ما هو الشمول المالى ولماذا نهتم به؟

مازال مفهوم الشمول املالى غير واضح لدى فئات كثيرة من املجتمع، لذلك تسعى الـبـنـوك واملــؤســســات املـالـيـة بــني احلني واآلخــر الى رعاية فعاليات تخاطب بها الفئات املستهدفة، ولكن عندما ترتقى هذه اجلهود إلى مستوى رعاية مؤسسة الرئاسة ومجلس الـوزراء، فهذ أمر يدعو إلـى عظيم التقدير، وتسليط مزيد من األضـــواء على استراتيجيات وسياسات الشمول املالى.

حسناً فعل البنك املــركــزى املصرى عندما أطلق فعاليات أسبوع الشمول املالى خالل أبريل املنصرم بالتزامن مع إحياء الـدول العربية لـ «اليوم العربى للشمول املالى». وعزز البنك املركزى اهتمامه بهذا املوضوع من خالل إنشائه إدارة مركزية تهدف إلى حتسني مستوى الشمول املالى مبصر، وتنظيمه ملؤمتر التحالف الدولى للشمول املالى الـذى يُعقد مبدينة شرم الشيخ مبشاركة 94 دولة 119و مؤسسة عاملية.

عـــودة مـــرة أخـــرى ملصطلح الشمول املالى، هناك اعتقاد خاطئ شائع بأنه يـتـعـلـق فـقـط بــاحلــســابــات املـصـرفـيـة. واحلقيقة أن الشمول املالى هو تقدمي اخلدمات املالية واملصرفية جلميع شرائح املجتمع بتكلفة أقل وجودة أكبر، حيث أن توسعة دائــرة املستفيدين من اخلدمات املالية سـوف تسهم فـى متكني املجتمع ككل وتعزيز االستقالل املالى لألفراد، وحتـقـيـق تنمية اقـتـصـاديـة مستدامة، باإلضافة إلى االستخدام األمثل للموارد. فالشمول املالى ليس مجرد وجود حساب مصرفى للجميع فى املجتمع، بل يتعلق األمـــر بـإنـشـاء منظومة ُمتـكـن األفـــراد وتشجعهم على استخدام األدوات املالية فى حياتهم اليومية للتمتع اخلدمات التى يتيحها النظام املالى الرسمى وهى الدفع واالئـتـمـان والتأمني واالستثمار. لذلك يعننى الشمول املالى باتاحة اخلدمات املالية ملختلف فئات املجتمع سواء كانت مؤسسات أم أفراد، والعمل على متكينها من استخدام تلك اخلـدمـات من خالل قـيـام الـقـنـوات الرسمية للنظام املالى الرسمى بتقدمي اخلدمات املالية بجودة مناسبة وبأسعار معقولة

وفقاً لتقارير البنك الدولى ال يحصل نصف البالغني فى أنحاء العالم، أو نحو 2.5 مليار نسمة، على خـدمـات مالية رسمية، %75و من الفقراء ال يتعاملون مع البنوك. ويعيش فقراء العالم حالياً ويعملون فـى مـا يعرف باالقتصاد غير الرسمى، على الرغم من أن لديهم القليل مـن املـــال، فإنهم يــدخــرون ويقترضون ولديهم وسائل إلدارة النفقات اليومية.

وفى ظل عدم تعاملهم مع البنوك لتلبية احتياجاتهم من اخلـدمـات املالية، فهم يعتمدوا على الوسائل غير الرسمية إلدارة األموال التى غالباً ما تكون هذه اخليارات غير كافية، ومحفوفة باملخاطر، ومكلفة، ويرجع ذلك إلى ارتفاع تكاليف التعامل مع البنوك، وبُعد املسافات، واملتطلبات املرهقة فى غالب األحيان لفتح حساب مـالـى. وال يـدخـر ســوى نحو %25 من البالغني فى العالم الذين يكسبون أقل من دوالريـن للفرد فى اليوم أموالهم فى مؤسسات مالية رسمية.

كما بينت تقارير البنك الـدولـى، أن عدم التعامل مع البنوك يرتبط بالتفاوت فى مستويات الدخل، فاحتمال أن يكون ألغـنـى %20 مـن البالغني فـى البلدان النامية حساباٌت بنكية رسمية يزيد بأكثر من الضعفني عن أفقر ،%20 ومـع أن الفقراء ال تتاح لهم إمكانية احلصول على اخلدمات املالية بالقدر نفسه الذى يتاح لألشخاص األكثر ثراًء فإن حاجتهم إلى اخلدمات املالية قد تكون أكبر.

ولكن ملاذا تهتم الدول الشمول املالى؟ هناك أسباب متعددة تدعو الـى اعتبار الـشـمـول املـالـى مـن األولـــويـــات الـواجـب مراعاتها من احلكومات ألسباب متعددة ملا لها من انعكاسات إيجابية على البيئة االقتصادية والسياسية على حد سواء، ومساهمتها فى تخفيف مستويات مخاطر املؤسسات املالية والنظام املالى بشكل عـــام، وتـشـمـل اآلثــــار اإليـجـابـيـة لـزيـادة مستويات الشمول املـالـى على املـحـاور الرئيسية التالية: أوالً - تعزيز االستقرار املالى: يــؤدى املـزيـد مـن االسـتـخـدام للنظام املالى الرسمى إلى تنويع محفظة الودائع لدى البنوك مع نخفيف مستويات التركيز فيها مبا يقلل من املخاطر. ثانياً - تعزيز جهود التنمية االقتصادية: يــوجــد عــالقــة طـــرديـــة بـــني مستوى الشمول املالى ومستوى النمو االقتصادى، كـمـا يـرتـبـط مـــدى انــتــشــار واســتــخــدام اخلدمات املالية بانتقال مزيد من املنشآت الصغيرة من القطاع غير الرسمى إلى القطاع الرسمى.

ثــالــثــاً - تـعـزيـز قــــدرة األفـــــراد على االندماج واملساهمة فى بناء مجتمعاتهم:

حتسني قــدرة األفـــراد على استخدام النظام املـالـى سيعزز قدرتهم على بدء أعمالهم اخلاصة وعلى إدارة مخاطرهم املالية.

رابـعـاً - تسخير التكنولوجيا االتصاالت مليكنة النظام املالى:

يتطلب توسيع انتشار اخلدمات املالية املـزيـد مـن ميكنة هــذه اخلــدمــات ومبا يجذب املزيد من املستخدمني، كما أن زيادة اخلدمات املالية اإللكترونية خاصة املرتبطة بـاملـدفـوعـات ستفيد كــًال من املستخدمني واملـؤسـسـات املالية بحيث املالية تصل املدفوعات بسرعة أكبر وبتكلفة أقل.

فتسخير التكنولوجيا املالية من خالل تطبيقات سهلة االستخدام يحقق أهداف الشمول املالى ويُحدث أثر ملموس على الفئات املحرومة مـن اخلـدمـات املالية لــالســتــفــادة مـــن املـــزايـــا الــتــى تـوفـرهـا املؤسسات املالية، وعلى رأسها البنوك.

إن دعم انتشار الشمول املالى يعتمد على توسيع وصـــول األفـــراد للخدمات املالية وتعزيز وزيــادة استخدام األفـراد حلساباتهم املالية واخلدمات واملنتجات املرتبطة بها. ولتحقيق هــذه الغايات، هناك مقترحات ميكن تنفيذها مثل:

• الــتــوســع فــى حتــويــل املــدفــوعــات النقدية إلى مدفوعات من خالل حساب مصرفى.

• وضع السياسات والبرامج القادرة على حتويل املدخرات الى النظام املالى الرسمى للحد مـن تعامالت االقتصاد السرى.

• تطوير املنتجات املصرفية واملالية املبتكرة الـتـى تلبى احتياجات الفئات املهمشة.

• التوسع فى ميكنة اخلدمات املالية واخلدمات املالية اإللكترونية.

• زيادة برامج التوعية والتثقيف املالى.

• إعادة دراسة تعريفة اخلدمات من أجــل تخفيض الـرسـوم والـعـمـوالت غير املبررة املفروضة على العمالء.