Al Borsa

احذروا من عواقب النمو الضعيف غير الشامل!

-

من املؤسف أن الفشل املستمر واملطول فى حتقيق منو أعلى وأكثر شمولية أصبح سمة مميزة فى االقتصادات املتقدمة فى العقد األخير، ومتتد اآلثار الضارة لذلك وراء االقتصادات والتمويل، إلى عواقب مؤسسية وسياسية واجتماعية أكثر قلقاً.

وهذه الفترة غير االعتيادية علمتنا 5 دروس مهمة أولها ان االقتصادات املتقدمة ال تواجه رياح معاكسة دوريـة فحسب وإمنا أيضا مشكالت كبيرة هيكلية وممتدة منذ وقت طويل، وعالوة على ذلك، وفى ظل غياب الشعور بحالة الطوارئ، تعيق الصعوبات، التى تواجهها الدميقراطي­ات الليبرالية عند السعى ورراء اإلصالحات الهيكلية، االستجابة السياسية املطلوبة.

كما تتسم جميع اإلصالحات الهيكلية بأن تكاليفها فورية بينما فوائدها تأتى مع الوقت.

أما الدرس الثانى هو ان األمر يستغرق وقتاً طويًال بشكل مؤلم حتى تتغير طريقة تفكير صناع السياسة واألكادميي­ني والنماذج واملناهج، رغم األدلة الكاسحة على األرض التى تدعو إلى ضرورة هذا التغيير.

وأكـثـر األمـــور تـدمـيـراً فـى هــذا الـشـأن هو مقاومة فكرة ان االقتصادات املتقدمة ميكن - بل ينبغى عليها فى مسعاها لتحقيق منو أعلى واكثر شمولية ميتد إلى وراء االعتبارات الدورية ليشمل العوامل الهيكلية أيضاً - أن تستخلص دروساً من خبرة الدول املتقدمة األخرى.

وحتى اليوم، ال يفهم االقتصاديو­ن بشكل جيد ما الذى يتسبب فى السلوك غير املعتاد وغير املتوقع لإلنتاجية واالستثمار وحتديد األجور.

والثالث، تبني أن النمو املنخفض وغير الشمولى بقدر كاٍف ينطوى على مجموعة من العواقب غير السارة:

فاقتصادياً، ال يــؤدى هـذا الضعف إلـى ضياع منو اليوم فحسب، وإمنـــا يـزيـد الـضـغـوط الهبوطية على النمو فى املستقبل، وبالتالى الرخاء املستقبلى.

ومؤسسيا، يـغـذى النمو الضعيف تـآكـل الثقة وفـقـدان اإلميان بـ «آراء اخلبراء»، ويزيد الضغط فى نفس الوقت على مؤسسات قليلة (البنوك املركزية) قادرة على االستجابة رغم استخدامها أدوات غير مناسبة.

وماليا، تشترى التجارب السياسية الناجتة - مثل أسعار الفائدة شديدة االنخفاض والسلبية فى أوروبــا - الوقت، ولكنها ال تفعل الكثير للتعامل مع املشكالت الهيكلية، وفى نفس الوقت، فإن استخدام هذه األدوات لفترة طويلة ينتج عنه سوء تخصيص للموارد، ويهدد بأضرار جانبية وعواقب غير مقصودة على املدى البعيد، واجتماعياً، يشعر عدد متزايد من األشخاص بخليط من التضليل، والتهميش، والغضب.

رابعاً، اتضح أن العواقب ال تقتصر فقد على املستوى املحلى وإمنا على املستوى اإلقليمى والعاملى، فاألماكن التى تعانى من منو منخفض وغير شامل تضغط بشكل كبير على البنيات االقتصادية واملالية اإلقليمية والعاملية، ما يزيد من مخاطر التفكك نتيجة فقدان املزيد من املشاركني الثقة فى العقود الضمنية التى جتمعهم.

وهذا األمر ال يقتصر على خروج بريطانيا، واألهم من ذلك التحديات التى تواجه االحتاد األوروبى ومنطقة اليورو، وإمنا أيضاً النظام الدولى الـذى يعطى امتيازات للدول املتقدمة ويتوقع فى املقابل إدارتها املسئولة للنظام.

وتصدر الدول املتقدمة عمالت االحتياطى األجنبى وتتلقى فى املقابل البضائع واخلدمات التى تنتجها الدول األخرى، كما أن لديها القوة الفعلية فى املؤسسات متعددة اجلنسيات، ولكن اجلانب اآلخر من هذه املعادلة وهو اإلدارة املسئولة تأثرت بالسلب بسبب األزمة املالية العاملية التى نشأت فى الغرب، بجانب األزمــات األوروبـيـ­ة املتكررة، واالستجابة السياسية غير املتوازنة التى تعتمد بشدة على البنوك املركزية، ومؤخراً اخلطاب املناهض لألقلمة والعوملة.

وبدون وجود نظام يتكون من الدول املتقدمة األصـغـر والـعـالـم املتقدم والـــذى يكون قــادراً وراغباً فى تغيير البنية العاملية املعيبة، سيزداد امليل لتجاوز الغرب املتقدم وتقليل االعتماد عليه، وهـو ما ظهر مـؤخـراً فى تأسيس بنك االستثمار فى البنية التحتية اآلسيوية، وبنك التنمية اجلديد، ومبادرة حزام واحد / طريق واحد.

ونأمل أن ينتهى املطاف بهذه املجهودات بأن تعيد تنظيم وإنعاش النظام العاملى، أما اخلطورة أن تؤدى إلى تقسيم العالم.

خامساً، ورمبـا األكثر إثـارة للدهشة هو أن األســـواق املالية أصبحت أكثر ارتياحاً لعدم اليقني وامليوعة العاملية احلالية، ورمبا هذا ناجت عن توافر السيولة و3 معتقدات سائدة فى السوق وهى أن النمو رغم ضعفه، فإنه مستقر نسبياً وبالتالى متوقع، والثانى أن البنوك املركزية سـوف تظل قــادرة على قمع التقلبات، والثالث أن السيولة الهائلة فى ميزانيات الشركات سوف جتد طريقها إلى السوق فى النهاية.

واجتماع هذه األشياء يؤدى إلى املزيد من الهشاشة وعدم االستقرار فى معادلة النمو املنخفض.

وكلما تأخرت االقتصادات املتقدمة فى حتقيق منو أعلى وأكثر شمولية، ازدات مخاطر تضمن مستقبلهم لفترات ركود مكلفة، ما سـوف يزعزع االستقرار املالى، ويزيد التشوش السياسى.

وحلسن احلظ وكما فصلت فى مقاالتى السابقة، فإن ما يعيقنا ليس مشكلة إدارة لالقتصاد، وبالفعل بدأت العناصر األربعة الرئيسية (اقتراحات قدمها كاتب املقال حلل أزمة النمو الضعيف) تلقى قبوالً أوسع.

وأصبح األمر يتعلق حالياً وأكثر من أى وقت مضى بالتطبيق السياسى، وينفد الوقت من النخبة السياسية العاملية، لكى تعزز مسئوليات احلوكمة االقتصادية اخلاصة بها.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt