«فاينانشيال تايمز»: الشرق األوسط يبحث عن عمل

اليـزال اآلالف من الشباب فى منطقة الشرق األوســـط يبحثون عـن وظـائـف لتغطية نفقاتهم الشخصية وحتمل تكاليف الزواج والسكن فى ظل زيادة الضرائب وارتفاع أسعار بعض املنتجات مثل السيارات واإلنترنت وحتى املكاملات الهاتفية.

وكشفت صحيفة «فاينانشيال تاميز» البريطانية، أن منطقة الشرق األوسط تعانى من أعلى معدل بطالة بني الشباب فى العالم، حيث أن %30 من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بني 15 و42 عاماً عاطلون عن العمل، فضًا عن أن معدالت النمو السكانى فيها من بني األسرع، وتعانى حكوماتها من األزمات املالية إلصاح نظم الدعم املكلفة.

واجتاح إيران أكبر مظاهرات مناهضة للنظام منذ عقد من الزمان فى ديسمبر املاضى بدافع تدابير التقشف واالستياء من تفشى الفساد.

يأتى ذلـك فى الوقت الــذى نشبت فيه بعض االحتجاجات املحدودة فى اجلزائر واألردن مطلع العام اجلارى بسبب ارتفاع أسعار املواد الغذائية وتخفيض اإلنفاق العام.

وأوضـحـت الصحيفة، أن نـوبـات االضـطـراب تعكس خيبة األمــل التى يشعر بها كثيرون فى جميع أنحاء الشرق األوسط الذين يلومون قادتهم على جتاهل مطالبهم بتشكيل أنظمة أكثر إنصافاً تعمل على توفير الوظائف واحلريات االجتماعية واالزدهار.

يذكر أن نوبات الغضب املتزايدة كانت العامل العامل األكبر فى نشوب انتفاضات 2011 التى أجـجـت الـصـراعـات فـى سـوريـا وليبيا واليمن ووفرت أرض خصبة خللق جماعات متطرفة مثل «داعش».

وعلى الرغم من فقدان اجلماعات املتطرفة معاقلها فى العراق وسوريا يحذر اخلبراء من أن املنطقة التزال تعانى من أزمة كبيرة تشكل تهديداً أكـثـر خـطـورة السـتـقـرارهـا على املـــدى الطويل واملتمثلة فى فشل احلكومات بإصاح األنظمة املعيبة التى جمعت بني القمع والتهدئة للحفاظ على االستقرار على مدى عقود.

وقـال مــروان املعشر، وزيـر اخلارجية األردنـى السابق ونائب رئيس مؤسسة كارنيجى للسام الدولى، إن متزق املجتمع هو املشكلة األكبر ولسوء احلظ، فإن عدد قليل جداً من القادة يولى اهتماماً بهذه املشكلة وإذا لـم تخرج احلكومات بخطة سياسية واقتصادية جديدة ستظهر نسخة جديدة من داعش.

وأشــارت الصحيفة إلى أن العقد االجتماعى التقليدى فــى الــشــرق األوســــط، الـــذى يدعمه مدفوعات الـدولـة، والتى متولها البترودوالرات مقابل احلرية السياسية املحدودة أصبح يتاشى.

وبعد فترة طويلة من انخفاض أسعار البترول وعـــدم االســتــقــرار والــركــود االقــتــصــادى دخلت احلكومات فـى مـعـارك للتصدى لعجز املـوازنـة واعتمدت بصورة متزايدة على الديون اخلارجية.

وكشفت بيانات صـنـدوق النقد الــدولــى، أن حكومات الشرق األوسط أنفقت 74 مليار دوالر على دعم الوقود خال عام 2016 وهو ما ميثل ربع الدعم العاملى للطاقة.

وقــــال اخلـــبـــراء، إن اإلصـــاحـــات قـــد طــال انتظارها وحتـدث فى بيئة متقلبة تتسم بشعور متزايد بالظلم بني السكان الشباب املتحضرين واملستنيرين الذين تفاقمت حياتهم فى السنوات املاضية منذ عام .2011

وأشــارت الصحيفة إلى أن تونس تعد الدولة العربية الوحيدة التى حققت التحول الدميقراطى فى أعقاب انتفاضات عام ،2011 ولكن املكاسب السياسية لم يقابلها النجاح االقتصادى حيث أن الدولة التزال تعانى من معدل بطالة بني الشباب تبلغ نسبته .%25

وفى عام 2016 وافقت تونس على حزمة من القروض تبلغ قيمتها 2.8 مليار دوالر من صندوق النقد الدولى، وهو ما يعنى دفع اإلصاحات املؤملة مبا فى ذلك إجـراءات التقشف التى تسببت فى احتجاجات يناير املاضى.

واتخذت مصر طريقاً مماثًا، حيث حصلت على قـرض بقيمة 12 مليار دوالر من صندوق النقد الــدولــى، خفضت مبوجبه الـقـاهـرة دعم الوقود وقيمة اجلنيه.

وعلى الرغم من ترحيب املستثمرين والشركات بهذه التحركات، إال أن طبقات الشعب العادية أصيبت مبزيد من األلم بسبب زيادة أسعار املواد الغذائية وارتفاع التضخم إلى ما يزيد على .%30

وفى اململكة العربية السعودية يتخذ ولى العهد األمير محمد بن سلمان، نهج متعدد اجلوانب إلصاح االقتصاد القائم على البترول.

وقـام وريـث العرش البالغ من العمر 32 عاماً بتقدمي وعود للشباب بخلق مجتمع أكثر انفتاحاً واتخذ اجراءات جديدة مبا فى ذلك رفع احلظر على قيادة املرأة للسيارات.

وسعى أيضاً إلى تضييق العجز املالى عن طريق خفض رواتب القطاع العام وزيادة أسعار الوقود بنسبة تصل إلى %127 وإدخـال ضريبة القيمة املضافة.

وقالت الصحيفة، إن اجليل القادم فى اململكة سيتعني عليه تخفيض توقعاته بشأن الـرواتـب واالمــتــيــازات ويـتـوقـع املـزيـد مـن التنافس على وظائف القطاع اخلاص.

وأوضـــــح راجـــــوى أســـعـــد، األســـتـــاذ املــصــرى للتخطيط والشئون العامة بجامعة «مينيسوتا»، إن مشاكل املنطقة تتفاقم بسبب ضعف القطاع اخلاص غير القادر على استيعاب الوافدين اجلدد للوظائف وارتفاع وتيرة الباحثني عن عمل مع زيادة معدالت التحصيل العلمى.

أضاف أن االستثمارات األجنبية لم تتحقق وفى املقابل دخلت االستثمارات املحلية إلى مناطق آمنة جدا ال تنتج فرص عمل جيدة مثل العقارات.

وأدرك صندوق النقد الدولى، هذه املخاطر، حيث طالبت كريستني الجـارد، مديرة الصندوق فى يناير املاضى الدول العربية بتسريع وتيرة خلق فرص العمل وحذرت من حالة عدم الرضا العام الذى يتفجر فى العديد من بلدان املنطقة.

أضافت الجارد، أن 27 مليون شخص سيدخلون سوق القوى العاملة العربية فى السنوات اخلمس املقبلة.

ودعـــى صــنــدوق الـنـقـد الـــدولـــى، احلـكـومـات العربية إلى الكفاح من أجل جذب االستثمارات لقطاعات تولد فرص عمل مثل التصنيع وتخفيف حدة الضغوط من خال إدخـال برامج احلماية االجتماعية لشرائح املجتمع األكثر فقراً وتغيير نظم الدعم التقليدية.