدولية.
وللتذكرة، حصلت مصر على قرض من صندوق النقد الـدولـى يسمى «تسهيل الصندوق املمدد»
)EFF(، وهـو تسهيل متويلى يهدف إلـى مساعدة احلـكـومـة على جتـــاوز التحديات الـتـى تواجهها، وأبـــرزهـــا تـوفـيـر احـتـيـاطـى مــالــى ملـعـاجلـة بعض املشكالت الهيكلية طويلة األجل. ويتم صرف القرض على شــرائــح على أســـاس نصف ســنــوي، بشرط استكمال األهداف املتفق عليها الستخدامه فى دعم برنامج اإلصالح االقتصادى الذى وضعته احلكومة، وذلك على مدار ثالث سنوات ومع فترة سداد تبلغ
سنوات .
10
يستند املعارضون إلى حصول مصر على قرض صــنــدوق النقد الــدولــى على أن االقــتــراض يزج بالدولة فى دوامة الديون ويورث الديون إلى األجيال القادمة. بينما املـؤيـدون – وأنـا منهم – يـرون أن قرض الصندوق يساعد على حل مشكلة السيولة العاجلة حني يكون من الصعب احلصول على األموال من األسـواق املالية، أو عندما يكون توفير التمويل بتكلفة باهظة .
وبــاإلضــافــة إلـــى ذلـــك، يتميز االقـــتـــراض من الصندوق بأسعار فائدة أقل بشكل عام من األسعار املعتادة التى تدفعها احلكومات حني تقترض من األسواق املالية املحلية أو الدولية.
إن حصول مصر على الدفعة الثانية من قرض الصندوق قد مت بعد تقييم مدى إجناز احلكومة املصرية فى خطوات برنامج اإلصالح االقتصادي، والـذى كان من الشروط املهمة فى اتفاقية منح القرض. فقد وضعت احلكومة حزمة شاملة من اإلصالحات ملساعدة االقتصاد على التعايف. ولعل أهم األهداف املرجو حتقيقها فى خطة اإلصالح هو خفض عجز الدين العام من حوالى %98 من إجمالى الناجت املحلى فى 2015- إلى
2016 نحو %88 من إجمالى الناجت املحلى فى
2018
- - عن طريق مراجعة سياسات اإلنفاق
2019
والضرائب – مع حماية محدودى الدخل. وأيضاً يشمل برنامج اإلصالح االقتصادى على إجراءات أخـرى، على سبيل املثال، تطبيق ضريبة القيمة www.alborsanews.com املضافة، وترشيد دعم الطاقة بأسلوب أكفأ يفيد الفقراء، وإعــادة توجيه املبالغ املتوفرة من دعم الطاقة إلى اإلنفاق إلى االحتياجات العاجلة مثل مجاالت التعليم والصحة. كذلك يهدف برنامج اإلصــالح إلـى معاجلة اخللل فى سـوق الصرف األجنبي، وتعزيز قـدرة مصر التنافسية، وزيـادة توافر النقد األجنبي، ودعم الصادرات والسياحة، وجذب االستثمار األجنبى املباشر.
وعلى الـرغـم مـن جنــاح مصر فـى إحـــراز جناح مـلـمـوس فــى إطـــار الـتـزامـهـا بـبـرنـامـج اإلصـــالح االقـتـصـادي، فــإَّن املـواطـن البسيط ال يلمس هذا النجاح. فارتفاع مستوى التضخم فاق التوقعات. فقد كان من املتوقع على املـدى القصير أن يرتفع التضخم بعد تعومي اجلنيه، بينما ميــارس البنك املـركـزى دوره فـى تعديل السياسات االقتصادية الكلية إلبقاء التضخم حتت السيطرة، كما تقوم احلـكـومـة مبـراقـبـة األســــواق ملكافحة املـمـارسـات التجارية الضارة واستغالل األوضاع لتحقيق مكاسب برفع األسعار إلى مستويات غير مبررة أو مقبولة.
من املسلم به أن الدول التى تطبق برامج لهيكلة اقتصادها ال بد أن تعانى من فترات صعبة تختلف فـى شدتها بحسب طبيعة املـشـاكـل االقتصادية التى تعانى منها الدولة. ولكن فى نهاية املطاف، تغير احلـال فى هـذه الــدول بعد التزامها بتطبيق اإلصالحات اجلوهرية فى اقتصادها، وبدأت جتنى ثمار اإلصالح والتحول االقتصادى الذى عبر بها إلى آفاق جديدة لم تكن لتحدث لوال التضحيات التى قدمها مواطنوها .
وها نحن منر بنفس التجربة التى سبقتنا فيها دول أخرى، أستشرق املستقبل مفعماً باألمل أن يكون الغد أفضل من اليوم، وأن جتنى األجيال القادمة ثمرة اإلصالح الذى ندفع ثمنه اآلن.
خبير مصرفى hanyfotouh@yahoo.com
لم أر حتى اآلن سياسات تركز على النهوض بالتعليم والصحة وتشجيع االستثمار فيهما