Al Borsa

سياسة غير مسئولة للبنك المركزى األوروبى

-

أظـهـر الـهـبـوط احلـــاد الـوجـيـز ملـؤشـر «داو جونز» الصناعى مؤخرا بحوالى 1600 نقطة أســاس مـدى إدمــان األســـواق املالية والالعبني االقتصادين­ي للسياسة النقدية التوسعية، وصنعت أسعار الفائدة املنخفضة وبرامج التيسير الكمى املستمرين منذ وقت طويل حوافز للمستثمرين لتحمل مخاطر غير محسوبة بالقدر الكافى، وكلما استمرت هذه السياسات، سيزداد التهديد لالستقرار املالى العاملى.

وفى الواقع أصبحت السياسة النقدية شديدة التيسير غير مناسبة منذ وقت طويل، ويختبر االقـتـصـا­د العاملى – خاصة العالم املتقدم – تعافيا قويا بشكل متزايد ويـرى صندوق النقد الدولي، فى أحدث تقرير له عن «آفاق االقتصاد العاملي»، أن النمو االقتصادى سوف يتواصل فى األرباع القليلة املقبلة خاصة فى الواليات املتحدة ومنطقة اليورو.

ومـع ذلــك، تخشى املؤسسات الدولية، ومن بينها صندوق النقد الدولى من التصحيح املفاجئ فى األسواق، والذى ينشأ من التغير فى توقعات التضخم أو أسعار الفائدة، وتؤكد أن السياسة النقدية ينبغى تشديدها ببطء شديد، وبالتالى تواصل البنوك املركزية تأجيل تطبيع السياسة النقدية، والنتيجة أن أسعار األصـول سترتفع، صانعة تشوهات سوقية كبيرة، والتى بدورها جتعل حركات التصحيح حتمية.

وحتـــرك االحـتـيـا­طـى الـفـيـدرا­لـى بـعـيـداً عن التوسع النقدى منذ أواخــر ،2013 عندما بدأ ميضى باجتاه تقليل وبالنهاية وقـف مشتريات السندات وتقليص ميزانيته، ومنذ نهاية ،2015

مت رفع أسعار الفائدة إلى .%1.5

ومع ذلك، ال تزال سياسة الفيدرالى بعيدة عن الطبيعية، وبالنظر إلى املرحلة املتقدمة للدورة االقتصادية، والتوقعات بنمو اسمى بأكثر من 4%، وانخفاض البطالة، فقد تخطى الفيدرالى بالفعل نقطة التخلص من السياسة امليسرة.

وال تــــزال الــبــنــ­وك املـــركــ­ـزيـــة األخـــــر­ى فى االقتصادات املتقدمة عالقة فى مـزاج األزمـات العنيفة، ولم يبد البنك املركزى اليابانى وال البنك املـركـزى األوروبـــ­ـى أى إشـــارة إلــى أنهما سوف يضيقان السياسة النقدية، رغــم أن األحــوال االقتصادية اليوم مختلفة متاما عن تلك التى سادت أثناء األزمة وفى الركود الالحق للتعافى فى منطقة اليورو.

ويدافع البنك املركزى األوروبــى عن سياسة الفائدة املنخفضة من خـالل التعلل باملخاطر االنكماشية أو التضخم الذى يقف دون املستوى املـسـتـهـ­دف، ولــكــن احلـقـيـقـ­ة هــى أن مخاطر التضخم «الـسـىء» – أى دوامــة االنخفاض فى األسعار واألجور واألداء االقتصادى والتى تغذى نفسها بنفسها – لم تكن مـوجـودة إطالقا فى منطقة اليورو بأكملها، وكان واضحا منذ 2014 أن االنخفاض احلاد فى التضخم يرتبط بالتراجع فى أسعار الطاقة واملواد اخلام.

وباختصار، لم يكن يتعني على البنك املركزى األوروبى اعتبار التضخم املنخفض كوضع دائم أو حتى طويل املدى يتطلب استجابة سياسية عنيفة، وتكمن املشكلة فـى أن املسئولني فـى املركزى األوروبـــ­ى أصبحوا يـركـزون بشكل مفرط على مقابلة مستوى التضخم املستهدف على املدى القصير والذى يعرف بأنه أدنى قليال أو قريب من 2%، وكان لديهم هدف محدد عند .%1.9

وعالوة على ذلك، ال تتماشى سياسة املركزى األوروبى مع الواقع االقتصادي، فمنطقة اليورو، كسائر االقتصاد العاملي، تختبر تعافيا قويا، ومــع ذلـــك، ســوف يستخدم املــركــز­ى األوروبـــ­ى االضطرابات األخيرة فى أسواق األسهم كدليل على ضرورة مواصلة سياساته احلالية.

ورغم أن مجلس إدارة املركزى األوروبى يبدو مقتنعا بـأن السياسات التوسعية حيوية لدعم منو الناجت املحلى اإلجمالى والعمالة، وللسيطرة على االنكماش، فإن هذا األمر غير مؤكد، وفى الواقع فإن تأثير هذه السياسات على التعافى ميكن قياسه بشكل موثوق، وسيكون على األرجح متواضعا، وبالتأكيد ال يساوى املبلغ املنفق على مشتريات األصول منذ أبريل 2015 والذى يبلغ 2.3 تريليون يورو، ناهيكم عن التداعيات األخرى ألسعار الفائدة الصفرية أو السلبية.

ومـن بني هـذه التداعيات أن أسعار الفائدة للمركزى األوروبى فقدت وظيفتها التوجيهية، وأن املخاطر لم يعد تقييمها بقدر صحيح، ما يقود إلى سوء توزيع للموارد وزيادة نسب االستدانة فى البنوك والشركات، وهو ما أخر تقليص معدالت ديونها، باإلضافة إلى تشوه سوق السندات بشكل كامل، وتأجيل حتسني الوضع املالى فى الدول عالية االستدانة.

وبالتالى، فـإن فوائد سياسة البنك املركزى األوروبى مشكوك فيها، فى حني أن مساوئها ال جدال فيها، وببساطة تعد سياسته احلالية غير مسئولة، وكذلك عدم وجود أى خطة لتغييرها.

والـيـوم أصبحت السياسة النقدية خاضعة لـلـسـيـاس­ـة املــالــي­ــة، فــى ظــل مــواجــهـ­ـة الـبـنـوك املركزية ضغوطا سياسية متزايدة لإلبقاء على أسعار الفائدة منخفضة بقدر كبير، وكما أثبتت االضطرابات األخيرة فى سوق األسهم، فإن هذه السياسات ترفع مخاطر عدم االستقرار املالى بقدر كبير، وعندما حتدث حركات تصحيح أكثر حدة فى األسواق، وتؤثر على االقتصاد احلقيقى، فما هى األدوات التى تبقت للبنوك املركزية حتى يستخدمونها؟

االنخفاض الحاد فى التضخم يرتبط بالرتاجع فى أسعار الطاقة واملواد الخام

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt