Al Borsa

آفاق جديدة

-

ما يقام حالياً من حتالفات أقليمية ودولية – ويأتى جزء كبير منها بقيادة املارد الصينى الذى صار وجوده عابراً للقارات – ُمعبر بصدق عـن التوجه املُـضـاد للعوملة الــذى صـار ملحوظاً بـوضـوح حتى بـدون أمثلة صارخة مثل اخلروج البريطانى من االحتاد األوروبـى والسياسة االنعزالية إلدارة ترامب.

واملثال األكثر نضوجاً هنا هو حتالف «البريكس» بني الصني وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا وهو احللف االقتصادى الوحيد بجانب «مجموعة السبعة» الذى يضم ممثلني لثالث قارات.

ولكن يختلف «بريكس» عن األخير فى أنه ليس مجرد منتدى للتنسيق السياسى واالقتصادى ولكن حتالف يعمل مباشرة لدفع عجلة التنمية فى الـدول األعضاء عبر آليات محددة ومستدامة تدعم اقتصاديات الدول األعضاء بفكر جديد بعيداً عن اتفاقيات التجارة احلرة وعمليات التصنيع املشترك وخالفه التى لم تؤت جميعها إال بثمار محدودة رغم ما صاحبها من آمال كبيرة.

وتركز اتفاقية «البريكس» على متكني الدول من تطورها االقتصادى املستقل بغية التعاون املستقبلى بديًال عن محاولة صهر اقتصادياته­ا بكل ما يحمل ذلك من مخاطر عدم عدالة توزيع الناجت من فرص عمل ومستويات أجور ومنتجات إلخ.

ولهذا الغرض أسست دول البريكس «بنك التنمية اجلديد» برأسمال 50 مليار دوالر لتمويل مشروعات البنية التحتية بالبلدان األعضاء أو دول أخرى قد تكون مؤهلة لالنضمام الحقاً.

كما أطلق التحالف برنامجا نقديا لـلـطـوارئ بقيمة 100 مليار دوالر لدعم أعضائه حال تعرضهم لــهــزات اقتصادية قـويـة متفوقاً فــى ذلــك حتى على آليات مشابهة باالحتاد األوروبــى الذى واجه معوقات جمة أثــنــاء األزمـــة اليونانية كادت أن تهدد وجوده.

كــــمــــ­ا تـــــولــ­ـــى اتـــفـــا­قـــيـــة «الـبـريـكـ­س» اهتماماً خاصاُ مبـبـادئ الشفافية واحلوكمة اإلفـــصــ­ـاح واحلـــكــ­ـم الـرشـيـد داخلياً وخارجياً لدعم اتخاذ القرارات االقتصادية بأنواعها ما بني األعضاء ولتُحد أيضاً من توغل الفساد فى املنظومة، خاصة أن بعض املوقعني معروفني باستشراء الفساد فيهم.

وبعد حضور الرئيس عبدالفتاح السيسى آخر اجتماعات التحالف، يطرح ما سبق سؤاالً مهماً عن إمكانية أن يكون ملصر دور فى منظومة مثيلة أو هل هناك آفاق جديدة قد تظهر فى املنطقة العربية جتعلها أكثر انفتاحاً ويكون لدولها تفكير جديد ليدخلوا فى حتالفات اقتصادية تتعدى حدودهم اللغوية والدينية واإلثنية، خاصة بعدما أثبتت تلك النوعية من االتفاقيات فشلها ألسباب مختلفة تنحصر معظمها فى تضارب للمصالح ال توازنه أهداف مشتركة، وأزعم أن غياب أطراف خارجية غير عربية فيها كان هو السبب الرئيسى لذلك نظراً لغياب رمانة ميزان.

أعتقد أن ال مصر وال أى من الدول العربية مؤهلة حالياً لدخول حتالف مثل «البريكس.» صحيح أن مصر كثفت استثماراته­ا بالبنية التحتية دون أن يكون لها شركاء فعليني فى ذلك سوى املؤسسات املالية الدولية التى هى شريك ضعيف بتلك األمور، وصحيح أيضاً أنها تتخذ خـطـوات مهمة نحو الشمول املـالـى وأصـــدرت قوانني مفترض أنها ستزيد من نسب الشفافية واحلوكمة واإلفصاح ولكن كل هذه اإلجراءات يحتاج انضاجها لسنوات واستدامتها لن يثبُت فى املستقبل املنظور.

ليس املهم أن تقبلنا دول «البريكس» أو ال ولكن املُعضلة هى أن نتسق نحن سياسياً واقتصادياً معها فى ظل ما نعانيه من ضعف التخطيط ملشروعات البنية التحتية على سبيل املثال. فكيف لنا تصور أن أى جهة ستوافق على شكل من التمويل غير االقتراض التقليدى بالضمانات السيادية املُعتادة بعدما وصلت بنا العشوائية إلى درجة أننا استثمرنا املليارات فى مشروعات الطاقة اضطررنا إلى إيقاف الكثير منها الحقاً الكتشافنا أننا بالفعل ننتج طاقة أكثر من احتياجنا وال منلك أساساً الوسائل الكافية لتوصيلها إلى املستهلك.

احلل بكل تأكيد ال يكمن فى الرغبات واألمانى ولكننا يجب علينا أوالً مواكبة ذلك العالم احلديث الذى نشأ من حولنا ونحن مغييبو الوعى مثل تنظيم وتفعيل األنشطة املالية، املصرفية منها وغير املصرفية، وتقنينها بدقة (التخصيم والشراء الهامشى مثًال) والسعى نحو املزيد من التنوع فى أسواقنا املالية (النهوض ببورصة النيل وإنشاء البورصات السلعية) وتكوين كيانات تقدم الدعم الفنى للشركات املتوسطة والصغيرة ومتناهية الِصغر كى تساعدها على النجاح املستدام حتى تكون إضافة للناجت املحلى اإلجمالى ومصدرا للمزيد من فرص العمل وأداة لتعظيم الدخل السيادى للدولة.

أما ما عدا ذلك فيعتبر مجرد سـراب سيغلق أمامنا كافة اآلفـاق، قدميها وجديدها.

ال مصر وال أى من الدول العربية مؤهلة حاليًا لدخول تحالف مثل «الربيكس »

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt