الصين ليست قوة استعمارية فى أفريقيا
منذ عــدة أشـهـر، تـصـدر غــاف مجلة نيويورك تاميز تساؤل «هل الصني القوة االستعمارية العاملية اجلــديــدة؟»، وفـكـرة أن الصني هـى مستعمر القرن الواحد والعشرين ليست جديدة، فهى تخضع للجدل منذ حوالى عشر سنوات، ولكن بالنسبة ألى شخص اختبر االستعمارية أو حتى درسها، يبدو االدعاء غير مناسب إن لم يكن مهيناً.
وال تـزال آثـار االستعمارية تظهر فى الــدول التى عانت منها، مبا فى ذلك دولتى األم، كينيا، ووصف الصني بأنها قوة استعمارية يقلل من الرعب احلقيقى الـذى واجهته هذه املجتمعات، مبا فى ذلك أقاربى الذين احتجزتهم السلطات االستعمارية البريطانية.
ولكن بخاف عدم التناسب األخاقى للمقارنة، فإن هذا النهج ببساطة غير مجٍد، ووصف الصني بأنها «مستعمر» أو «فاعل خير» ال يفعل الكثير ملساعدتنا على فهم الطبيعة احلقيقية لعاقتها بالقارة األفريقية، نـاهـيـك عــن املـنـاطـق األخــــرى، مـثـل منطقة البحر الكاريبى، ونظراً إلى ديناميكيات القوة غير املتوازنة، فإن استيعاب هذه العاقة أمر بالغ األهمية.
وقـــد عـمـلـت، مـــؤخـــراً، مــع شــركــة االســتــشــارات «تشاينا أفريكا أدفــيــزوري» الستكشاف مـدى عمق عمل الاعبني الصينيني داخل بعض الدول األفريقية الــرئــيــســيــة، وظــهــرت ثاث ماحظات.
األولــــــــــــى، أنـــنـــا وجدنا أن الشركات احلكومية واخلاصة والهيئات احلكومية واملـــنـــظـــمـــات غـيـر احلكومية الصينية تــــفــــضــــل ممــــارســــة األعمال مع الدول األفريقية التى قامت بالفعل بإضفاء الطابع الرسمى لعاقاتها مع الصني، وهـذه ليست الطريقة التى يعمل بها االستعمار عادة.
واملاحظة الثانية أن الاعبني الصينيني ال يتجنبون الـدول التى تدافع عن حقوق مواطنيها (وهـى أيضاً ليست سمة لاستعمار)، فعلى سبيل املــثــال، فى الدول التى لديها قوانني عمالة محلية قوية، ال ترغب الشركات الصينية باالنخراط فى مشروعات بنية حتتية وغيرها من املشروعات فيها فحسب وإمنا أيضاً متيل إلى توظيف املزيد من العمالة املحلية نسبياً، مقارنة بالعمالة الصينية.
وأظهر مسح أجرته شركة «ماكينزى» مؤخراً على أكثر من ألف شركة فى ثمانى دول أفريقية، أن حوالى %90 من موظفيها كانوا من املحليني.
وهذا يكون له تأثير قوى على الدولة املستضيفة، فخلق الـوظـائـف الـنـاجت عـن مـشـروعـات اإلنـشـاءات واالستثمار فى قطاع التصنيع أمر حيوى خاصة فى دول مثل جنوب أفريقيا وناميبيا؛ حيث تبلغ نسبة البطالة بني الشباب %40 وأكثر.
أما املاحظة األخيرة فترتبط بالتعقيد احلقيقى لقرارات االستثمار الصينية، فمثلها مثل أى مستثمر، يركز الاعبون الصينيون على رفـع األربـــاح ألعلى مستوى ممكن، وهذا يعنى السعى وراء االقتصادات ســــريــــعــــة الـــنـــمـــو، وكــمــا أظــهــر تقرير حـــــديـــــث جلـــامـــعـــة «جـون هوبكينز»، أن الوجهات األساسية لــــاســــتــــثــــمــــارات الصينية مثل تنزانيا وغـــانـــا وكـيـنـيـا تنمو مبعدالت سنوية تزيد على .%6
ولكن على عكس الكثير من املستثمرين اآلخرين، أثـبـت الصينيون أنـهـم راغــبــون فـى حتمل املخاطر االقتصادية والسياسية، وتقدم جنوب أفريقيا مثاالً، فالدولة لديها «شراكة استراتيجية شاملة» مع الصني، ومنذ عام 2003 تقريباً حتتل الدولة مركزاً فى أكبر 5
دول أفريقية استقباالً لاستثمارات األجنبية املباشرة من الصني، وتواصل االستثمارات النمو رغم تراجع النمو االقتصادى فى جنوب أفريقيا.
ورغم ان الصني ليست استعمارية، يتعني على قادة أفريقيا واحلكومات األخـرى ضمان أن عاقتهم مع الصني تتناسب مع أهـداف التنمية ومصالح دولهم، وأود أن أقترح أربع خطوات مهمة فى هذا الصدد:
أوالً، يتعني على كل حكومة وضع «خطة صينية» عميقة حتدد بوضوح ما يريده املواطنون من الشراكة الصينية.
ثانياً، ينبغى على كل دولــة البحث عن الاعبني الصينيني الــذى ينفذون خطتهم، وميكن أن تسهل منظمات مثل مجلس األعــمــال الصينى األفريقى وغيرها عملية البحث وتنظم للقاءات التعارف.
ثالثاً، يتعني على الــدول التفاوض على مذكرات وعقود تفاهم على أساس أفضل املمارسات الراسخة، وخال هذه املفاوضات ينبغى على الدول األفريقية أن تعى أن لديها وزناً تفاوضياً كبيراً أمام الصني، حتى أكثر من العديد من الدول النامية.
وأخــيــراً، ينبغى على احلكومات األفريقية طلب مساعدة الهيئات املحلية مثل املنظمات غير احلكومية فى مراقبة ومراجعة النشاطات الصينية، خاصة تلك املتعلقة مبعايير السامة للعمالة والبيئة.