Al Borsa

هل تلوح أزمة ديون أخرى فى األفق؟

- إعداد: رحمة عبدالعزيز المصدر: موقع بروجكت سينديكيت

يـتـسـارع النمو االقـتـصـا­دى عبر معظم أجــزاء العالم، ومع ذلك، فقد وصلت نسبة إجمالى الديون إلـى الـنـاجت املحلى اإلجمالى حلـوالـى 250% من %210 قبل األزمة املالية العاملية أى قبل 10 سنوات، رغم مجهودات املشرعني فى العديد من االقتصادات الهامة إلجبار البنوك على تخفيض الديون.

وهذا ما رفع الشكوك بشأن استدامة التعافى، بل ويجادل البعض بأن رفع أسعار الفائدة سوف يشعل فنيل أزمة عاملية أخرى، فما احتماالت هذا السيناريو؟

ولإلجابة على هذا التساؤل، ينبغى أوالً تذكر أن الديون عبارة عن التزام وأصـل فى نفس الوقت، وفى أى اقتصاد مغلق، تلغى الديون الكلية واألصول املقابلة بالضرورة بعضها البعض، وبالتالى ما يهم حقاً هو تكوين الديون وااللتزاما­ت أو ببساطة من يدين ملن ومباذا.

وعلى سبيل املثال ديـون القطاع العام املرتفعة تشير إلى احلاجة املحتملة لرفع الضرائب -وهو عكس ما يرد فى التشريع الضريبى الذى يضغط من أجله اجلمهوريون فى الواليات املتحدة– أو إلى احلاجة لرفع أسعار الضرائب ســواء حقيقية أو إسمية اعتماداً على السياسة النقدية والتضخم.

أمـا إذا كانت الـديـون مستحقة بقدر كبير إلى مقرضني أجانب، فإن رفع أسعار الفائدة يصاحبة مخاطر تتعلق بسعر الصرف.

وبالنسبة للقطاع اخلاص، يعتمد الكثير على نوع الديون، والنوع األول هو التحوطى والذى تغطى فيه التدفقات النقدية للمدين جميع التزاماته، ثم النوع التكهنى الذى ال تغطى فيه النقدية كل االلتزامات.

ويقول االقتصادى األمريكى، هامين مينسكى، إنه كلما ازدادت حصة الديون التى تقع فى الفئة التكهنية، زادت مخاطر حـدوث صدمة فى الثقة تـؤدى بدورها ملوجة مفاجئة من تخفيض الديون والتى تنفجر باألخير إلى أزمة مالية.

وبالنسبة للقطاعني العام واخلـاص، تلعب آجال االستحقاق دوراً مهماً، فآجال االستحقاق األطول تعطيهم املزيد من الوقت لتسوية أمورهم، وهو ما يقلل مخاطر صدمة الثقة.

ورغم أنه من غير املعقول التركيز على األرقام اإلجـمـالـ­يـة الـبـسـيـط­ـة، متـيـل املــؤســس­ــات العامة والباحثني من القطاع اخلاص للقيام بذلك.

فـإذا نظرنا إلـى تغطية أزمـة الديون اليونانية، سنجد أن عـنـاويـن الصحف ركـــزت على ارتـفـاع مستوى الدين إلى الناجت املحلة اإلجمالى من %100 فى 2007 إلى %180 العام اجلارى، ولم حتظ ديون القطاع اخلاص باالنتباه الكافى.

وفــى الـواقـع أدى حلول الـدائـنـن­ي األجـانـب من القطاع العام محل حاملى الديون من القطاع اخلاص وتخفيض أسعار الفائدة إلى جعل إجمالى الديون اليونانية أكثر استدامة رغم ارتفاعها، واستمرار استدامتها سوف يعتمد جزئياً على مسار الناجت املحلى اإلجمالى.

وظهر نفس اخلطأ عند تقييم ديون الصني التى يقلق العالم أجمع بشأنها، وبالتأكيد األرقام مخيفة، فنسبة الدين العام إلى الناجت املحلى اإلجمالى تقف عند حوالى .%250

كما أن ديون القطاع اخلاص وصلت إلى %210 من الناجت املحلى اإلجمالى، ولكن حوالى ثلثى ديون القطاع اخلاص عبارة عن قروض مصرفية وسندات حتملها شركات مملوكة للحكومة وجهات تسيطر عليها احلكومات املحلية، وبالتالى لدى احلكومة املركزية سيطرة كبيرة على ديون القطاع اخلاص.

وتقبع أكبر مخاطر فى الصني على األرجح فى قطاع صيرفة الظل الذى ال توجد بيانات موثوقة عنه، ومع ذلك، توجد أنباء جيدة بشأن الصني وهى أن معظم الديون هناك مقومة بالرنيمبى، كما أن الدولة متتلك احتياطيات نقدية هائلة تقترب من 3 تريليونات دوالر.

وال تـــزال الـضـوابـط الرأسمالية قـائـمـة، رغم تخفيفها قليًال فى السنوات املاضية، وبالتالى فإن قادة الدولة لديهم درع قوى ميكن استخدامه للوقاية من االضطرابات املالية.

وبالنسبة لبقية االقتصادات الناشئة، هناك بعض مـصـادر القلق، ولكن بشكل عـام األوضـــاع نسبياً مستقرة، ورغم ارتفاع مستوى ديون القطاع اخلاص، فال تــزال مستوياته معقولة، وكذلك ترتفع ديون القطاع العام بشكل متواضع.

وبالنسبة لالقتصادات املتقدمة، ال يوجد سبب يجعلنا نعتقد أن هناك أزمة ديون تلوح فى األفق فى اليابان، وفى الواليات املتحدة، من املتوقع أن يرتفع الدين العام بفضل التعديل الضريبى ولكن الصدمة الناجتة عن ذلك سيتم استيعابها على األقل خالل العام أو العامني املقبلني نتيجة تسارع النمو.

ورغـــم أن األصـــول منخفضة القيمة اململوكة للقطاع املـصـرفـى سـتـواصـل على األرجـــح إعاقة التعافى األوروبـى، فمن غير املرجح أن تتسبب فى أزمة مالية.

وبـاخـتـصـ­ار، ال يـبـدو أن العالم يـواجـه تهديدا خطيرا بوقوع أزمـة جيون على املـدى القصير، بل على العكس يبدو أن مشهد استمرار ارتفاع قيم األصول والنمو املدفوع بالطلب سوف يستمر.

وال يزال يشكل الشرق األوسط مصدراً خطيراً لــعــدم االســتــق­ــرار بسبب تـصـاعـد الــتــوتـ­ـرات فى اخلليج لدرجة أن العداءات بني إيـران والسعودية واالضطرابا­ت داخـل السعودية ال ميكن جتاهلها، وفى هذه احلالة قد ينتهى األمر بصدام بني روسيا وأمريكا .

وحـــتـــى فــــى حـــــال اســـتـــب­ـــعـــاد االضـــطــ­ـرابـــات اجليوسياسي­ة الكبيرة، والتى قد تدمر آفاق النمو االقـتـصـا­دى على املـــدى القصير، فــإن مشكالت متوسطة وطويلة األجل تلوح فى األفق مثل ارتفاع عدم املساواة فى الدخل والتى تتفاقم بسبب عدم التوافق بني املهارات والوظائف فى العصر الرقمى، والتى سوف تعوق النمو إال إذا مت تطبيق مجموعة واسعة من اإلصالحات الهيكلية الصعبة مبا فى ذلك اإلصالحات التى تستهدف كبح التغير املناخى.

وطاملا أن املشهد اجليوسياسى حتت السيطرة، ســوف تتوافر الفرصة لصناع السياسة لتطبيق اإلصالحات الهيكلية املطلوبة، ولكن نافذة الفرص لن تكون مفتوحة لأبد، ولكن إذا ضيع الساسة وقتهم فى اجلــدل، مثلما يحدث فى أمريكا، فإن العالم قد يتجه إلى أزمة اقتصادية حادة.

ال يبدو أن العالم يواجه تهديدا خطريا بوقوع أزمة ديون عىل املدى القصري، بل عىل العكس يبدو أن مشهد استمرار ارتفاع قيم األصول والنمو املدفوع بالطلب سوف يستمر

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt